خاص الهديل:
بموازاة الهدنة المتفق عليها والمعلنة التي جرت بين حماس وإسرائيل في غزة؛ ساد أيضاً هدنة غير متفق عليها وغير معلنة بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان أو على الجبهة الشمالية وفق المصطلح الإسرائيلي.
لقد تحدثت الإدارة الأميركية في تصريح منسوب إليها أن الهدنة في غزة واكبها هدوء على جبهة المواجهات مع إسرائيل في لبنان؛ ولكن كان لافتاً أنه لا تل أبيب ولا حارة حريك تحدثا عن “الهدنة” أو “الهدوء” الذي ساد بين جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة ..
.. كما أنه على عكس ما كان يمكن توقعه، فإن أمين عام حزب الله لم يخرج إلى الإعلام ويلقي “خطبة النصر” أو “خطبة نهاية معركة أو جولة” في حرب طوفان الأقصى التي أعلن منذ بدايتها أنه ليس محايداً فيها؛ بل تعامل – أي نصر الله – مع هدنة غزة التي واكبها هدنة في جنوب لبنان، وكأنها لم تحصل، أو بالتحديد كأنها لا تمثل أي تطور ذي قيمة خاصة داخل حرب المواجهات في جنوب لبنان يستدعي التعليق عليه أو إلقاء خطاب لشرح موقف حزب الله منه…
وثمة من طرح الأسئلة عن السبب الذي قاد حزب الله إلى تجاهل الحديث، وشرح موقف الحزب بلسان نصر الله كالعادة من امتداد هدنة جبهة غزة إلى جبهة جنوب لبنان؛ وهناك من رأى أن حزب الله لا يريد خلق سابقة على جبهته مع إسرائيل توحي بأنها ملحقة بوضع غزة وسينطبق عليها من تسويات أو ترتيبات أمنية ما سينطبق على غزة؛ فحزب الله يريد إظهار أن جبهة الجنوب لها قواعد اشتباكها؛ ولها معادلتها اللبنانية الإسرائيلية، ولها حضور حزب الله الخاص فيها.
وبإزاء أن الحزب حريص على عدم جعل جبهة الجنوب امتداداً لجبهة غزة؛ فإنه جرى في لبنان رصد وجود محاولة أوروبية، وليس معروفاً بعد ما إذا كانت مدعومة من واشنطن؛ ترمي لانتهاز مشاركة حزب الله بحرب غزة بغض النظر عن شكل هذه المشاركة لتحقيق ثلاثة أمور أو ثلاثة “اختراقات” عاجلة حسب نظرة الحزب لها وفقاً لمصادر قريبة منه:
الأول هو إنشاء ربط بين أي تفاوض يحصل بمناسبة مشروع هدن غزة المتتالية، لإعادة ترتيب الوضع الأمني في غزة بعد حرب الـ٤٧ يوماً، وبين تفاوض مواز لإعادة ترتيب الوضع الأمني في منطقة القرار ١٧٠١ في جنوب لبنان بعد حرب الـ٤٥ يوماً.
الثاني- هناك تعديل جوهري طرأ على استراتيجية تحرك الإليزيه في لبنان بعد حرب غزة؛ ومفاده أن باريس تريد إعادة طرح تزعمها للدور الأوروبي في المنطقة، وذلك انطلاقاً من دورها داخل اليونيفيل والقرار ١٧٠١ في لبنان، وليس من باب دورها في ملف إنهاء الشعور الرئاسي الذي ستسلم باريس بنقله حسب معلومات – للقطريين…
وتقول هذه المعلومات أن باريس تعتزم إرسال لودريان إلى لبنان لفحص سبل التحرك على خط ملف إعادة ترتيب الوضع الأمني للقرار ١٧٠١ الذي صار بحاجة لصيانة بعد مواجهات الجبهة الشمالية؛ وذلك توصلاً إلى البحث عربياً وإقليمياً في تعميم الدور الأوروبي الراعي للـ١٧٠١ في لبنان، ليصبح له تتمة في غزة عبر قيادة فرنسا هناك عملية إنشاء قرار ١٧٠١ فلسطيني إسرائيلي في قطاع غزة.
وتلاحظ مصادر متابعة أن الجيش الإسرائيلي يتموضع بعد حرب ٤٧ يوماً على مساحة غلاف حدودي أقامه داخل غزة، وهي مساحة تقابل الغلاف الحدودي الاستيطاني الموجود على حدود قطاع غزة من خارجه. وتكمن الفكرة الحالية في أن تسلم إسرائيل غلاف غزة الجديد المدمر والموجود داخل أرض غزة إلى قوات يونيفيل أوروبية لتنشيء هناك خط أزرق ومنطقة ١٧٠١ فلسطينية إسرائيلية موازية للخط الأزرق ومنطقة القرار ١٧٠١ اللبنانية الإسرائيلية.
ثالثاً- تدرك باريس أن توجهها لفتح ملف إجراء ترتيبات أمنية في منطقة القرار ١٧٠١، تحت عنوان أن المطلوب إعادة الوضع إلى طبيعته كما كان قبل ٨ أكتوبر الماضي. وقبل مشاركة حزب الله في طوفان الأقصى؛ لن يلقى تأييداً من حزب الله؛ أقله لأن لدى الحزب شكوك بخلفيات الموقف الفرنسي لجهة تغيير قواعد الاشتباك لليونيفيل بما يتوافق مع وجهة النظر الإسرائيلية؛ وثانياً لأن الحزب يعتقد أن الحرب لم تنته رسمياً بعد في غزة وأنه لا يعترف بوجود ربط بين هدنة غزة ووقف النار هناك وبين مستقبل الوضع في جنوب لبنان ومنطقة القرار ١٧٠١ في لبنان. وأقله يرى الحزب أنه يجب انتظار ثلاث إلى أربع هدن متتالية حتى يتم التأكد بأن نتنياهو لن يعود للحرب أو أنه لن يقوم بالعودة لتوسيعها.
..وبالنسبة لحزب الله فإن الفترة الراهنة ولغاية شهر أقله من الآن، هي مرحلة ستخضع لفحص نوايا نتنياهو تجاه العودة للحرب ولتوسيعها؛ وعليه لن يكون مستعداً لتقبل أية مبادرات لا بخصوص ترتيبات أمنية لإعادة وضع منطقة القرار ١٧٠١ إلى ما كانت عليه قبل ٨ أكتوبر الماضي؛ ولا أية مبادرة لإنهاء الشعور الرئاسي؛ وحده الملف الداخلي الذي قد يقبل الحزب بالتعاطي لحله هو ملف قيادة الجيش نظراً لحساسيته الأمنية وأيضاً السياسية.