خاص الهديل:
الإحاطة التي أدلى بها أمس بنيامين نتنياهو، اهتمت بالتركيز على اتجاهين إثنين أساسيين في توجيه رسائلها:
الإتجاه الأول حاول فيه نتنياهو أن يرد على المتظاهرين الذي حملوا ليلة أمس صور الأسرى الإسرائيليين وطالبوا نتنياهو بإعطاء أولوية لإطلاقهم ودانو مقاربته لهذا الملف.. وكان رد نتنياهو عليهم، كعادته يتسم “بسلوك الثعلب”، إذ تقصد الإيحاء بكلامه، أن هناك قضيتين إثنتين أخلاقيتين اليوم داخل المجتمع الإسرائيلي وليس قضية واحدة؛ وهما، الأولى يتبنى هو (أي نتنياهو) التعبير عنها، وتتمثل بضرورة تحصيل حق دم الجنود الإسرائيليين الذين سقطوا ويسقطون في الهجوم البري، والذين سقطوا في عملية ٧ أكتوبر؛ وهؤلاء يجب حفظ دمهم من خلال إعطاء الأولوية لإكمال العملية البرية ضد من قتلهم، أي حماس؛ مع تشديد نتنياهو على أن استمرار العملية البرية هو السبيل الأفضل لتحقيق هدف إطلاق الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، لأن هذه العملية تشكل ضغطاً على الأخيرة يضطرها لإطلاقهم بشروط سهلة..
وما يقوم به نتنياهو في هذا المجال هو أنه يفتعل تناقضاً وتبايناً وخلافاً بين ما يدعي أنه مطلب أهالي الجنود القتلى الذين سقطوا ويسقطون في العملية البرية، وبين أهالي الأسرى؛ وهدفه من ذلك تعويض تراجع شعبيته عن طريق خلق شارع جديد مؤيد له، يعوضه التناقص الحاصل في شارع زعامته التقليدي نتيجة إخفاقه الأمني والعسكري..
والواقع أن خطته لوضع قضية أخذ الثأر لدم الجنود الذين يقتلون على جبهة غزة في سبيل تحقيق هدف اجتثاث حماس، بوجه معارضيه أصحاب القضية الثانية، أي أهالي الأسرى الذين يطالبونه (أي نتنياهو) بالاستقالة، تعتبر – أي خطته هذه – بمثابة آخر ابتكاراته النرجسية لتغطية نفسه بشرعية وطنية يتوقع (نتنياهو) أن تجذب إليه بيئات مغالية بدعمها لموقع الجيش في المجتمع الإسرائيلي.
.. مرة أخرى يتجه نتنياهو لإحداث انقسام عامودي في المجتمع الإسرائيلي بين شرعية زعامته “كوليّ دم الجنود” الذي يقتلون من أجل اجتثاث حماس، وذلك بمواجهة أهالي الأسرى الذين يريدون إقالة “ييبي” وإطلاق أبنائهم من الأسر، ولو على حساب هدف اجتثاث حماس.
.. وكعادته يبدو نتنياهو بارعاً في خلق المعادلات التي تبقي زعامته حية في الشارع؛ وهذه المرة لا يضع “كل اليمين” بمواجهة “كل الذين ليسوا يمين”، بل ينتج فكرة جديدة لإحداث إنقسام يفيد منه شخصياً، مفادها لمن الشرعية: لنتنياهو حافظ دم الجنود القتلى أم لمناصري إطلاق الأسرى أولاً؟؟..
إن ميزة نتنياهو تتمثل دائماً بقدرته على إنتاج نقاش عامودي في المجتمع الإسرائيلي يكون هدفه بالغالب جعل “نصف إسرائيل زائد واحد” على الأقل، يتموضع في الخندق المؤيد له، ويقف في الموقع الموالي لوجهة نظره.. وحالياً، وبسبب أن كل الوسط السياسي الإسرائيلي تقريباً ينتظر كيف سيسقط نتنياهو بعد توقف الحرب؛ فإن بيبي (الإسم المعروف لنتنياهو) ينتج حيوية سياسية داخلية جديدة يراهن على أنها سوف تعيده لموقع أنه يمثل أقله أغلبية في إسرائيل مؤيدة لطرحه، وتعطي معه الأولوية لنظرته القائلة بأهمية موقع هدف اجتثاث حماس داخل معادلة أمن إسرائيل.
.. ببساطة يضع نتنياهو أهالي الأسرى بوجه أهالي الجنود القتلى؛ محاولاً أن يتزعم ما يمكن تسميته “بحزب المطالبين بالانتقام لدم الجنود” بمقابل حيثية سياسية صاعدة بدأت تتجه لأن تصبح “حزب المطالبين بإطلاق الأسرى الآن”.
الرسالة الثانية التي أطلقها نتنياهو في إحاطته أمس تمثلت بتوجيه خطاب مركز لزعماء دول الغرب الذين أيدوا ولا زالوا حربه ضد غزة. ومناسبة التفات نتنياهو لهم أمس هو شعوره بأن الشارع في الدول الغربية بدأ يضغط بقوة على حكوماته لتغيير مواقفها من حرب غزة. والرسالة التي وجهها “بيبي” أمس لحكومات الغرب هي أنه عليكم أن لا تتأثروا بضغوطات الشارع كون بايدن مايسترو الغرب، لا يزال على موقفه بدعم إسرائيل الكامل في حرب غزة التي يتم في الغرب وضع عنوان لها، وهو الحرب ضد حماس – داعش!!.
نتنياهو يريد استمرار الحرب في غزة بانتظار تحقيق إنجاز يرضي هدف استعادة معنويات الجيش، ويقنع مجتمع الاستيطان بأن إسرائيل استعادت ميزة الردع في المنطقة، وبأن غزة الرافضة للاحتلال لم تعد موجودة على وجه الأرض، وبأن المكان الوحيد الذي يمكن إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة عليه؛ هو المريخ!!.
نتنياهو يطلب المستحيل؛ والغريب أنه مع ذلك، يستمر في المحاولة(!!)..