خاص الهديل:
أمكن بالنهاية التوصل إلى صفقة بخصوص تبادل الأسرى والمحتجزين… وهذه المرة تعتبر عملية التبادل للأسرى، واقعة غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل منذ قيامها؛ والسبب هو أن هذه العملية تتم في ظل حالة حرب وبين ثنايا إطلاق المدافع..
.. وكون هذه الصفقة تتم في ظرف حرب، فإن وسائل الإعلام العبرية الرئيسية من معاريف إلى هأرتس إلى القناة ١٢، سارعت ليلة أمس لوصف عملية التبادل بأنها عملية خضوع من قبل إسرائيل لحماس..
ولقد اجتمع الكابينيت الإسرائيلي أمس لنقاش ما إذا كان عليه إقرار صفقة التبادل للأسرى والمحتجزين، وذلك في ظل أنه يخضع لوابل من الضغوط الممارسة عليه لإقرارها والقبول بالتعديلات التي تدخل يحيى السنوار شخصياً لفرضها؛ وهي التعديلات التي تمثلت بجعل أيام الهدنة أكثر من ثلاثة أيام كما كانت تريد إسرائيل؛ وأيضاً تخصيص ست ساعات من كل يوم في فترة الهدنة، يحظر خلالها على المسيرات الإسرائيلية من التحليق في أجواء غزة لحرمانها من جمع المعلومات؛ ورفع عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم من مائة أسير إلى ٣٠٠ أسير، الخ..
والواقع أن اقرار إسرائيل أمس صفقة تبادل الأسرى، تمثل خطوتها الأولى نحو العودة إلى مربع 7 أكتوبر حيث توجد اليد الطولى لحماس عليها.. فحكومة نتنياهو وجدت نفسها بعد نحو شهر ونصف من إعلان الحرب على غزة، أنها زرعت الريح الدولية والداخلية والعسكرية ضدها؛ فمن جهة تعاظمت حركة تظاهرات أهالي الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس والجهاد وفصائل أخرى؛ وأصبح هؤلاء بمثابة حركة سياسية ضد الحرب؛ ومن جهة ثانية بدأ بايدن يبحث عن طريقة للخروج من انحيازه الأعمى للحرب على غزة؛ بدليل أنه اختار وقت أن الكابينيت منعقد من أجل نقاش صفقة الأسرى، حيث أعلن أن الصفقة تمت، وطلب من الأميركيين تحضير أنفسهم لاستقبال عودة مواطنيهم المتحتجزين إلى الديار. وفد فهمت تل أبيب توقيت كلام بايدن هذا، على أنه رسالة لإسرائيل بأنه ممنوع عليها عدم الموافقة على إبرام الصفقة، لأن ذلك سيمثل بنظر بايدن كسراً لوعده للشعب الأميركي بأن الأسرى سيعودون بغضون ساعات إلى موطنهم.
لقد وجد نتنياهو نفسه ليلة أمس يواجه “امتحان الحقيقة الصعبة” المتمثلة بأن الضغط الدولي ومصالح إدارة بايدن بدأا يضغطان عليه، وبدأا يوجهان أحداث حرب غزة بإتجاه معاكس لذاك الذي كان سائداً منذ ٧ أكتوبر الماضي.
والواقع أن هناك سببين إثنين بدأا فعلياً يغيران مسار دفة اتجاه رياح المواقف الدولية والإسرائيلية والإقليمية من حرب غزة:
السبب الأول هو بروز أقوى الإشارات عن أن حظوظ بايدن الانتخابية تراجعت جراء اعتراض بيئات واسعة داخل قواعد الحزب الديمقراطي على طريقة أدائه في حرب غزة..
ويعتزم بايدن في هذه اللحظات إظهار أنه نجح في إعادة المحتجزين من حملة الجنسية الأميركية إلى أرض الوطن.. ويخطط بايدن لأن يظهر هذا الإنجاز على أنه الإنجاز الثاني الداخلي الهام، معتبراً أن إنجازه الأول هو ما قام به من مشاريع على مستوى إعمار البنى التحتية في أميركا، ما حسن الوضع الاقتصادي الذي عاد ليسوء الآن.
يعرف الرأي العام الأميركي أن الأسرى الذين يريد بايدن إعادتهم إلى الديار، هم إسرائيليون ويحملون الجنسية الأميركية، ويعرف الرأي العام الأميركي أيضاً أن معظم الأسرى من حملة الجنسية الأميركية، قد ركن جنسيته الأميركية جانباً، وذهب إلى إسرائيل كي يعمل ضمن صفوف الجيش الإسرائيلي؛ ولكن الدعاية الأميركية الباحثة عن إنجازات لصالح بايدن، توسلاً لبقائه لولاية ثانية في الرئاسة؛ ستصور إطلاق المحتجزين من حملة الجنسية الأميركية بأنها عملية أميركية وطنية من الطراز الأول.
السبب الثاني الذي دفع إسرائيل للقبول بالصفقة هو تيقنها بأن استراتيجية العملية البرية وصلت للحائط المسدود؛ فالكابنيت كان وضع هدفين إثنين معلنين لهذه العملية: الأول هو أنها لن تتوقف حتى إطلاق الأسرى؛ وروج نتنياهو بأن العملية البرية ستوصل الجنود الإسرائيليين لمكان الأسرى؛ ولكن نتنياهو يعترف اليوم أن التفاوض مع حماس هو السبيل الوحيد لإطلاق الأسرى.
والهدف الثاني هو أن العملية البرية لن تتوقف حتى سحق حماس؛ ولكن إكمال العملية البرية يحتاج إلى غطاء أميركي مطلق؛ بينما بايدن بدأ يتراجع عن تغطية حرب إسرائيل على غزة.
وقصارى القول أن صفقة تبادل الأسرى ستؤدي إلى “هدن متتالية” تفضي بالنهاية إلى أمرين إثنين: الأول وقف شامل لإطلاق النار، والثاني سقوط حكومة نتنياهو وتوجه إسرائيل إلى انتخابات السير في مشروع حل الدولتين..