خاص الهديل:
كل قادة الشاباك الثلاثة الأخيرين، قدموا لنتنياهو على التوالي مقترحات لاغتيال يحيى السنوار زعيم حماس؛ ولكن نتنياهو لم يوافق على أي منها.. وفي المرة الأخيرة قدم الشاباك له خطة “الصنوبرة الكبيرة” التي تقترح تنفيذ عمليات لاغتيال ليس فقط السنوار بل كل قادة حماس، وذلك في عملية واحدة ووقت واحد.. وبنفس الوقت قدم له الشاباك خطة “ذات كثافة أهداف أقل”، وتستهدف اغتيال شخصية بارزة واحدة، وسميت هذه الخطة “بالصنوبرة الصغيرة”.. وأيضاً رفضها نتنياهو!!
ولكن مرة تلو الأخرى كان نتنياهو يرفض إعطاء الأمر بتنفيذ خطط الشاباك لإنهاء حياة وخطر السنوار أو كل قادة حماس.. ومن وجهة نظر متابعين جديين يبدو رفض نتنياهو غريباً وذلك من عدة زوايا؛ أبرزها أنه معروف بتفضيله لعمليات التصفيات الأمنية، والإغتيالات كأسلوب بديل عن شن الحروب.. وعليه يصبح السؤال ملحاً أكثر هو لماذا ثابر نتنياهو على رفض اتباع أسلوب ضرب حماس بواسطة أسلوبه وهو الاغتيالات؟؟.
هناك أكثر من إجابة عن هذا السؤال؛ أحدها يقول أن نتنياهو بات في السنوات الأخيرة من حكمه المستمر لغاية الآن، يفضل عدم إثارة “وكر دبابير حماس”، معتمداً بدل ذلك، أسلوب الاحتواء الاقتصادي لغزة ولحماس؛ وأكثر من ذلك فإن نتنياهو على ما يبدو تردد كثيراً قبل أن يعطي ضوء أخضراً بشن اغتيالات ضد مسؤولين إيرانيين هامين؛ وليس معروفاً سبب تردد نتنياهو هذا.. ولكن ترامب كان أضاء جانباً من حذر نتنياهو على هذا الصعيد، وذلك حينما أعلن مؤخراً أنه كان اتفق مع نتنياهو على قرار اغتيال قاسم سليماني، غير أن نتنياهو انسحب لاحقاً من المضي قدماً في العملية، ما دفع ترامب لأن ينفذها وحيداً!!
والواقع أن تفسيرات كثيرة أُعطيت عن أسباب حذر نتنياهو المفاجئ تجاه الاستمرار بمتابعة أسلوب الاغتيالات المعروف بأنه يفضله.. وما يدعو للإستغراب على هذا الصعيد، أن المحيطين بنتنياهو كانوا يعتبرون أن إحدى أبرز مواهبه هو عقله الأمني الذي يعتبر أن القيام بتصفية قائد لديه مواهب مؤذية لإسرائيل، وذلك في توقيت مناسب، وضمن خطة لها سياق استراتيجي مناسب، هو إنجاز يعطي نتائج إيجابية لأمن إسرائيل أكثر من شن ألف حرب..
.. وعندما تم اغتيال قاسم سليماني وقف أحد نواب الليكود وذكر أعضاء الكنيست، بأن قتل سليماني أعطى أمن إسرائيل نتائج أفضل بكثير من أي نتائج كان يمكن لإسرائيل أن تجنيها من شنها ماية حرب ..
واليوم هناك اعتقاد بأن بيئة نتنياهو التي تخشى من خسارة الحكم، تحاول العودة إلى تفكير استبدال الحروب بتنفيذ اغتيالات استراتيجية.. وما يجعل هذا التفكير ملحاً على نتنياهو هو عدة أمور أساسية.
الأمر الأول هو اتفاق جميع مراكز القرار السياسي والأمني والعسكري في إسرائيل على أن الاستمرار في الحرب البرية على غزة، سيؤدي إلى كارثة ليس فقط على غزة، بل أيضاً على إسرائيل.. كما أنه بأحسن الأحوال، فإذا أمكن إلحاق هزيمة بحماس، فإن هذا سيتطلب وقتاً بالقتال لا يستطيع الرئيس الأميركي بايدن تحمله، ولا شعوب الدول الغربية. وعليه فإن الأفضل لنتنياهو هو العودة لأسلوب الضربات الأمنية ولكن الاستراتيجية، وذلك على كل الجبهات التي يوجد لإسرائيل صفحة تصفية حساب معها..
ثانياً- قبل يوم من بدء سريان موعد الهدنة الأولى بين حماس وإسرائيل، كان لافتاً تصريح نتنياهو الذي قال فيه أنه أعطى تعليماته للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، كي تباشر باغتيال زعماء حماس حول العالم، وليس فقط في غزة. وهذا التصريح تقصد نتنياهو إطلاقه قبيل موافقته على الهدنة الأولى في غزة، وذلك حتى يقول لليمين المؤثر في حزبه (الليكود) وائتلاف حكومته، انه بمقابل توقفه عن الحرب البرية في غزة، فإنه عاد لتبني استراتيجية الاغتيالات لتكون بديلة عن الحرب المباشرة.. وهنا أراد نتنياهو أن يحقق أمرين:
١ – طمأنة المتطرفين داخل حكومته بأنه لن يتوقف عن الحرب ضد حماس، ولكنه سيغير أسلوب الحرب (الانتقال لحرب الاغتيالات الاستراتيجية)، بما يتناسب مع تحقيق هدف تقليل كلفتها (أي الحرب) البشرية والاقتصادية على إسرائيل، وبما يؤدي إلى إيقاف الضغط الدولي الرسمي والشعبي عليها..
٢ – إن حرب الاغتيالات ستنجز هدفاً استراتيجياً تم تعرضه للعطب يوم ٧ أكتوبر الماضي؛ وهو إعطاء الإسرائيليين الشعور باستعادة الثقة بمعادلة الأمن الاسرائيلية؛ بمعنى أنه لو نجحت إسرائيل باغتيال السنوار؛ فإن ذلك سيعطي صورة تقول لمجتمع الاستيطان بأن “ركني الأمن” في إسرائيل لا يزالا بخير.. وهذان الركنان هما “سلاح الجو” وأيضاً سلاح “المخابرات” الذي تعرض لضربة استراتيجية يوم ٧ أكتوبر، ما جعل الإسرائيليين يشعرون بأن سلاح المخابرات انهار كلياً، ولم يعد يمكن الاعتماد عليه؛ وانتشار هذا الشعور في إسرائيل عنى أن معادلة الأمن كلها التي تسير على قدمي سلاح الجو وسلاح المخابرات، أصبحت عرجاء وغير مقنعة وبحاجة لترميم سريع ..
وهناك حالياً؛ ونظراً لما تقدم، ترقب لأن ينفذ نتنياهو خلال فترات الهدن التي تمهد لوقف نار مستديم، عملية اغتيال استراتيجية صاعقة وكبيرة، وذلك ضد شخصية لها رمزيتها الضخمة داخل محور المقاومة، وذلك سواء في غزة أو في الضفة أو حتى خارج فلسطين .
وأكثر من ذلك فهناك من يعتقد أنه بالنظر لتيقنه من أن الهدن ستستمر حتى توقيع قرار وقف شامل للنار؛ فإن نتنياهو أقدم فعلياً خلال الساعات الأخيرة على توقيع أمر تنفيذ واحدة من خطتي “الصنوبرة الصغيرة” أو “الصنوبرة الكبيرة”، أو على كلتيهما وذلك ضد حماس أو ضد أعداء له خارج غزة !!