الهديل

خاص الهديل: تفاصيل وقائع إعلان غالانت أمس بتوجيه من بايدن “البيان رقم واحد لبدء إنقلاب المؤسسة العسكرية” على نتنياهو

خاص الهديل:

ظهر أمس بوضوح أنه بموازاة الحرب التي يخوضها نتنياهو على جبهة غزة ضد حماس؛ فإنه يخوض بنفس الوقت على جبهة ثانية حرباً داخل كابينيت الحرب ضد الوزيرين غالانت وغاتيس؛ ويخوض أيضاً حرباً ثالثة، وهي الأصعب، مع إدارة بايدن التي ترغب منذ فترة طويلة بإبعاده عن رئاسة الحكومة.

وأمس قرر نتنياهو ان الوقت حان ليقوم بنقل صراعاته وخلافاته الداخلية، وأيضاً مع إدارة بايدن إلى الإعلام وإلى العلن: فخلال عقده مؤتمراً صحفياً أمس، ظهر نتنياهو وحيداً ومن دون مشاركة غالانت معه؛ وعلق نتنياهو على ذلك قائلاً كنت أرغب بعقد مؤتمرٍ مشتركٍ مع غالانت؛ ولكن كان له ما أراد!!.. 

 

والواقع أن الخلاف بين نتنياهو وغالانت ليس مفاجئاً، وليس جديداً؛ فخلال شهر أيار الماضي حاول نتنياهو إقالة غالانت من موقعه، لكن الأول واجه موجة ضغوط من الشارع عليه، جعلته يتراجع عن قراره.. وبالمحصلة بقي غالانت وزيراً للدفاع، رغم أن نتنياهو استمر يرغب بإزاحته. وعندما بدأت حرب طوفان الأقصى، قدم غالانت لكابينيت الحرب خطة لشن هجوم شامل استباقي على لبنان تواكب الحرب على غزة؛ ولكن نتنياهو لم يوافق عليه، ولم يتفاقم الصراع بينهما بخصوص هذه النقطة، نظراً لكون واشنطن تدخلت وحسمت هذه النقطة لصالح عدم قيام تل أبيب بشن حرب على لبنان.. وحذرت واشنطن كابينت الحرب بأن عليه تحاشي أي توسيع للقتال يؤدي إلى تحول الحرب لحرب إقليمية. وضمن أجواء الصدمة التي اجتاحت إسرائيل مع بدايات الحرب ومع التفكير بضرورة تنفيذ عملية برية؛ تقرر داخل كابينيت الحرب عدم إظهار الخلاف بين غالانت ونتنياهو إلى العلن؛ لأن المطلوب دعم صمود الجبهة الداخلية المتآكلة معنوياتها؛ وهذا ما يفسر لماذا بدأ نتنياهو ممثل المستوى السياسي واليمين، غالانت ممثل المؤسسة العسكرية وغانتس ممثل المعارضة، يظهرون بشكل يوم جنباً إلى جنب ليقدموا إحاطة عن مجريات الحرب للإعلام.. وهذه الإطلالات كان من بين أهدافها الرئيسة إعطاء صورة للجبهة الداخلية بأن قيادة الحرب موحدة؛ والتمسك بوجهة النظر التي تقول أنه من الخطأ الفادح خوض الحرب بقيادة تبدو منقسمة بعيون الجمهور الإسرائيلي..

 

.. وعليه فإن المفاجئة التي حصلت أمس هي أن غالانت قرر التخلي عن وجهة النظر القائلة بأن عليه عدم إظهار خلافه مع نتنياهو إلى العلن طالما أن الحرب مستمرة؛ ولذلك تقصد يوم أمس أن يخرج لوحده للإدلاء بإحاطة إعلامية عن مجريات الحرب، وتقصد في آخر الإحاطة أن يقول أن الواجب يملي عليه القول أنه يتوجب الشكر لجهود الجيش والشاباك والموساد، الخ.. وهذه التحية أراد غالانت إيرادها ليعلن ما يشبه البيان الإنقلابي رقم واحد ضد نتنياهو، ومفاده يقول أن موقفه (أي غالانت) بعدم الظهور مع نتنياهو هو قرار مؤيد ومنسق مع كل أطراف المؤسسة العسكرية والأمنية في إسرائيل التي تساند قراره بالقطيعة مع نتنياهو.

 

وبالمقابل تقصد نتنياهو ليلة أمس أن يظهر بمفرده ليتحدث في الظاهر عن مجريات الحرب؛ ولكنه في العمق كان يريد من خلال إطلالته أمس التي بدا وجهه خلالها ممتقعاً، إبلاغ الرأي العام الإسرائيلي بأن وزير دفاعه غالانت إنقلب عليه؛ وقام نتنياهو بإيصال هذه الرسالة من خلال قوله في بداية إطلالته الإعلامية، أنه كان “يود أن يجري سوياً مع غالانت مؤتمراً صحفياً عن مجريات الحرب؛ ولكن كان لغالانت ما أراد” (أي أنه رفض الإطلالة مع نتنياهو)..   

 

وهناك جزء آخر لمشهد الإنقلاب الذي بدأه أمس غالانت بإسم المؤسسة العسكرية على نتنياهو؛ ولكنه لم يظهر إلى العلن بشكل نافر، وعلى نحو يشبه مشهد العلنية الذي تم فيه أمس التعبير عن القطيعة التي حصلت بين رئيس حكومة الحرب ووزير دفاعه. والمقصود هنا موقف غانتس المعارض لنتنياهو والذي هو امتداد لموقف إدارة بايدن التي أصبحت اليوم أكثر رغبة بإبعاد نتنياهو عن موقعه كرئيس للحكومة، وأكثر تحركاً من أجل رؤيته بالسجن قبل بدء الإنتخابات الرئاسية الأميركية. 

 

وهذا الجزء المتعلق بالبيت الأبيض من بدء مسار الانقلاب على نتنياهو، تم التعبير عنه أمس من خلال تصريح لنائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس قالت خلاله أنه على السلطة الفلسطينية أن تحكم غزة في اليوم التالي لوقف الحرب.. 

 

.. وبعد فترة قصيرة جداً من كلام هاريس، قال نتنياهو بما يشبه الرد عليها “أنه لن يكون هناك دور للسلطة الفلسطينية في حكم غزة بعد توقف الحرب، لأن هذه السلطة تدعم الإرهاب ضد إسرائيل”.   

 

ويوضح مضمون تصريحي نتنياهو وهاريس المتضادين، أن هناك خلافاً بين البيت الأبيض ورئيس الحكومة الإسرائيلية على أهم نقطة يتم نقاشها اليوم على المستوى الدولي والإقليمي في أروقة البحث عن حل لحرب غزة؛ وهي “من سيحكم القطاع في اليوم التالي لوقف الحرب”؟؟. 

 

وفي هذا المجال يجب إدراج الاستنتاج الأساسي التالي: 

 

.. واضح أن مشاركة بلينكن خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل ولرام الله، في نقاش كابينيت الحرب الإسرائيلي، أسفر عن النتائج التالية: إدارة بايدن تؤيد استمرار ضرب الجيش الإسرائيلي لحماس حتى يتم تحقيق هدف التوصل إلى “فرض إرادة حل سياسي” في غزة قوامها وضع القطاع تحت سيطرة سلطة رام الله الفلسطينية (أبو مازن ومعه حسين الشيخ وماجد فرج، الخ..).

 

وواضح أن نتنياهو الذي لا يوافق بايدن على أن سلطة رام الله وليس إسرائيل هي الحل في غزة، عارض موقف بلينكن الذي نال داخل الكابينيت تأييد كل من غالانت وغاتس، وتأييد رئيس المعارضة لابيد خارج الكابينيت..

.. وكل هذه التطورات التي تشي بوجود قرار أميركي يؤيده حلفاء بايدن داخل إسرائيل، للبدء بالانقلاب على نتنياهو، هي التي تفسر لماذا بدأت بعد انتهاء زيارة بلينكن، صحف أميركية بتسريب معلومات عن وجود خطة في إسرائيل لسيطرة الجيش الإسرائيلي على شريط حدودي في غزة؛ ولماذا خرجت أمس للعلن تصريحات رسمية أميركية على لسان كامالا هاريس تؤكد على ثلاث نقاط:

١– إدارة بايدن مع استمرار القتال حتى ضرب حكم حماس في غزة، وذلك لصالح إحلال سلطة رام الله مكانها

؛ ٢– إدارة بايدن ضد أي شكل من إعادة الإحتلال الإسرائيلي لغزة، وضد التهجير القسري للغزازويين

؛ ٣– إدارة بايدن اتفقت مع الجيش الإسرائيلي (أي مع غالانت) على إنشاء مناطق آمنة للغزاويين يلجأون إليها خلال تنفيذ معركة تفكيك حكم حماس في غزة. وكان بلينكن قبل سفره من تل أبيب عائداً لأميركا؛ قال بما يشبه أنه يدلي “بتوجيه عملياتي للجيش الإسرائيلي”: إن واشنطن تعتقد أن الجيش الإسرائيلي قادر على الانتصار على حماس مع تجنب الإضرار بالمدنيين الغزاويين..

وما تقدم يؤسس لبدء الحرب لحسم الخلاف حول طبيعة اليوم التالي في غزة بعد وقف الحرب، وذلك بين بايدن ومعه الجيش الإسرائيلي والمعارضات الإسرائيلية لنتنياهو من جهة وبين نتنياهو من جهة ثانية، الذي سيعمد لشد عصبية معسكر اليمين حوله تحت عنوان أنه مستهدف من قبل إدارة بايدن وحلفائه الإسرائيليين، بوصفه زعيماً لمعسكر اليمين في إسرائيل، وليس كشخص؛ وبوصفه يريد حلاً استيطانياً للوضع في غزة، وليس حلاً فلسطينياً بحسب بايدن الذي قالت نائبته أن واشنطن ضد أي احتلال إسرائيلي لغزة.

والسؤال الأساسي حالياً هو هل سيكون آمناً على إسرائيل إكمال الحرب في غزة وسط انقسام قيادة كابينيت الحرب بين مشروعين وبين خطتين؟؟.

Exit mobile version