الهديل

خاص الهديل: ماذا يريد بايدن من حرب غزة: أهداف أميركية أبعد من “تصفية حماس” ومن إنجاز “حل الدولتين”

خاص الهديل:

بعد ٣٥ يوماً من الحرب على قطاع غزة، صار واضحاً في هذه اللحظة أن قرار وقف هذه الحرب تتحكم به ثلاثة معطيات استراتيجية؛ ومن دون نضوج ظروفها على نحو كامل، فإن آلة القتل الأميركية التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي ستستمر بإبادة غزة: 

المعطى الأول يتمثل بمدة الوقت الأميركية المعطاة لإسرائيل كي تنتهي من حربها على غزة.. وفي هذا السياق ليس خافياً أن حرب إسرائيل على غزة تملك غطاءاً أميركياً سياسياً وتسليحياً ومالياً كبيراً؛ وهي من دون هذا الغطاء لن تستطيع الاستمرار بالحرب ولو ليوم واحد. فإدارة بايدن هي من تعوض إسرائيل خسارة نصف مليار دولار يومياً نتيجة الحرب؛ وهي من تعوضها الكم الكبير جداً من الصواريخ المختلفة الأنواع التي تستهلكها يومياً في حرب تدمير غزة؛ وهي من تحمي ظهرها من إعلان الحرب عليها من قبل حزب الله وأذرع إيران العسكرية المنتشرة من اليمن حتى لبنان.. 

حتى هذه اللحظة لم يقل بايدن أنه يؤيد وقف النار في غزة؛ بل على العكس من ذلك، فهو قال أمس عقب جولات من المفاوضات للتوافق على إنهاء الحرب وإطلاق الأسرى، والتي كان مسرحها الدوحة والقاهرة وواشنطن؛ أنه لا يمكن تصور التوصل لوقف نار حالياً؛ كون هذه الخطوة ستفيد حماس بالتقاط أنفاسها العسكرية؛ وهو أمر يهدد بتكرار حدث ٧ أكتوبر(!!). وكل ما وافق عليه بايدن هي هدن تكتيكية لمدة ٤ ساعات كل يوم.. وهذه الهدن التي يصفها بايدن بأنها “هدن إنسانية” هي في الواقع “هدن غير إنسانية”، بل هي “هدن حربية وعدوانية”؛ كون الهدف الحقيقي منها، هو فرض عملية ترانسفير (ترحيل) قسرية على مواطني غزة الفلسطينيين لإجبارهم على الانتقال من القسم الشمالي إلى القسم الجنوبي من قطاع غزة.. فما طرحته إسرائيل أمس ودعمه بايدن، هو هدنة لأربع ساعات يومياً، يتم خلالها “تحديد أحياء معينة يغادر أهلها عبر مسار معين وتوقيت معين من شمالي غزة إلى جنوبها”، وتقوم إسرائيل في كل يوم بتحديد الأحياء التي على أهاليها المغادرة وتحديد المسار الذي عليهم سلوكه والتوقيت الذي عليهم الالتزام به.. وسوف يخصع هؤلاء المُرحلون إلى تتبع أمني من قبل الجيش الإسرائيلي، بحيث يمكنه توقيف أي نازح يشتبه به!!. 

ومع ذلك يسمى بايدن الهدنة التكتيكية هذه – حسب المصطلح الإسرائيلي – بهدن إنسانية هدفها إنقاذ أهل غزة من جهة من البقاء في ميدان القتال، وتمكين الجيش الإسرائيلي من تدمير شمال غزة ليتسنى له القضاء على حماس.. 

والواقع أن موضوع الهدن الإنسانية له تفسير واحد وهو أن الغطاء الأميركي كي تستمر إسرائيل في حربها لتدمير شمال غزة بالكامل، مستمر ومفتوح وليس مقيداً بأي سقف زمني!!.

وهذا الواقع ينقلنا للمعطى الثاني الإستراتيجي الذي يتحكم بقرار إنهاء الحرب على غزة؛ وهو يتجسد بالسؤال التالي: طالما أن بايدن سيستمر بدعم الحرب الإسرائيلية على غزة حتى يتحقق الهدف النهائي لهذه الحرب؛ فإن السؤال يصبح ليس عن المدة التي حددها بايدن لنتنياهو حتى يوقف الحرب؛ بل يصبح السؤال عن طبيعة هذا الهدف النهائي الذي يعتبر بايدن أنه بعد تحققه فقط سيتم وقف الحرب؟؟.

حتى الآن لم تكشف لا تل أبيب ولا واشنطن عن طبيعة الهدف الذي يسعيا لنيله من هذه الحرب؛ فنتنياهو يتحدث عن غزة بلا حماس، وبايدن يتحدث عن حل الدولتين؛ ولكن ما يبدو لافتاً هو أن قوة الغطاء الأميركي لإسرائيل، والحجم الهائل للانتشار العسكري الدولي الغربي الموجود مع الأسطولين الأميركيين في مياه المتوسط، إنما يشيان بأن أهداف هذه الحرب أكبر من قصة الإنتقام من حماس، وأبعد من حل الدولتين، وأعظم من السردية التي تقول بأنه بعد الحرب سيبدأ الإنتقام الأميركي والإسرائيلي من نتنياهو!!. 

.. وعليه لا يبدو أن هناك وقتاً محدداً لإنهاء هذه الحرب؛ فالتوقيت مفتوح على شهية أهداف أميركية، وليس فقط إسرائيلية، كبيرة وشرهة.. 

أما المعطى الثالث الذي يفترض أنه يساهم في إيقاف الحرب؛ فهو اتخاذ العرب مجتمعين، “قرار صادم لأميركا” و”غير متوقع بالنسبة لإسرائيل”؛ من قبيل إعلان إلغاء كل معاهدات السلام والتطبيع معها؛ أو وقف تصدير النفط؛ أو حتى إعلان قرار عسكري(!!).

..ولكن ذهاب العرب إلى مثل هذه المواقف دونه الكثير من التحفظات العربية؛ والتي سيكون أبرزها قول بعض الدول العربية أنها ليست مستعدة لدخول حالة حرب شاملة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، لم تحدد هي وقتها ولا هدفها؛ بل أن حماس هي التي حددتها(!!). والمشكلة هنا ستتمظهر على نحو يفيد بأن الموقف العربي الرسمي لن ينجر لردود الفعل ضمن أجندة حددتها حماس ويستغلها اليمين اليهودي المتطرف؛ بل سيحاول تحمل مسؤولياته وفق أجندة التزام الموقف العربي الرسمي بما يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني..

Exit mobile version