الهديل

خاص الهديل: بدأ “اليوم التالي” في حرب غزة: الجيش الإسرائيلي يحاكي خطة احتلال الأميركيين لبغداد!!.

خاص الهديل:

دخل الجيش الإسرائيلي ليلة أمس إلى مصيدة غزة، واغلب الظن هو أن إسرائيل بذلك تكرر خطأ دخولها واحتلالها لقطاع غزة عام ١٩٦٧؛ وهو الاحتلال الذي اكتشف ارييل شارون بعد ثلاثة عقود أنه يجب انهاؤه هرباً من ثمن الاستنزاف الباهظ الذي يدفعه الجيش الإسرائيلي مقابل بقائه في غزة.

لقد ترك شارون جملتين إثنين تلخصان تجربة إسرائيل مع احتلال غزة، الأولى تقول “أتمنى لو أنني أستيقظ صباحاً وأجد البحر قد ابتلع غزة”؛ والثانية تقول “على إسرائيل فك الارتباط مع قطاع غزة والانسحاب منه من دون شروط”.. 

.. خلال احتلاله لغزة، “كان الجيش الإسرائيلي يسيطر على غزة بالنهار، بينما في الليل يسيطر عليها الفدائيون”.. وقد أسماها المعلقون الإسرائيليون “بجبل النار “.. 

.. ما تقدم من وقائع وعبر تصف تجربة احتلال إسرائيل لغزة منذ ١٩٦٧ لغاية ٢٠٠٧، هو تفاصيل السيناريو الذي سيحدث للجيش الإسرائيلي في غزة بعد ليلة ١٠ – ١١- ٢٠٢٣؛ وبكلام آخر هو تفاصيل “اليوم التالي” لمعاودة احتلال غزة. 

العبرة التاريخية أو الاستنتاج التاريخي يقول أن مشكلة إسرائيل مع غزة، تظل أهون على إسرائيل وعلى ما يسمى بأمن إسرائيل، عندما يكون جيشها خارجها، وحينما يظل جيشها واقفاً على أبوابها أو عند غلافها ولا يتوغل داخلها.. بينما تصبح مشكلة تل أبيب مع غزة وجودية ومرعبة وعملية استنزاف يومي لجيشها، عندما يصبح الجنود الإسرائيليين داخل غزة.. وسبب هذا النوع من المشاكل الذي تسببه غزة بشكل خاص لإسرائيل، يعود لكون الصراع فيها يأخذ معنى ديموغرافياً، الأمر الذي لا تستطيع إسرائيل الانتصار عليه مهما ارتكبت من مجازر بحقه..

إن خطأ نتنياهو التاريخي بدأ ليلة أمس، حينما قرر أن عليه الهروب إلى داخل غزة المدججة بالسلاح الفلسطيني الديموغرافي، وذلك كي يهرب من الدخول إلى عتمة السجن.. أيضاً تراود نتنياهو فكرة أساسية وهو يبحث داخل حرب غزة، عن طوق نجاة له من محاسبته عن تقصيره يوم ٧ أكتوبر.. ومفاد هذه الفكرة هي أن يجر جو بايدن معه إلى وحل كمين غزة، بحيث يصبح مصير الأخير الانتخابي الرئاسي، كما مصير نتنياهو السياسي، مرتبطاً بالفوز في غزة وعلى غزة..

.. وعليه يتضح أن غزة لم تعد فقط سبباً لخروج نتنياهو من رئاسة الحكومة، بل أصبحت أيضاً أحد النقاط الانتخابية الفارقة التي تؤدي إلى نجاح أو سقوط بايدن في الانتخابات الرئاسية؛ فسبعون بالمئة من أصوات العرب والمسلمين الأميركان الذين تشكل أصواتهم نقطة تحول في نتائج بعض الولايات (كميشغن مثلاً وغيرها)، انتقلوا مؤخراً من دعم الحزب الديمقراطي إلى دعم الحزب الجمهوري. 

وبمثلما أن نتنياهو أخطأ في قراره بدخول غزة ليلة أمس كونه يعرض الجيش لكمين استنزاف استراتيجي وطويل المدى، فإن بايدن أخطأ في تغطية قرار نتنياهو بالدخول إلى داخل غزة؛ لأنه بقراره هذا جعل نفسه شريك نتنياهو بالوقوع في كمين غزة العسكري والسياسي والانتخابي.. وحساب غزة سوف يطارد نتنياهو سياسياً في اليوم التالي لتوقف نار الحرب؛ فيما حساب غزة سيطارد أيضاً بايدن عند فتح صناديق اقتراع الانتخابات الرئاسية الأميركية..  

.. ولا يحتاج لا بايدن ولا نتنياهو إلى مستشارين عسكريين حاذقين حتى يخبرانهما بما ينتظرهما في غزة: بداية ينتظرهما تلطخ أيديهما بدماء الاطفال والشيوخ والنساء الفلسطينيين، ونيل اللعنة المعنوية التي ستؤثر على صورتهما السياسية والانتخابية؛ وينتظرهما حرب مع غزة ثبت أنه لا قدرة لأي جيش أو أسطول عليها، وذلك لكون غزة منطقة ذات كثافة سكانية عالية جداً والانتصار عليها يتم بوسيلة واحدة وهو تهجير أهلها أو إبادتهم؛ وكلتا هاتين الوسيلتان مستحيلتان؛ كونه يصعب تهجير أهلها، لأن محيط غزة الجيوسياسي لا يهضم مادتها الإجتماعية؛ كما يصعب السيطرة على الديموغرافيا فيها وتوجيهها سياسياً ومناطقياً، حتى ولو شق نتنياهو وبايدن ألف ممر لخروج اهاليها من شمالها إلى جنوبها..

.. باختصار لن تنجح حرب نتنياهو المؤيدة من بايدن بالسيطرة على ديموغرافيا غزة أو بتوجيه وقائعها؛ وذلك بالنظر لكون سلاح غزة الأول الذي تدافع به عن نفسها، هو زخم الديموغرافيا فيها.. فكما النيل هو هبة مصر، فإن الديموغرافيا هي هبة غزة وقوتها. 

وفي مراكز التخطيط الإسرائيلي، كما في البنتاغون يعرفون مسبقاً أن العملية الإسرائيلية البرية هي بداية الهزيمة الإستراتيجية لإسرائيل في حربها مع غزة.. ولكن بالنسبة لنتنياهو فإن الحرب البرية هي احتماله الوحيد والأخير للنجاة بنفسه؛ ولذلك لم يكن لديه مناص من خوضها.. أضف لذلك أن الجيش الإسرائيلي المنقوص الكرامة بفعل يوم ٧ أكتوبر، لا يوجد لديه مناص من بدء الحرب البرية حتى يقول للرأي العام الإسرائيلي أنه جيش مقاتل، وليس فقط “جيش يقصف عن بعد، ويهرب أمام حماس عن قرب”.. 

والواقع أن مأزق نتنياهو ومأزق الجيش هما اللذان أمليا دخول إسرائيل الحرب البرية والتوجه للتوغل الإحتلالي لغزة الشمالية؛ ولكن السؤال اليوم بالنسبة لبايدن وللجيش هو كيف يمكن الحصول على صورة نصر رمزية داخل غزة؟.

الإجابة عن هذا السؤال تكفل بها المستشارون العسكريون الأميركان الذين أرسلهم بايدن ليساعدوا الجيش الإسرائيلي في إنجاز أمرين أساسيين: مساعدة الجيش الإسرائيلي لاستعادة توازنه من جهة، والبحث من جهة ثانية عن صورة نصر رمزية للجيش الإسرائيلي ينهي بها حرب السيوف المسنونة.

ويبدو أن المستشارين الأميركيين قرروا تطبيق سيناريو خطة بغداد التي نفذها الجيش الأميركي على مدينة غزة. فآنذاك وجد الجيش الأميركي استحالة احتلال بغداد فعلياً؛ بمعنى الانتشار داخل أحيائها؛ فقرر السيطرة فقط على شوارع بغداد الرئيسية، والوصول إلى معلم أساسي في المدينة، يؤدي أخذ صورة لتحطيمه والسيطرة عليه، إلى الإيحاء للعالم بأن الجيش الأميركي انتصر في العراق. وفي غزة يحاول منذ أمس الجيش الإسرائيلي في غزة، محاكاة خطة الحصول على صورة النصر التي اعتمدها الجيش الأميركي في بغداد.. فلقد أيقن الإسرائيلي أنه لا يمكنه التوغل في أحياء مدينة غزة، وأن الأفضل له هو السيطرة على شوارعها الأساسية والتوجه نحو السيطرة على أبرز وأكبر وأقدم معلم فيها، وهو مستشفى الشفاء لأخذ صورة هناك تزعم النصر عبر القول أن الجيش الإسرائيلي سيطر عليه؛ وعبر فبركة عملية دهم لقيادة حماس الموجودة تحته بحسب الإعلام الإسرائيلي.

والواقع أن معركة مربع المشافي كما بات يسميها الإعلام العالمي، هي معركة أخذ صورة النصر المزعومة لإسرائيل، ولكن هذه الصورة تختلف عن صورة تحطيم تمثال صدام حسين في بغداد؛ ذلك أن الأخيرة حصلت بأيدي مدنيين عراقيين بينما الحالية في غزة تحدث على جثث مدنيين فلسطينيين.. 

والسؤال حالياً هو ماذا بعد حصول نتنياهو على صورة النصر المزعوم أمام مستشفى الشفاء، وماذا بعد فبركة مشهد العثور على موقع قيادة حماس تحتها(؟؟)، بمعنى ماذا بعد انتهاء اليوم الأول من دخول الجيش الإسرائيلي لغزة، وبدء مشهد اليوم التالي(؟؟).. في واشنطن يدعون نتنياهو للإكتفاء بتسجيل صورة وقوف الجيش عند مشفى الشفاء، ومن ثم الخروج من غزة حتى لا يدخل الجيش، في كمين الديموغرافيا الاستراتيجي؛ بينما نتنياهو يميل إلى البقاء عند حدود فصل كتل البارود الديموغرفي الغزاوي بعضها عن بعض؛ وتقسيمه إلى سجون بشرية!!!.

Exit mobile version