د. حمد الكواري:
“أَوّل الغَيّث قَطْر ثُمًَّ يَنْهَمِر”
للتو عدت من أوروبا وقد تملّكتني هذه المرة أحاسيس جديدة، فقد قضيت أكثر من اسبوعين بها، وتنقلت في أكثر من مدينة من مدنها، وكنت لإعلامها متابعاً ومع مثقفيها متحاوراً، كما كنت أتابع وسائل الإعلام في أميركا التي عشت فيها ولم انقطع عن متابعة إعلامها.
وطبعاً خيّمت أجواء العدوان الإسرائيلي على غزة ردهات جولاتي، مثلما فرض نفسه على وسائل الإعلام من الناحية الإخبارية وفي البرامج الحوارية، وكذلك الأمر في اللقاءات مع الأفراد.
على امتداد سنوات عايشت عدة مرات أحداثاً كبرى ذات علاقة بمنطقتنا في الغرب وفي أميركا، مما أتاح لي المقارنة بين وقع تلك الأحداث على الأوروبيين سابقاً وبين وقعها الآن.
رسمياً وبعد طوفان الأقصى اجتاحت حكومات الغرب موجة هستيرية من الدعم المطلق للرواية الإسرائيلية، انسياق بلا تردد، وكأن تاريخ القضية الفلسطينية بدأ في هذا اليوم.
و مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة ووحشيته واستشراس حرب الإبادة والتهجير القسري تغير كل شيء، وأصبحت حكومات الغرب في واد وشعوبه في واد آخر.
ومن خلال متابعتي ولقاءاتي مع الناس ومتابعتي للمظاهرات وما رفعته من شعارات، تولّد لدي انطباع أسعدني بأن تضحيات الفلسطينيين لن تذهب سدى إن شاء الله، وأن العالم قد استيقظ، وأن الرأي العام في الغرب قد أدرك عدالة القضية الفلسطينية، أو في بداية الطريق الصحيح، بعد أن رأيت أجيالاً جديدة تلبس الكوفية الفلسطينية التي تحولت إلى رمز للقيم الإنسانية وتتقلدها باعتزاز وفخر.
بدا لي أن التاريخ لن يعود إلى الوراء، وأن حكومات الغرب سوف تضطر شيئاً فشيئاً للتراجع عن مواقفها الهستيرية لتعكس مواقف شعوبها، حتى لا يسحب من تحتها البساط.
وأكاد أقول عاد للنخبة الأوروبية وبالذات في فرنسا – ضميرها، هناك غبار يتبدد في سماء الفكر الفرنسي لتستعيد فرنسا “عقلها” واستقلالية مواقفها لقادتها الكبار.
ولعلّ ما شاهدناه من مواقف إيجابية لمملكة اسبانيا ومملكة بلجيكا ليس إلا بداية قَطْر ثم ينهمر إن شاءالله.