خاص الهديل
بدأت هذا الصباح الهدنة التي تم إبرامها بهدف تبادل إطلاق الأسرى بين حماس وإسرائيل؛ ولكن الحقيقة وراء ما جرى هو أن صانعي هذه الهدنة يبحثون عن هدف أبعد لها.. واشنطن تريدها هدنة لتخفيف الضغط العربي عنها.. وحكومات العالم الغربي تريدها هدنة لتخفيف احتقان شوارعها الشعبية المعترضة على المجازر الإسرائيلية ضد فلسطيني غزة المدنيين.. ولكن المشكلة تكمن في أن إسرائيل لا تملك وصفة لما عليها أن تفعله في اليوم الخامس؛ أي في اليوم الذي يلي اليوم الرابع الأخير من الهدنة.. ومن جهته غالانت يقول أن الجيش الإسرائيلي سيستأنف في اليوم الخامس القتال؛ وأيضاً نتنياهو يقول أنه بعد انتهاء الهدنة سيكمل الجيش القتال حتى تحقيق هدف سحق حماس.. ولكن نتنياهو ترك كوة في جدار اليوم الخامس، وذلك عندما طرح معادلته التي تعرض على حماس أن تطلق بعد انتهاء الهدنة في كل يوم عشرة أسرى، وبالمقابل توقف إسرائيل في كل يوم تطلق حماس عشرة أسرى النار..
لا شك أن نتنياهو عبر هذا الاقتراح إنما يسعى من جهة للإمساك بورقة استكمال إطلاق الأسرى وجذب تأثيراتها الهامة على الداخل الإسرائيلي نحو أن تكون في مصلحته؛ كما يسعى من جهة ثانية للإمساك بقرار وقف النار وتحديد متى تبدأ الفترة الانتقالية في إسرائيل التي ستمتد بين لحظة توقف الحرب ولحظة السير حتى النهاية بالمحاسبة عن التقصير؛ كما يسعى من جهة ثالثة للإمساك بمبادرة الهجوم لخوض انتخابات مبكرة يعتقد أن المعارضة المؤيدة من يايدن ستطرحها في وقت قريب بهدف جعل نتنياهو هو الضحية السياسية للتقصير الإسرائيلي يوم ٧ أكتوبر.
.. وعبر هذه المعادلة التي بدأ نتنياهو يرتب أوراقها؛ فإنه يسعى لإبقاء زمام المبادرة طوال ما بات يسميه الإسرائيليون “بالفترة الانتقالية” في جيبه، مما يحول دون تحقيق فكرة جعله (أي نتنياهو) ضحية التقصير في إخفاق حرب غزة، كما يفكر خصومه في إسرائيل وعلى رأسهم لابيد، وخصومه أيضاً في أميركا، وعلى رأسهم بايدن..
وضمن هذا المناخ الذي بات الصراع السياسي داخل إسرائيل يشكل أكثر من ٧٠ بالمئة من حسابات استمرار الحرب في غزة؛ يرسم متابعون عدة افتراضات بوصفها سيناريوهات مرشحة لأن يحدث أحدها خلال فترة هدنة الأيام الأربعة أو بعد انتهائها؛ وأبرز هذه الافتراضات أو السيناريوهات المتوقعة هما إثنان:
الافتراض الأول يتحدث عن حدوث انهيار للهدنة قبل نهاية مدتها الزمنية، وذلك بسبب أن يتحرك طرف ما في إسرائيل لقطع الطريق على محاولات نتنياهو إنهاء مأزقه البري في غزة، وذلك من خلال دفعه إلى داخل كمين حماس داخل أحياء غزة الشمالية السكنية..
كما أن متوقعي انهيار الهدنة قبل نهاية مدتها الزمنية، يريدون حصول ذلك إلى سبب تقني عسكري؛ ومفاده أن ميدان شمال غزة الحالي مثقل بالتعقيد العسكري الناتج عن وجود تداخلات بين مناطق تموضع الجنود الإسرائيليين غير المستقر عند مداخل أحياء شمال غزة السكنية، وبين تواجد قواعد حماس العسكرية غير المرئية داخل الأحياء السكنية؛ وعليه فإن قيام أي من الطرفين بأي محاولة لتحسين تموضعه العسكري على الأرض، سيقوده للاصطدام عسكرياً بالطرف الآخر..
.. وبحسب ما يقوله العسكريون في حماس وفي إسرائيل، فإن صورة ميدان شرق غزة الحالي، تقدمه على أنه “ميدان متداخل عسكرياً”، ما يجعل عوامل الصدام فوقه بين القوات المتصارعة، أكثر بكثير من عوامل الفصل بينها. ورغم ذلك؛ فإنه لا يزال يوجد رهان قوي على صمود الهدنة وربما تطويرها لتستمر إلى وقت أطول من الأيام الأربعة، وسبب ذلك هو حاجة الطرفين لها؛ فمن جهة تحتاجها حكومة الحرب الإسرائيلية حتى تخفف ضغط أهالي الأسرى عنها؛ ومن جهة تحتاجها حماس حتى تمنح أهالي غزة فرصة للملمة جراحهم.
الافتراض الثاني يتحدث عن تطوير الهدنة لتتحول إلى ما يشبه “ربط نزع” أو ما يشبه “حدوث ترتيبات أمنية” بصيغة “فك اشتباك” تتخللها حالة مساكنة بين حماس وبين الجيش الإسرائيلي في شمال غزة، وذلك لفترة انتقالية تمهد للتفاوض على ملفين في وقت واحد: ملف وقف نار كامل؛ وملف إطلاق مسار سياسي له علاقة بمستقبل الهدنة في غزة، أي بين حماس وإسرائيل وشروطه الاقتصادية وذلك بانتظار أن يصبح ممكناً البدء بحل الدولتين الذي يلزم التحضير له وقت أطول، ويلزم حتى يمكن البدء به توفر فرص دولية وإقليمية مواتية.
والواقع أن ما تقدم يجعل “هدنة غزة” تذهب بواحد من اتجاهين: إما انهيارها قبل اليوم الرابع، أو في اليوم الخامس؛ وإما دخول حماس وإسرائيل في فترة مساكنة و”فك اشتباك” تمهد لهدنة طويلة بينهما، ضمن “حل لغزة” يتم بداخله انتظار توفر ظرف وزمان بدء التفاوض على حل الدولتين..