الهديل

خاص الهديل: البحث في إدارة بايدن عن “أفق سياسي لحرب غزة”: نتنياهو يريد توسيع الحرب للهروب من الثمن!!

خاص الهديل:

 

يجب التنبه للنقاش الدائر في الولايات المتحدة الأميركية بخصوص كيفية مقاربة اللحظة الراهنة التي وصلت إليها حرب غزة. ويجري هذا النقاش على خلفية البحث عن النصيحة المثلى التي يجب توجيهها لإسرائيل بخصوص ما يجب عليها فعله. هناك عدة آراء أميركية يتم وضعها على طاولة بايدن ليقوم بانتقاء واحد منها. وتلتقي كل هذه الآراء عند نقطة المفاضلة بين اتجاهين إثنين؛ الأول يقول أنه يجب على واشنطن أن تمتنع عن نقاش تل أبيب بمواضيع استراتيجية حول مستقبل غزة، وذلك في وقت تخوض فيه إسرائيل الحرب.. بمعنى أنه في زمن الحرب، يجب على أميركا أن تحصر جهدها بدعم تسليح وتمويل وحماية إسرائيل؛ وتأجيل نقاش مستقبل غزة مع تل أبيب إلى ما بعد انتهاء الحرب..  

.. أما الرأي الثاني فيقول العكس تماماً؛ وهو أنه لا يمكن استمرار إسرائيل بالحرب إذا لم يكن لديها فكرة واضحة عن الهدف السياسي الذي تسعى لتحقيقه من هذه الحرب. يطالب أصحاب هذا الرأي بأن يكون لدى مجلس الحرب الإسرائيلي إجابة سياسية واضحة عن ماذا سيكون عليه الوضع في غزة بعد اليوم التالي لانتهاء الحرب؟؟.

يطلق على هذه المفاضلة التي يتم طرحها حالياً في أميركا تسمية “البحث عن الأفق السياسي لحرب غزة”. وبنظر طيف واسع من استراتيجي إدارة بايدن فإن مشكلة كل مجلس الحرب الإسرائيلي، تكمن في أنه لا يملك أفقاً سياسياً مقنعاً لحربه على غزة.. ولكن طيفاً آخر من استراتيجي البيت الأبيض يقول أنه يجب ترك النقاش الإستراتيجي حول مستقبل غزة إلى ما بعد إنجاز المهمة العسكرية المتمثلة بالقضاء على حماس..

ولكن بايدن ومعه وزير دفاعه ووزير خارجيته ومستشار الأمن القومي الأميركي، باتوا مقتنعين بأن عيب حرب نتنياهو على غزة، يقع في أنه لا تملك أفقاً سياسياً يجيب عن سؤال استراتيجي حول أية غزة ستكون بعد حماس؟؟.

والمشكلة هنا مركبة، كونه أساساً ليس مضموناً نجاح كل من نتنياهو وغالانت بالقضاء على حماس؛ لأن حماس، كما شرح ببساطة وزير الخارجية الأردني، هي “فكرة” وليست جسماً مادياً مجرداً يمكن سحقه.. 

.. إلى ذلك فإن خطة حرب غزة كما يتصورها نتنياهو، لا تسمي جهة فلسطينية وازنة، يمكن إقناعها بقبول فكرة أن ترث حكم حماس لغزة.. فسلطة أبو مازن تشترط قبولها هذه المهمة، بموافقة إسرائيل على حل الدولتين الذي صار عمر هروب نتنياهو منه نحو عقد ونصف من الزمن. ولألف سبب ترفض القاهرة خطة أن تدير شؤون غزة، ومن هذه الأسباب أن قبولها بفكرة نتنياهو، سيضعها داخل صورة أنها كانت متواطئة مع حرب تل أبيب على غزة.. لن يجد نتنياهو أية جهة أو شخصية أو دولة في العالم ترضى بأن تكون شريكة سياسية له، بنتائج حربه على غزة؛ لأن ذلك سيحملها نتائج الدم الثقيل جداً الذي سفكته إسرائيل في غزة.. وهذه الحقيقة هي التي دفعت وزير خارجية إسرائيل أمس للقول أن توقع تعاظم الضغوط الدولية على إسرائيل سيقلص مدة قدرتها على الاستمرار في الحرب على غزة إلى فترة لا تتعدى الأسبوعين.. ولكن ماذا تستطيع أن تفعل إسرائيل خلال هذين الأسبوعين؟؟.

خلال الأيام الأخيرة من الحرب المستمرة، ظهر أن غالانت يريد الهروب من عدم قدرته على تحديد أفق سياسي لحرب غزة، إلى جعل هذه الحرب إقليمية عبر توسيعها لتشمل حزب الله في لبنان. ويريد كل من غالانت ونتنياهو من وراء هذه الخطوة، استبدال “عنوان حرب غزة ضد حماس” لتصبح “حرب التحالف الدولي الأميركي ضد إيران”؛ أو أنهما يريدان دمج هذين العنوانين ليصبحا هدفي حرب واحدة. لقد وبخ وزير الدفاع الأميركي نظيره الإسرائيلي لمجرد أنه يتجه لتبني هذه الفكرة التي تحذر واشنطن من تبعاتها الإستراتيجية؛ وحصل ذلك عندما اتهم أوستن أمس غالانت بأن الجيش الإسرائيلي يستفز حزب الله؛ وحاول الأخير دفع التهمة عنه، بالقول أن الحزب هو من يلعب بالنار وليس إسرائيل.   

في إدارة بايدن يوجد تفكير استراتيجي بإبقاء حرب غزة في نطاقها الفلسطيني الإسرائيلي، وإبقاء حرب إسرائيل دولياً في دائرة أنها تدافع عن نفسها ضد هجوم حماس عليها في ٧ أكتوبر(!!). ولكن قيادة نتنياهو- غالانت تريد الهروب من الثمن السياسي لهذه الحرب وهو اعترافهما بحل الدولتين الذي تطرحه إدارة بايدن؛ ولذلك فهما يذهبان تارة نحو تأجيل وقف النار قدر الإمكان لفرض أمر واقع عدواني مستديم في غزة، وتارة نحو جعل الحرب إقليمية ليصبح الثمن السياسي المطروح هو رأس إيران الإقليمي. 

ومع دخول الحرب يومها السادس والثلاثين، صار واضحاً أن مجازر إسرائيل ضد مدنيي غزة والضفة الغربية التي يرتكبها نتنياهو حتى يقتل طموح المطالبة بدولة فلسطينية؛ أدت إلى نتيجة عكسية؛ حيث أن المجازر في غزة المترافقة مع عمليات القمع والقهر في الضفة؛ خلقت ربطاً في الإعلام العالمي بين هاتين المنطقتين، وذلك بوصفهما ينتميان إلى الخارطة الفلسطينية التي تعاني من الاحتلال الإسرائيلي؛ وهذا الربط يقود إلى منطق الحل الذي لا يريده نتنياهو، وهو حل الدولتين الذي يشترط تحقيقه إلحاق غزة بالضفة الغربية ليشكلا معاً الدولة الفلسطينية المستقلة التي عاصمتها القدس الشرقية. 

ومن جهة أخرى، فإن إطالة أمد الحرب من جهة، واستمرار ارتكاب المجازر من قبل إسرائيل بحق الفلسطينيين المدنيين من جهة ثانية، نتج عنهما حالة سباق بين مفهومين لهذه الحرب يسودان كل الأوساط الرسمية والشعبية العالمية: 

المفهوم الأول وهو الذي تريده إدارة بايدن وتل أبيب ومفاده أن هذه الحرب هي حرب دفاعية تقوم بها إسرائيل ضد حماس التي ارتكبت في ٧ أكتوبر عملية إرهابية توازي في نتائجها وأسبابها عملية ١١ سبتمبر ضد أميركا.. 

ومن هنا تؤسس إسرائيل على هذا المفهوم “عقيدة الحرب” التي تشنها الآن، والتي تزعم أنه بمثلها منحت عملية ١١ سبتمبر الإرهابية أميركا حق القيام بسلسلة حروب لتصفية آثار عملية ١١ سبتمبر ومنع تكرارها؛ فإنه يحق لإسرائيل أن تقوم بسلسلة حروب في غزة ولبنان وصولاً حتى إيران لتصفية آثار ٧ أكتوبر عليها ومنع تكرارها.

ولكن المشكلة التي تواجه هذا المفهوم تقع في أن جزء كبيراً من الرأي العام الغربي لم يعترف لإسرائيل بأن عملية ٧ أكتوبر تبرر كل هذه المجازر ضد الفلسطينيين في غزة.. وبدأ الشارع الغربي ينقلب على مفهوم ٧ أكتوبر حسب نسخته الإسرائيلية.. ومثل هذا التطور الذي يتعاظم، بدأ يسهم بجعل إسرائيل تفقد “الغطاء الأخلاقي” الذي تسترت به لبدء حرب مجازر غزة والذي تمثل بتشبيه ٧ أكتوبر الإسرائيلي بـ١١ سبتمبر الأميركي، وبتشبيه حماس بداعش ومحاولة الاستطراد وتشبيه حزب الله بالقاعدة، الخ.. 

أما المفهوم الثاني الذي ينافس فوق ساحة الرأي العام الدولي مفهوم ٧ أكتوبر حسب التفسير الإسرائيلي، فهو تمثل بإنشاء ربط بين ٧ أكتوبر الذي قامت به حماس وبين ٦ أكتوبر الذي قامت به مصر عام ٧٣. وكلاهما يشتركان عند نقطة العبور من زمن الإحتلال إلى التحرر من الاحتلال. وهذه النظرية لحدث ٧ أكتوبر تؤكد على أمرين إثنين، أولهما أن سبب ما حدث في ٧ أكتوبر عام ٢٠٢٣ موجود منذ احتلال إسرائيل لفلسطين في العام ١٩٤٨، وثانيهما أن ٧ أكتوبر الفلسطيني يجب أن يأخذ العالم إلى فكرة أن المشكلة الفلسطينية باتت تحتاج إلى حل عادل ينهي آخر احتلال في العالم.

Exit mobile version