*بقلم الشيخ مظهر الحموي*
عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى
من أكثر المواقف السياسية غرابة في التاريخ أن يجمع أكثر العالم الغربي على تكريس شرعية المحتل الإسرائيلي، ويتعاطف معه في عدوانه ويدعمه في المحافل الدولية – دولة ذات سيادة – حتى وإن أعلنت هذه الدولة عنصريتها اليهودية، في الوقت الذي يرفض فيه العالم الغربي وعلى رأسه أميركا ، أن يكون للشعب الفلسطيني صاحب الأرض دولة مستقلة.
هي وصمة عار تاريخية لا مبرر لها قانونيا ولا واقعيا ، ورغم ذلك فإن هناك من يتحدث عن العدالة والديمقراطية وحقوق الشعوب ويبدو أن هذه الشعارات تصلح في أي مكان في العالم ، ولا تطبق في فلسطين.
لقد وجد الشعب الفلسطيني بعد ٧٥ عاما من النكبة والحصار والجرائم التي ترتكب بحقه ، أن ما تسمى المفاوضات مع عدو ماكر هي طبخة حصى وحديث خرافة ، لا سيما مع إستمرار هذا العدو بعدوانه الدائم وإصدار قراراته الإستيطانية ( الإستعمارية ) التي تمزق جسد الأراضي الفلسطينية ، أشلاء متناثرة ، ومع المضي في عملية تهويد القدس الشريف من خلال هدم الأبنية العربية فيها ، وآخرها الإستيلاء على أبنية حي الشيخ جراح وطرد سكانه العرب ، وإغراق القدس وضواحيها بالأبنية اليهودية التي باتت تطمس معالم هذه المدينة العربية.
ومن العجب ايضا إدعاء قادة الكيان الصهيوني أمام الرأي العام الدولي وبعض السذج عندنا ، رغبتهم بتحقيق السلام !.. والدعوة الى التطبيع، وذلك بمتابعة أمر المفاوضات الثنائية دون أي قيد أو شرط ، مع عدم إيقاف هذه المستعمرات بل وإشادة المزيد منها .
وعلى الرغم من المتابعة المفصلة لواقع هذا الشعب الصامد فإن عددا من دول الإستكبار العالمية صمت آذانها وأغمضت عيونها أبان قصف وتدمير الأبنية في غزة وقصف مستشفياتها وقتل شيوخها ونسائها وأطفالها ، لأنه لا تريد أن تسمع إلا صوت نتنياهو ، ولا تريد أن ترى إلا الكيان الإسرائيلي آمنا يباح له ممارسة أي عدوان من أجل تأمين وجوده وطمأنينة شعب خليط من بقاع متفرقة من العالم .
ومن يقلب صفحات السنين والأيام يعلم كم بدت ملامح الإستشراس الأميركي في إشهار الفيتو – النقض – ضد أي قرار في مجلس الأمن يدين إسرائيل لعدوانها المستمر أو يؤيد إعلان دولة فلسطين ، وهذا ليس بغريب عن دولة تمثال الحرية التي سبق لها أن شهرت عشرات من – الفيتو – ضد القررات التي تدين إسرائيل – مجرد إدانة – على جرائمها الحربية طوال أكثر من سبعة عقود بحق أهلنا في قطاع غزة والضفة الغربية ، وعلى جرائم الإغتيالات والخطف والتنكيل والأسر وممارسات حواجز الإذلال وتدمير المنازل وإبادة شجر الزيتون وسائر انواع المزروعات ، وضد مشروعات قرار بخصوص الأعمال غير القانونية التي تقوم بها إسرائيل، أغلبها متعلقة بإنهاء الاستيطان الإسرائيلي غير المشروع ، وبمطالبة إسرائيل بالعودة لحدود 1967.
وللاسف أننا في كل مرة نرى هذه المعايير المزدوجة التي تتعامل بها السياسة الأميركية وغيرها نحو الحقوق الفلسطينية وممارستها المتناقضة نحو هذه القضية ، ومواقفها المؤيدة جهارا نهارا لهذا الكيان الصهيوني منذ نشأته …
ولم يعد خافيا البتة هذا الإحتضان الأميركي ( إن كان من الجمهوريين أو الديمقراطيين ) بل والإلتحام الشديد مع كل مزاعم قادة هذا الكيان الصهيوني ، بحيث بات من الميؤوس منه أن تتخلى هذه السياسة الرعناء عن مصالح إسرائيل في البقاء وتأمين كل المقومات التي تعزز أمنها حتى ولو على حساب ما تبقى من أراض فلسطينية مزقتها عشرات المستعمرات الكيدية .
وماذا يمكن أن تضيف هذه السياسة الحاقدة نحو العرب والمسلمين من مواقف مستجدة في هذا المجال وقد صار بديها أنه لا يمكن زحزحة الموقف الأميركي وحلفاءه ، ولو قيد أنملة عن إندفاعهم المستميت لحماية هذا الكيان الغاصب.
ويجب علينا ان نعلم أنه لا تزال الأمم كما أخبرنا النبي ﷺ تتداعى علينا كما تداعى الأكلة الى قصعتها تتربص بشعوبنا ومعتقداتنا لتنفذ من ثغراتنا ، بعد ان سيطروا على مراكز القرار في هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وسائر المنظمات المتفرعة ، وعلى الأخص ما يسمى منظمة العفو الدولية ، ومنظمة حقوق الإنسان والتي ترفع شعارات كبيرة في العالم انها تدافع عن الإنسان المضطهد المعذب ، فها هي اليوم تنكشف ألاعيبها ومؤامراتها ويتبين لنا أنها تنسجم في مبادئها وأهدافها مع المخططات اليهودية .
إن هذه المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية هي مرحلة مصيرية وحاسمة ، فلا بد من موقف عربي وإسلامي موحد يدعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة ويقف بصدق وإخلاص ودفاع في وجه ما تنوي به إسرائيل وأمريكا وحلفاءها…
ترى ما سيكون موقف العرب والمسلمين بعد الإعتداء الوحشي على غزة ونسف وتدمير أبنيتها وقتل الآمنين فيها في حال إشهار أميركا سلاح – الفيتو – من جديد ضد أي قرار سيصدر وضد أيضا أن تكون فلسطين دولة ذات سيادة ؟!
سؤال ينتظر الجواب…؟