خاص الهديل:
السؤال الثمين الذي لا توجد إجابة شافية عنه حتى الآن هو عن حقيقة موقف الرئيس الأميركي من حرب غزة؛ وعن صلة خلفيات موقفه هذا “بالحرب الصامتة الكبرى” التي يخوضها بايدن على جبهة حرب الرهائن الأميركيين في غزة، ذات التأثير المباشر على فرصته لنيل ولاية رئاسية ثانية؟؟.
فمنذ الساعات الأولى لحرب غزة أرسل بايدن بالتتالي أسطولين إثنين إلى شواطئ المنطقة؛ وأعلن أن مهمة هذين الأسطولين اللذين دعمهما بغواصة نووية، هو منع وقوع حرب إقليمية، وليس الاشتراك بحرب إقليمية. وقال بايدن في إيضاح له حول مهمة الأسطولين، أنهما يحملان رسالة لكل طرف يريد إستغلال حرب غزة ضد إيران، مفادها: لا تفعل!!.
والمهمة الثانية لأميركا في حرب غزة، كما يستمر البيت الأبيض بالإعلان عنها، هي التفاوض والبحث الاستخباراتي بنفس الوقت، للإفراج عن الرهائن الأميركيين لدى حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى..
وتشكل هذه المهمة الثانية (الرهائن الأميركيين)، بالنسبة لبايدن، حرباً كبرى داخل حرب غزة.. فبايدن يستذكر بقلق هذه الأيام وقائع قصة الرئيس الأميركي جيمي كارتر مع الرهائن الأميركيين في إيران، التي قادت نتائجها إلى سقوطه بالانتخابات الرئاسية آنذاك. ويخشى بايدن أن يتسبب ملف الرهائن الأميركيين في غزة، بسقوطه في الإنتخابات الرئاسية التي يعيش الآن بداية أجواء حملتها الانتخابية..
وعلى جبهة الرهائن هناك عدة مؤشرات بدأت تقلق بايدن؛ أبرزها ملاحظته بأن الطرفين حماس ونتنياهو بدأ كل منهما لأسبابه بمحاولة ليّ ذراعه من خلال الضغط عليه بموضوع الرهائن.. فحماس تريد صفقة رهائن مع واشنطن من خلال إطلاق سراح الرهائن الأميركيين بمقابل وقف لإطلاق النار لمدة ٥ أيام؛ فيما نتنياهو يريد صفقة تبادل أسرى تشمل الإسرائيليين وليس الأميركيين، وذلك مقابل هدن إنسانية لساعات كل يوم.
واضح أن نتنياهو يمنع إطلاق الرهائن الأميركيين (دائماً حسب التسمية الإسرائيلية) كي يعطل حصول صفقة بين بايدن وحماس تنتهي من جهة بتحرير بايدن من قلق حصول انعكاسات سلبية على معركته الرئاسية نتيجة الرهائن الأميركيين في غزة: وتعطل من جهة ثانية حصول هدنة الأيام الخمسة التي تطالب بها حماس..
وما تقدم يعني أن نتنياهو من خلال رفضه هدنة الـ٥ أيام، إنما يكون بذلك في موقع من يضغط عسكرياً على حماس من جهة؛ وبنفس الوقت يضغط سياسياً / أو يبتز سياسياً بايدن من جهة ثانية، وذلك من خلال رفضه تسهيل عملية إطلاق المحتجزين الأميركيين ما يبقي بايدن عالقاً داخل أزمة رهائن حرب غزة التي تذكره بأزمة كارتر مع رهائن إيران.
وبالنهاية لا يستطيع بايدن أن يمارس في هذه اللحظة ضغطاً أكبر على نتنياهو لدفعه لقبول صفقة تبادل للرهائن والأسرى تشتمل على الأميركيين من غير الإسرائيليين كما تريد عملياً حماس، كما أن بايدن يريد طبخة هادئة لإطلاق الرهائن الأميركيين نظراً لحساسية هذا الملف سياسياً وأمنياً وعسكرياً وانتخابياً؛ أضف إلى ذلك أن بايدن بالجوهر معني بالفصل التام بين الهدنة ذات الصلة بترتيب إطلاق الرهائن، وبين موضوع وقف النار؛ ذلك أن استراتيجيته في مقاربته لحرب غزة تقوم على الاحتفاظ بورقة وقف النار في جيبه، وذلك بانتظار توفر ظرف لمقايضتها بهدف سياسي كبير في المنطقة.. بمعنى آخر فإن ثمن وقف النار مع حماس، لا يوجد بجيب نتنياهو، ولم يعد محصوراً فقط بالهدوء في غزة، بل هو موجود بجيب بايدن، وله علاقة بتصوره لاحداث ترتيبات سياسية استراتيجية لها علاقة بأهداف واشنطن في المنطقة، وبمجمل الوضع الفلسطيني.
غير أن ملف الرهائن الأميركيين في غزة بدأ يأخذ تحولات مقلقة للبيت الأبيض، تهدد بتكرار مشهد كارتر مع الرهائن الأميركيين في إيران.
أبرز هذه التحولات تؤشر إليها المعطيات والمستجدات التالية:
المستجد الأول – في الساعات الـ٤٨ الماضية برز موقف للجهاد الإسلامي يقول أنه غير راض عن الطريقة التي تدير فيها حماس ملف التفاوض على الرهائن والأسرى..
هذا التصريح الصادر عن الجهاد الإسلامي يريد القول لواشنطن أن أزمة الرهائن الأميركيين لديها طرف فلسطيني آخر غير حماس، وهو حركة الجهاد الإسلامي؛ ولديها جهة أخرى إقليمية هي إيران الحليفة الوثيقة لحركة الجهاد الإسلامي والراعية الكبرى لها.
.. وعلى هذا فإن تصريح الجهاد الإسلامي الأخير، يمهد مسرح أزمة الرهائن الأميركيين في غزة، ليظهر فوقه مشهد يتكرر مع بايدن في أزمة الرهائن الأميركيين في غزة، نفس مشهد أزمة كارتر مع الرهائن الأميركيين في إيران.
وبهذا المعنى أصبح وارداً جداً القول أن طهران باتت ناخباً له وزنه في جعل حظوظ بايدن الإنتخابية ترتفع أو تنخفض، وذلك من خلال سلوكها في موضوع الرهائن الأميركيين في غزة، أو أقله من خلال كيفية تعاطيها مع حصتها في ملف الرهائن الأميركيين الموجودين مع الجهاد الإسلامي.
والواقع أنه لم يعد بالإمكان فصل مستقبل حل أزمة الرهائن الأميركيين في غزة، عن موقف واشنطن أيضاً من تطورات المواجهة على الجبهة الشمالية بين إسرائيل وحزب الله؛ فبرودة هذه الجبهة ولجم إسرائيل عليها، يساهم بالتخفيف من الأخطار التي قد تحدق بالرهائن الأميركيين في غزة!!.
المعطى الثاني المتصل بالضغط على بايدن انتخابياً من خلال الرهائن الأميركيين في غزة، برز أمس من خلال تسريبات إعلامية مصدرها موسكو، تضمنت معلومات عن أن الجنود الأميركيين الذين قتلوا نتيجة سقوط طائرتهم بعرض بحر المتوسط كما قال البنتاغون، هم في الحقيقة جنود أميركيون من فرقة الدلتا المتخصصة بالبحث عن الرهائن.. وقال التسريب الإعلامي الروسي أن هؤلاء الجنود قتلوا في غزة، وليس بسبب سقوط طائرتهم في عرض البحر. وتريد موسكو من خلال هذا التسريب الإعلامي جعل مخيلة الرأي العام الأميركي تقارب بين كارثة اصطدام الطائرات الأميركية ومقتل عناصرها خلال محاولة تحرير الرهائن الأميركيين في إيران، وبين ما تقوله موسكو اليوم عن موت جنود أميركيين نتيجة فشلهم في تحرير الرهائن الأميركيين في غزة.
قصارى القول أن كابوس ملف الرهائن الأميركيين في غزة بدأ يطوق حملة بايدن الانتخابية؛ وبدأ يأخذه إلى مشهد سقوط كارتر بالضربة الإيرانية القاضية؛ ولكن هذه المرة مع إضافة تدخل موسكو على هذا الخط.