خاص الهديل:
شاعت أمس أجواء ومعطيات تقول أن لبنان يقف على أبواب اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل.. وكان وزير دفاع العدو تحدث عن احتمال ذهاب تل أبيب لحرب ضد لبنان وصفها بأنها ستؤدي إلى تدمير بيروت على نحو ما حصل ويحصل اليوم لغزة…
والسبب المباشر الذي وقف أمس وراء شيوع أنباء اقتراب لحظة الحرب بين لبنان وإسرائيل، هو التصعيد الذي حصل في الجنوب، وما أعقبه من صدور تهديد من إسرائيل بأنها تستعد لتوجيه ضربة قوية لحزب الله..
غير أن واقع الأمور يشي بأن مجريات التصعيد في الميدان ليست هي التي تحتم توقيت نشوب الحرب؛ وذلك حتى لو قال السيد حسن نصر الله في آخر خطاب له أنه يجب النظر إلى الميدان، لأنه هو الذي يتحكم بمدى منسوب التصعيد، وبالتدرج نحو الحرب!!.
والواقع أن إيحاء نصر الله بأن الميدان لديه دينامية مستقلة عن القرار السياسي، هو أمر لا يستقيم مع منطق الأمور؛ ذلك أن الحرب هو بالنهاية قرار سياسي محسوب ومدرك للتوازنات وكل المعطيات؛ بدليل أن حزب الله لم يدخل الحرب حتى الآن.. أما شعار نصر الله الأخير: “إنظر إلى الميدان” فقد أراد منه إيصال رسالة واضحة للأميركيين قبل الإسرائيليين تقول أن سلوك إسرائيل العسكري هو الضمانة بمنع اتساع نطاق الحرب إلى لبنان كما تطلب إدارة بايدن؛ فإذا انضبط نتنياهو وغالانت بحدود قواعد الاشتباك لن تحدث حرباً؛ أما إذا تجاوزاها كما يحاولان فعله؛ فإن ذلك قد يجر لحرب..
وبهذا المعنى فإن شعار: “إنظر للميدان” الذي رفعه نصر الله في خطابه الأخير كان بمثابة لفت نظر لواشنطن بأن عليها إذا أرادت منع توسع حرب غزة، أن تهتم بمراقبة سلوك إسرائيل في الميدان بأكثر من الإكتفاء بإرسال تحذيرات للبنان من مغبة إتساع نطاق الحرب..
وإلى ذلك أراد نصر الله من رفع شعار “إنظر إلى الميدان”، الوصول إلى معادلة تفرض على إسرائيل احتساب تصرفها العسكري في ميدان الجبهة الشمالية على نحو دقيق؛ لأن أي خطأ من قبلها سيواجه برد عسكري عليه مباشر وتلقائي من قبل قادة حزب الله في الميدان الذين لديهم أوامر من قيادتهم السياسية “بالرد بالمثل” من دون العودة إليها.
إذاً المعادلة الجديدة التي فرضها نصر الله على تل أبيب ابتداء من خطابه الثاني لم تعد فقط “ضربة بضربة”؛ بل أضاف إليها أيضاً معادلة “خطأ بخطأ”.. وباتت هذه المعادلة تفيد بأن اندلاع الحرب متوقفة على أمرين إثنين: الأول إستمرار الحرب البرية في غزة لوقت أطول.. والثاني تفلت سلوك إسرائيل العسكري في الشمال من عقال الخطوط الحمر..
.. وما جعل حزب الله يذهب لمعادلة “خطا بخطأ” ويلفت نظر واشنطن إليها عبر إطلاق شعار: “إنظر للميدان”، هو التالي:
بروز معلومات ومعطيات مؤكدة أن وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت، يستمر منذ بداية الحرب بمحاولاته الحثيثة مع دوائر له صلة بها داخل إدارة بايدن من أجل إقناع الرئيس الأميركي بإعطاء ضوء أخضر لإسرائيل بتدشين حملة عسكرية استراتيجية ضد حزب الله تؤدي إلى تدمير نسبة عالية من أهدافه البشرية والتسليحية الحساسة؛ على أن يتبع ذلك تدخل الأساطيل الأميركية والغربية في المعركة ضد حزب الله في لبنان..
وبنظر غالانت فإن شرط كسر حماس في غزة، لا يتم إلا عبر إلحاق ضربة قاضية ضد حزب الله في لبنان؛ على أن يترافق ذلك بنفس الوقت إنجاز خطوة “تحييد دمشق” من هذه المعركة، عبر التهديد بتصفية النظام السوري لو ساند حزب الله؛ وأيضاً “تحييد إيران” عبر قطع خط الإمداد في التنف بين طهران وبيروت، وذلك من قبل القوات الأميركية.
وتقول هذه المعلومات أيضاً أن نتنياهو يتقاطع مع غالانت على فكرة ضرورة توجيه ضربة قاضية لحزب الله، وذلك انطلاقاً من عدة زوايا، منها أن نتنياهو يرى أن له مصلحة شخصية بتوسيع الحرب ضد لبنان، كون ذلك سيصوره بعيون الرأي العام الغربي بأنه يقاتل ضد “محور إيران الإقليمي والإرهابي”، وليس فقط ضد الفلسطيني المسلوبة حقوقه.. كما أن توسيع الحرب سيعطي نتنياهو الفرصة الذهبية كي يقلب أوراق اللعبة الداخلية لصالحه؛ وأيضاً كي يخلط أوراق اللعبة الإقليمية بحيث يصبح احتمال توجيه ضربة أميركية لإيران وارداً جداً، وهذا الأمر يشكل منذ زمن بعيد، هدفاً استراتيجياً لنتنياهو.
بإختصار فإن تفكير نتنياهو منصب في هذه اللحظة على اعتبار أنه طالما بقيت الحرب داخل ميدان غزة، فهو لن يستطيع على المستوى الشخصي تسجيل أي نصر يمكنه من تحاشي محاسبته بعد إعلان وقف النار. أما في حال تحولت الحرب إلى إقليمية، ونجح في جر بايدن للمشاركة فيها، كما وعدت واشنطن حينما أرسلت أسطولها إلى المنطقة، فإنه بذلك سيفتح لنفسه باب فرصة تحوله “لبطل قومي” بعد أن كان “بطل الفشل في غزة”..
إن “ورقة اللوتو” التي يراهن نتنياهو عليها هي دفع بايدن لتحقيق وعده بأنه في حال بادر حزب الله إلى شن حرب شاملة مع إسرائيل، فإن الرد الأميركي العسكري الإستراتيجي سيصبح حتماً قائماً؛ وهذا الرد لن يوجه فقط ضد حزب الله، بل سيوجه بالأساس ضد إيران ذاتها..
لا شك أن حزب الله لا يمكنه المغامرة بالتسبب من طرف واحد بالانزلاق لحرب مع إسرائيل، إذا كان ثمن ذلك قيام واشنطن بضرب طهران.. وعليه فإن الكلام عن أن السلوك في الميدان في جنوب لبنان هو الذي يحدد بداية الحرب من عدمها؛ هو كلام يندرج ضمن الحرب النفسية، وضمن تحذير واشنطن من أن عليها التنبه لمسار التصعيد العسكري على الجبهة الشمالية؛ لأن هناك مؤامرة من غالانت ونتنياهو لجر حزب الله لحرب، وذلك بغية جر بايدن لحرب ضد إيران..
ويبدو أن رسالة حزب الله وصلت أمس إلى إدارة بايدن، حيث سربت مصادر صحفية أميركية رزينة أمس أن مسؤولين أميركيين أبلغوا إسرائيل قلقها من وجود محاولات لاستفزاز حزب الله، وجره لحرب على الجبهة الشمالية..
..ويبدو واضحاً أن هذه التحذيرات الأميركية لفتت نظر غالانت ونتنياهو إلى أن إدارة بايدن التي لا تريد توسيع حرب غزة، باتت تنظر جيداً إلى ميدان جبهة الشمال مع حزب الله، وتراقب عن كثب سلوك إسرائيل فيه!!…
ومن هذه الأسئلة الكلام عن موقع سورية في حرب المحور ضد إسرائيل؛ ولم يعد خافياً في هذا المجال، أن دمشق لا تريد لأسباب كثيرة أن تكون جزءاً من حرب المحور فيما تقرر ذلك..