الهديل

خاص الهديل: يحيى السنوار في طريقه ليصبح ياسر عرفات الثورة السياسية والعسكرية الفلسطينية!!

خاص الهديل:

 

بات واضحاً أن الرئيس الأميركي بايدن يسير بجدية بقرار تمديد هدنة الأيام الأربعة، وتحويلها إلى هدن أخرى متتالية تؤدي بالنهاية إلى إعلان وقف إطلاق نار. وبالمقابل تبدو حماس تتجه لاعتبار خيار الهدن المتتالية بأنه حل يضمن لها صورة النصر أو أقله صورة الطرف الذي لم تستطع إسرائيل إلحاق الهزيمة به.. أما إسرائيل فهي تهدد باستئناف القتال مع انتهاء الهدنة؛ غير أن نتنياهو وراء الستار يجري – بحسب القناة ١٢ الإسرائيلية – إتصالات داخل الليكود لتمديد هدنة الأيام الأربعة، وللنزول عن شجرة العملية البرية التي ما عادت تلقى تغطية بايدن. 

والواقع أن خيار “الذهاب من الحرب إلى الهدن المتتالية” تحولت إلى ما يشبه “بضاعة” مطلوبة تقوم كل جهة من أطراف حرب غزة الثلاثة، بعرضها على الجبهة الداخلية خاصتها، لتسويقها بوصفها انتصاراً لها، أو أقله بوصفها “عدم هزيمة”. وهؤلاء الأطراف الثلاثة هم حصراً بايدن المقبل على انتخابات رئاسية؛ ونتنياهو الذي يتحضر لاقتراب احتمال الذهاب لانتخابات مبكرة؛ والسنوار الذي سيطلب منه العالم أن يذهب إلى انتخابات في الضفة وغزة لإثبات نفسه بأنه قيادة فلسطينية منتخبة تفاوض من أجل الدولة الفلسطينية التي سيجري البحث عنها ضمن التفاوض على حل الدولتين.. 

 

وما تقدم يعني أن الحرب الآن أصبحت على صورة إطلاق الأسرى، بعدما كانت بدأت بخطف الأسرى؛ وصارت الآن تدور بين ثلاثة مرشحين داخل بلدانهم لتثبيت شرعية سلطتهم؛ والسنوار من ضمنهم.  

 

.. وبالنسبة لبايدن المرشح لولاية رئاسية ثانية؛ فصار واضحاً أن بين الأسباب المهمة التي تجعله يطالب بهدن متتالية لحرب غزة، هو رغبته بإيقاف استمرار عرض صور التوحش الإسرائيلي أمام أعين الرأي العام الدولي، وبضمنه الرأي العام الأميركي، وبخاصة الرأي العام الذي يمثل القاعدة الإجتماعية لحزبه الديموقراطي.

 

ولكن هناك من يجادل بأن هذه الخلفية الإنتخابيّة موجودة فعلاً، غير أنها لا تشكل السبب الحاسم وراء موقف بايدن بوقف الحرب في غزة؛ ويقول هؤلاء أن الرأي العام الأميركي بشكل عام لم يعد، وبالأخص منذ سقوط الإتحاد السوفياتي، يهتم بالمواضيع الخارجية، وصار كل همه هو الوضع الاقتصادي و”حال جيبه”، والملفات الأميركية الداخلية.

 

.. أضف لذلك أنه حتى لو كانت هناك بيئات غير قليلة في الحزب الديموقراطي معترضة على أداء بايدن خلال حرب غزة؛ إلا أن هذا الإعتراض يريد من بايدن أن يقدم دعماً مشروطاً لإسرائيل وليس “دعماً أعمى”؛ أي أنه لا يطالبه بإنهاء تقليد دعم أميركا للدولة العبرية. كما أن هذه البيئات في الحزب الديموقراطي، حتى ولو اختلفت مع بايدن على موضوع أدائه المساير لجرائم إسرائيل في غزة؛ فهي بنهاية المطاف لن تذهب للإقتراع إلى ترامب، بل أقصى ما ستفعله هو الامتناع عن التصويت..

 

وبكل الأحوال، فإن بايدن يتجه عبر خيار الهدن المتتالية للنزول عن شجرة التأثير السلبي – بغض النظر عن نسبته – لموقفه من حرب غزة على حظوظه الرئاسية؛ لكن بايدن يدرك أن حرب غزة لديها حسابات أبعد أثراً من تأثيراتها الإنتخابيّة؛ وأهمها خطر أن يؤدي استمرارها إلى توسيعها، وهو الأمر الذي لا تريده إدارة بايدن لأسباب استراتيجية عسكرية تتعلق بأوكرانيا؛ واقتصادية تتعلق بغاز المتوسط؛ وسياسية تتعلق بوقف زخم تعاظم الإعتراض العربي على سياسة إدارة بايدن تجاه إسرائيل.

 

وبمقابل أن بايدن لا يريد وقف الحرب لأنه لا يريد توسعة ميدان حرب غزة؛ فإن يحيى السنوار يريد وقف الحرب على صورة أن كلاً من نتنياهو وبايدن اضطرا لقبول التفاوض معه على ملف إطلاق الأسرى؛ ما يوحي بأنهما سيضطران للتفاوض معه على حل الدولة للفلسطينيين..

 

وعند وصول الأمر إلى هذه النقطة، بعد وقت قصير، سيتحول السنوار من مقاتل مختبئ، ومن أسير محرر ومن قائد عسكري حديدي، إلى زعيم سياسي للفلسطينيين على غرار أبو عمار (ياسر عرفات) أو “جده السياسي” عز الدين القسام. وبدخول السنوار إلى هذا المربع، سيصبح مرشحاً لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، إضافة لكونه رئيس حماس؛ وستصبح حماس مرشحة لوراثة حركة فتح التي أصبحت بعد أوسلو تنظيم سلطة رام الله..

 

ويؤشر ما تقدم إلى أن السنوار تنتظره معركة سياسية فلسطينية داخلية توازي – ولو مع فارق الأحجام – معركة بايدن الداخلية في أميركا لتثبيت سلطته الشرعية، ومعركة نتنياهو الداخلية في إسرائيل لتثبيت رئاسته للحكومة..

 

 وفي هذا المجال يتوجب إمعان النظر بسؤال يطرحه اليوم العالم، وهو مدى مقبولية أن تجلس حماس على طاولة التفاوض لحل الدولتين، أو حل الدولة الواحدة العلمانية، أو حل الدولة الفلسطينية معزولة السلاح الواقعة إلى جانب الدولة الإسرائيلية المسلحة بالرؤوس النووية العديدة.

 

ويتضح الآن فقط، أن حماس كانت حضرت نفسها منذ سنوات للإجابة عن سؤال العالم هذا لها؛ وذلك من خلال أنه، منذ فترة غير قليلة، أصبح لديها وثيقتي ولادة وتعريف عن نفسها: الأولى تسمى ميثاق حماس الذي لا يعترف بحل الدولتين، وينادي بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر. والثانية تعرف بالوثيقة السياسية التي صاغتها لاحقاً، وتعترف بموجبها حماس بشكل غير مباشر، بتبنيها لما تسميه بالحل المرحلي القائم على حل الدولتين؛ وتستخدم حماس في هذا السياق عبارة أن “حل الدولتين هو تفاهم وطني فلسطيني” ولا تقول مثلاً أنه “خيار وطني فلسطيني”.. 

 

قبل أن تصبح حماس في ثمانينات القرن الماضي حركة عسكرية، كانت حركة سياسية؛ وحالياً يوجد داخل أجوائها اتجاهات وازنة تطالب بتحول حماس إلى حزب سياسي مقاوم على طريقة حزب الله في لبنان.. 

 

والواقع أنه داخل إسرائيل هناك من يرى أن التفاوض مع حماس على مستقبل الحل الفلسطيني الإسرائيلي هو أفضل من التفاوض مع فتح؛ أولاً لأن الأخيرة فشلت كسلطة؛ وثانياً لأن حماس عند الفلسطينيين تشبه معسكر اليمين اليهودي عند الإسرائيليين؛ ودائماً كانت واشنطن تبحث عن حزب يميني وزعيم يميني كي يوقع سلام مع العرب (مناحيم بيغن وقع كمب ديفيد)، لأن واشنطن تعرف أن معسكر اليسار والوسط في إسرائيل يستطيع خوض حرب ناجحة لأن اليمين سيقف وراءه عندما يتخذ قرار الحرب؛ بينما معسكر اليسار والوسط الإسرائيلي لا يستطيع توقيع سلام ناجح مع العرب أو مع الفلسطيني بالأخص، لأن اليمين الإسرائيلي سيعارضه وسيزايد عليه وسيحبط مسعاه كما حصل مع إسحق رابين.. وخلاصة هذا المعنى يقول أن السلام الإسرائيلي الناجح مع الفلسطينية ومع العربي يصنعه اليميني الإسرائيلي الذي هو اليوم الليكود بغض النظر عن إسم زعيمه؛ فيما “السلام العربي وبالأخص الفلسطيني الناجح” مع إسرائيل، يصنعه اليميني الفلسطيني الذي هو اليوم حركة حماس الدينية بمقابل حركة فتح العلمانية.

Exit mobile version