الهديل

خاص الهديل: واشنطن تهندس لغزة القرار ٢٧١٢: فيدرالية بين “الدويلة الغزاوية” وبين “الحكم الذاتي” في الضفة

خاص الهديل:

تستعد هدن وقف النار في حرب غزة كي تدخل في هدنة ثانية، وهناك اتجاه دولي للاتفاق على هدن متتالية تمهيداً لأن يصوت مجلس الأمن على قرار لوقف دائم لإطلاق النار بين غزة وإسرائيل يحمل رقم ٢٧١٢..

واللافت هنا أن القرار الدولي يتجه ولو ببطء ومصحوباً بمناورات أميركية واضحة، باتجاه إنتاج واقع قانوني وسياسي يجعل هناك مرجعية دولية لاتفاق وقف النار بين إسرائيل وحماس في غزة، وذلك من خلال إصدار قرار من مجلس الأمن والأمم المتحدة بتحويل هدنات وقف القتال في حرب غزة إلى وقف إطلاق نار دائم..

وهذا التوجه يشي بجعل وقف النار بين غزة وإسرائيل وأيضاً بين حماس والجيش الإسرائيلي له مرجعية دولية قانونية؛ وهذا سيؤسس لواقع قانوني يقول أن أي توجه للحل السياسي بين إسرائيل وغزة سيكون على أساس المرجعية الدولية ذات القرار ٢٧١٢، الذي يفترض أن يكون مضمونه كالتالي عندما يصدر: دعوة أطراف النزاع العسكري في حرب غزة إلى الالتزام بوقف دائم لإطلاق النار.. 

وهناك في هذا المجال عدة ملاحظات تؤشر إلى أن ما يحدث منذ نحو ثلاثة أيام في مجلس الأمن، إنما يخفي وراءه أهداف أكبر من أنه مجرد تفاوض بين الدول الكبرى الخمس (بمشاركة الكتلة العربية – الإسلامية وكتل دولية أخرى) على إصدار قرار متواز للحصول على وقف نار مستديم في غزة.. بل يبدو أن المقصود هو الحصول على قرار لا يؤسس فقط لجعل الهدن بين حماس وإسرائيل، هدنة دائمة بضمانة مرجعية مجلس الأمن الدولية، بل يؤسس أيضاً وبشكل متمرحل للاعتراف بحماس بدرجة أولى، (ويضاف إليها من معها من فصائل إسلامية أقل شأناً منها موجودة في غزة) كممثل فلسطيني لغزة يمليه الأمر الواقع العسكري السائد في القطاع.. 

حتى الآن يدور النقاش قي مجلس الأمن في جزء هام منه حول الماهية التي سيكون عليها قرار مجلس الأمن المنتظر صدوره تحت رقم ٢٧١٢: هل سيكون إنسانياً أم ذات ماهية سياسية قانونية؟؟. 

.. ولغاية اللحظة لا يزال مندوب واشنطن في مجلس الأمن يمارس مناورات “الغموض البناء” داخل المفاوضات الجارية لصياغة مضمون هذا القرار. 

والواقع أنه يمكن منذ الآن التأكيد على أمر هام؛ وهو أن مجرد صدور قرار من مجلس الأمن لوقف النار في غزة؛ فإن هذا يعني أن مسار التفاوض بين غزة وإسرائيل أصبح له مرجعية مستقلة عن مجمل المسار السياسي الفلسطيني الإسرائيلي؛ أقله لجهة اعتبار أن جبهة غزة ليس لها صلة لا بجبهة الضفة الغربية ولا بالقدس الشرقية.. 

الملاحظة الثانية متصلة بالملاحظة الأولى ويخدم مضمونها نفس المعنى السياسي الذي قصدته الأولى؛ ومفادها أنه في الوقت الذي بدأ فيه سريان الهدن بين غزة وإسرائيل؛ جرى فيه بالمقابل، وعلى نحو كبير تسخين الجبهة بين شرق الضفة العربية وجيش الاحتلال الإسرائيلي.  

.. وهذا الواقع يقول بالسياسة أن هدن غزة مع إسرائيل مستقلة وليس لها تتمة في الضفة الغربية.. ويقول أيضاً أن هدن غزة ليس لها أي صلة بالوقائع العسكرية والسياسية في الضفة الغربية. وبكلام أوضح يريد هذا الواقع القول أن غزة لها مرجعية دولية وقانونية لجهة الهدن والحرب وبالتالي السلم فيها، هي غير مرجعية الحرب والسلم والهدن الخاصة بالضفة الغربية..

والواقع من كل هذه الاتجاهات في قراءة أحداث فلسطين من هدن غزة التي سكت القتال فيها، مروراً بجنين ونابلس في الضفة الغربية التي اشتعلت بالنار منذ إعلان هدن غزة، وصولاً للمناورات السياسية الأميركية في مجلس الأمن، والتفاوض هناك على صياغة قرار دولي للسلم والحرب في غزة فقط تحت رقم ٢٧١٢؛ – كل هذه الاتجاهات إنما تؤشر إلى أمر غاية في الأهمية، وهو أن السؤال الذي طرح مبكراً عن شكل غزة في اليوم التالي من توقف الحرب؛ إنما يتم رسم ملامحه اليوم دولياً في مجلس الأمن؛ وهو سيكون على الشكل التالي: فصل قرار الحرب في غزة عن قرار الحرب في الضفة الغربية.. وهذا يعني أن الإتجاه الدولي ماض في خطة الإبقاء على الانقسام السياسي والجغرافي الحاصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، بحيث يصبح النقاش المقبل ليس حول حل الدولتين الفلسطينية الإسرائيلية لإنهاء الصراع بينهما، بل حول حل الدولتين الذي يتنهي الانقسام الفلسطيني، والذي سيتمثل باقتراح “فيدراليات بين الدولة الغزاوية المنزوعة السلاح والحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وربما أيضاً وبين إسرائيل.. 

 

إن ما تقدم هو سيناريو توحي به وقائع ما يجري في مجلس الأمن منذ بدء مسار الهدن المتقطعة زمنياً على “طريقة الكلمات المتقاطعة التي يتم التدرج في حلها”.. وواضح أن واشنطن تتدرج بطرح تمديد الهدن بشأن غزة، وذلك حتى تصل لقرار بوقف شامل للنار، يكون مضمونه مناسباً للأهداف السياسية الفلسطينية والإسرائيلية التي تريدها كنتائج لحرب غزة. 

الملاحظة الثالثة تقع في عدة معطيات لها شكل الأسئلة؛ ولكن أهم سؤال فيها هو في أي مرحلة سيأتي دور إطلاق سراح قيادات الفصائل الفلسطينية غير الإسلامية (فتح خاصة وحلفائها) من الصف الأول من السجون الإسرائيلية، كمثل مروان البرغوثي وغيره(؟؟).. وهل سيتم إطلاق سراح هؤلاء القادة السجناء في مرحلة الانتهاء من تبادل أسرى هدن غزة؛ والدخول في مرحلة بدء إطلاق سراح قادة فتح السجناء في سياق بدء هدن حرب جنين ونابلس المشتعلة الآن؛ ذلك أن المواجهة حالياً في نابلس وجنين تتحول من “اشتباك كبير ومتقطع” إلى “حرب صغيرة”، ولكنها مستمرة (وتشهد أيضاً تطويق مستشفيات على نحو ما حدث في غزة)، ما يحتم بعد فترة إجراء هدن برعاية أميركية قطرية، وهذه المرة يكون الطرف الثالث الوسيط في هدن الضفة، هو الأردن المهتم بالضفة الغربية، وليس مصر المهتمة بهدن غزة وبسؤال ماذا سيكون عليه الوضع السياسي في غزة بعد وقف القتال.

Exit mobile version