خاص الهديل:
مع سريان هدنة حرب غزة المؤقتة أمس، تركز الاهتمام الدولي على أمر أساسي وهو متابعة مجريات اليوم الأول من هذه الهدنة والتأكد من أن طرفيها ملتزمان بتنفيذها. وكان لافتاً أنه خلال الساعات ال٢٤ الأولى من هذه الهدنة جرى طرح كمية كبيرة من الأفكار التي تجيب عن الأسئلة التالية: هل تنجح هدنة الأربعة أيام أم تتعرض للانهيار(؟؟)؛ هل سيتم تمديد أيام الهدنة وتبدأ هدن أخرى، أم أنه سيتم استئناف القتال في اليوم الخامس(؟؟)؛ ما هو المسار السياسي الممكن البدء به بعد توقف حرب غزة (؟؟): هل هو حل الدولتين كما أكد أمس بايدن، أم حل آخر طرحه أمس أيضاً السيسي(؟؟).
فيما يلي بانوراما للمواقف والوقائع التي ظهرت أمس والتي حاولت الإجابة عن كل هذه الاسئلة:
– القضية المركزية الأساسية التي جرى نقاشها دولياً وإقليمياً أمس هي إمكانية تحويل هدنة الأربعة أيام إلى هدن متتالية طويلة.
وكان اجتماع الرئيسين البلجيكي والإسباني مع الرئيس السيسي الذي جرى في القاهرة أمس؛ اعطى مؤشراً إلى أن إقرار الهدن الطويلة أصبح مطلباً أوروبياً وإقليمياً ودولياً؛ وجاء ليؤكد ذلك الاتصال الذي جرى بمناسبة بدء الهدنة بين الرئيس الأميركي بايدن والرئيس المصري، وحديثهما عن أهمية انتهاز فرصة الهدنة وتطويرها نحو وقف النار..
– بخصوص الحل السياسي برزت أمس المعطيات التالية: إشارة الرئيس السيسي إلى أنه اتفق مع بايدن على رفض التهجير القسري لسكان غزة.. وهذا الامر يشكل تحولاً استراتيجياً في الموقف الدولي من غزة..
.. تلا ذلك كلام السيسي أمس عن أن حل الدولتين تم استنفاده، وأن الأفضل هو اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية منزوعة السلاح وذلك على أرض حدود ال١٩٦٧ التي تضم الضفة والقطاع.. ومن ثم القيام بالبناء دبلوماسياً على هذه الخطوة.. واعتبر السيسي أنه في كل مرة تحدث دورة عنف، يتم إثر ذلك طرح حل الدولتين، ولكن يتآكل هذا الطرح نتيجة الاختلافات حوله؛ وعليه فإن الأفضل تجريب مسار سياسي آخر، وهو الحصول فوراً على اعتراف من المجتمع الدولي ومن الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية على أرض ال٦٧؛ وقالت التعليقات أن هدف مصر من ذلك هو أمران: الأول تثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه بمواجهة أن هناك عملية قائمة لتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية. والهدف الثاني يتمثل بأن مصر تطرح مبادرتها هذه انطلاقاً من مسؤوليتها عن الأمن الإقليمي وأيضاً عن مصالح الشعب الفلسطيني.. ولكن بمقابل الطرح المصري بخصوص استنفاد حل الدولتين، كرر بايدن أمس تمسكه بأن الحل الوحيد – من وجهة نظره – هو حل الدولتين.
– هناك ملاحظة أساسية تم التركيز عليها أمس وهو أن الإعلام الغربي لا يزال يمارس انحيازاً لصالح إسرائيل؛ وتمثل ذلك باستخدامه مصطلحين إثنين خلال متابعته لعملية تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل: الأول يقول الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل؛ والثاني يقول المحتجزين لدى حماس، وحتى بعض الإعلام الغربي استخدم مصطلح “مخطوفون لدى حماس”؛ وهذه تعبيرات مقصودة وغايتها القول أن شرعية الطرفين غير متكافئة؛ والإشارة إلى أن إسرائيل دولة بينما حماس ميليشيا غير شرعية.. ورغم بروز هذا النوع من الانحياز؛ إلا أن إجراءات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، أثبتت أن هناك إلتزاماً دولياً كبيراً بتنفيذها بشكل سلس.. وعليه تم التوقع دولياً أمس، أن يستمر تنفيذ الهدنة حتى نهاية اليوم الرابع.. ولكن السؤال هو هل ستعاود إسرائيل إطلاق النار بعد انتهاء الهدنة؛ أي مع حلول اليوم الخامس(؟؟).
وجرت الإجابة أمس على هذا السؤال الهام من عدة جوانب:
إحدى الإجابات الأساسية تحدثت عن المنظور الإسرائيلي لهدنة الأيام الأربعة؛ فقالت أنه في إسرائيل يتحدثون عن “الرشادة في تحقيق الأمن”؛ وعبارة الرشادة تعني في تل أبيب أنه لا يتم تحقيق الأمن إلا بتدمير حماس؛ لأن معيار تحقق الأمن في غزة هو قدرة الحكومة الإسرائيلية على إقناع مستوطني قطاع غزة بالعودة إلى مستوطناتهم والاطمئنان إلى أن إسرائيل خلقت واقعاً جديداً لن يؤدي إلى تكرار عملية ٧ أكتوبر. والواقع أن قول الحكومة أن رد فعلها الذي حدث طوال ال٤٨ يوماً الماضية كان كافياً لعدم تكرار عملية ٧ أكتوبر لن يقنع المستوطنين بالعودة إلى غلاف غزة؛ وهذا سيعني أن الحكومة لم تنجز هدف تثبيت الأمن في غزة؛ وهذا سيعني أيضاً أن على نتنياهو بالأخص أن يستمر بالقتال مع حلول اليوم الخامس ولو اتخذت شكلاً متقطعاً..
بمقابل هذا الرأي بخصوص ماذا سيحدث في اليوم الخامس من الهدنة؛ هناك رأي آخر ينظر لهذا الأمر من منظور دولي؛ وهو يؤشر إلى أن بايدن قال أمس أنه مع تمديد الهدن ليسمح ذلك بوقف للنار.. وعليه فإن التوقع هو تمديد الهدنة لتتحول إلى هدن طويلة ثم وقف لإطلاق النار وبدء مسار طويل من الحل السياسي الذي قد لا ينجح في نهاية المطاف!!.