خاص الهديل:
قبل ساعات من بدء سريان مفعول اتفاق الهدنة وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس؛ أجرى نتنياهو ليلة أمس إحاطة مطولة مع الصحفيين بحضور غالانت وغانتس، وذلك حول موقف حكومته من الهدنة ومن خلفياتها ومستقبلها..
.. ولكن مراقبين توقفوا بخاصة من بين كل كلام ثلاثي حكومة الحرب (نتنياهو وغانتس وغالانت)، عند عدة مواقف أطلقها نتنياهو ووافق عليها غالانت وغانتس، وهي التالية:
– قول نتنياهو في مجال تبريره لماذا قبل ومعظم أعضاء حكومته على هدنة تبادل الأسرى، أن على الإسرائيليين أن “لا ينسوا أن هذه الحرب تضع السيف على رقابهم” (ويقصد على رقاب الأسرى المحتجزين لدى حماس)؛ وهذه الجملة تضمر في ثناياها أن نتنياهو ومعه وزير دفاعه، يعترفان بأنه لا حل لقضية إطلاق الأسرى لدى حماس إلا بإبرام صفقة تبادل للأسرى معها، وتضمين هذه الصفقة هدن متتالية؛ وهو الأمر الذي يشكل نقيضاً لكلام حكومة الحرب الذي شدد طوال الأسابيع الخمسة الماضية، على أنه لا وقف للحرب على غزة، قبل إطلاق حماس كل الأسرى من دون قيد أو شرط..
ولقد حاول نتنياهو خلال مطالعته أمس القفز فوق حقيقة أن صفقة تبادل الأسرى المرتبطة بهدنة أيام الأربعة؛ تعني عملياً موافقة حكومته على الدخول في حالة وقف للقتال، ولو جزئي مع حماس؛ ما يعني أن إسرائيل وافقت عملياً على السير “بربط نزاع” مع حماس، رغم عدم اعترافها العلني بذلك، ورغم استمرار التهويل من قبل نتنياهو وغالانت بأن الحرب ضد حماس ستستمر حتى تحقيق هدف حرب السيوف المسنونة المعلن والمتمثل بسحقها.
وضمن هذا السياق كان واضحاً أن نتنياهو تقصد في كلامه أمس أن يفتح فرصة غير مباشرة لتبريد جبهة الحرب مع حماس، توصلاً إلى إنشاء “حالة ربط نزاع” معها، ووقف إطلاق دائم للنار؛ وذلك عندما قال أنه مستعد لتمديد الهدنة، بحيث توافق إسرائيل على “إضافة يوم على الهدنة مقابل إطلاق حماس عشرة أسرى”..
.. وفي حال استجابت حماس لهذا العرض، وهو أمر غير مستبعد؛ فإن هذا يعني أنه سيكون بالإمكان تمديد الهدنة لنحو ثلاثة أسابيع، وهي فترة زمنية كافية لتبريد سخونة الحرب، وإعطاء الوقت الكافي للمبادرات الدبلوماسية الدولية، لتثبيت وقف دائم للقتال والبحث عن مسار سياسي..
والواقع أن كلام نتنياهو عن تمديد الهدنة عبر “اقتراح إضافة يوم جديد مقابل إطلاق ١٠ أسرى”، إنما يؤشر لأمر أساسي وهو أنه بالعمق نضجت القناعة لدى ثلاثي حكومة الحرب (نتنياهو غالانت وغانتس) بأن الحل العسكري وصل إلى نهايته، ولم يعد بمقدوره إضافة أية مكاسب جديدة .. وما سيفعله ثلاثي الحرب بعد بدء هدنة اليوم، هو التالي: سيحاولون الحفاظ لأطول فترة على “إنجاز تخريب ديموغرافيا غزة” الذي ارتكبته إسرائيل خلال الأسابيع الخمسة الماضية!!؛ والهدف من ذلك إنشاء “حزام أمني” داخل أرض غزة بمقابل حزام غلاف غزة يشبه الحزام الأمني الذي أنشأته اسرائيل في جنوب لبنان.. وهدف هذا الحزام هو إشعار مستوطني غلاف غزة بأن حرب السيوف المسنونة غيرت الواقع العسكري الذي كان قائماً بمقابلهم داخل غزة، والذي هدد أمنهم(!!). وأيضاً سيحاول ثلاثي حكومة الحرب ابقاء منطقة الفصل في وادي غزة قائمة بين شمال غزة وجنوب غزة؛ وكان نتنياهو أشار ليلة أمس بوضوح إلى هذا الهدف، عندما قال “أنه لن يتم السماح لأهالي شمال غزة الذي هاجروا إلى جنوب غزة بالعودة إلى منطقتهم”..
– الامر الآخر الأساسي الذي بدا لافتاً أيضاً في مطالعته الصحفية أمس، قول نتنياهو أنه أعطى تعليماته للموساد بأن يشن حملة اغتيالات ضد قادة حماس حيثما تواجدوا حول العالم..
والواقع أن المعنى الذي قصده نتنياهو من إيراده هذه العبارة، يمكن لحظه من خلال إعطائها الأبعاد التالية:
أولاً- كلام نتنياهو عن توجيهه للموساد لاغتيال قادة حماس حول العالم، كان مقصوداً، وهدفه لفت النظر، ولو بشكل موارب، إلى عملية الاغتيال التي نفذتها أول أمس مسيرة إسرائيلية بالقرب من مدينة صور في عمق جنوب لبنان ضد أحد قياديي حماس المتواجدين في لبنان.. ويريد نتنياهو أن يضع هذا “الإنجاز” في رصيد الهدف الكبير الخاص بضرب كل قادة حماس، والذي كان أعلنه في بداية الحرب، ولكنه لم يحقق منه شيئاً يذكر داخل قطاع غزة. بمعنى آخر أراد نتنياهو أمس لفت نظر الرأي العام الإسرائيلي إلى أن هدف اغتيال قادة حماس بدأ تحقيقه، ليس فقط داخل غزة، بل أيضاً في لبنان الذي ترسل منه كتائب القسام – لبنان صواريخ إلى كريات شمونة وحيفا..
ثانياً- الايحاء بأن المعركة ضد حماس رغم اتفاق الهدنة معها، ورغم فتح الباب أمام تمديد وقت هذه الهدنة؛ ستستمر حتى انجاز هدف سحقها!!. ويمثل هذا التناقض الإسرائيلي كما تم التعبير عنه أمس على لسان نتنياهو قمة بداية النزول الصعب عن شجرة الاستمرار بالعملية البرية.. وأغلب الظن أن نتنياهو سيحاول القفز عن شجرة وقف العملية البرية؛ وليس هناك من ضمانات تؤكد أن قفزته لن تقوده إلى هاوية الإبتعاد عن المشهد السياسي..