الهديل

خاص الهديل: لماذا سيدخل حزب الله حرباً شاملة إذا أيقن أن حماس تواجه خطراً وجودياً؟؟

خاص الهديل:

بات واضحاً بعد نحو ستين يوماً من القصف والمجازر الإسرائيلية بحق فلسطيني غزة، أن الرأي العام الدولي الشعبي والرسمي ليس له تأثير معتبر على القرار الإسرائيلي.. فإسرائيل تعتبر أن العالم ارتكب بحق اليهود خطاياه الكبرى عندما نفذ النازيون فعل المحرقة بهم، وأن على العالم اليوم أن يُكفر عن خطاياه بحق اليهود من خلال تمكين إسرائيل من قتل الفلسطيني الذي ارتكب – من وجهة نظرها – يوم ٧ أكتوبر محرقة جديدة بحق اليهود الإسرائيليين..

وعبثاً يناقش الفلسطيني العالم بعدم صوابية هذا التفكير، ذلك أن العالم هنا لا يفكر بالحقيقة بل ينفذ مصالح مجردة وباردة.. وعليه؛ فإنه حتى حل الدولتين الذي يطرحه بايدن كأفق سياسي لحرب مجازر غزة؛ إنما هو في الحقيقة طرح يريد من خلاله تغطية عدم استجابته اليوم لطلب وقف النار في غزة.. فبايدن يقول أريد حلاً للفلسطيني بعد موته.. ومعنى مطالبته الآن بحل الدولتين هو أنه يجب تخصيص كل الوقت اليوم، لتنفيذ مهمة قتل الفلسطيني تحت شعار “قتل حماس”؛ وتحت شعار أن حل الدولتين هو موقف واشنطن العادل مستقبلاً تجاه الفلسطينيين، وليس وقف النار الآن لوقف قتل الفلسطينيين.. وبكلام أكثر دقة فإن بايدن ليس لديه في هذه اللحظة ما يفعله للفلسطيني، ولكن بعد انتهاء مهمة قتل إسرائيل للفلسطيني سيدعم مطلب حق أن يكون له دولة ضمن حل الدولتين الذي بات مشكوكاً بأنه قابل ديموغرافياً للتنفيذ.

والمعادلة المطروحة اليوم عالمياً هي أن التغفير الحقيقي عن جرائم النازية التاريخية بحق اليهود، تتم فقط من خلال السماح الدولي المطلق لليهود الإسرائيليين بقتل العرب الفلسطينيين حتى ينتهي حلمهم بأخذ دولة لهم في فلسطين..

وكل هدف خطة حرب غزة اليوم هو خلق وضع في فلسطين يؤدي إلى جعلها عملياً مطابقة للنظرية التي قالها الصهاينة بدايات القرن الماضي، ومفادها أن “فلسطين أرض بلا شعب لشعب (أي اليهود) بلا أرض”.

خلال هذا العام شاركت إسرائيل بقوة مع أذربيجان بتنفيذ عمليات ترانسفير قسرية ضد أرمن كاراباخ.. وكان العالم قسمان تجاه مشهد هجرة عشرات آلاف الأرمن من كاراباخ إلى أرمينيا: قسم مؤيد تسليحاً وتورطاً مباشراً بتهجير أرمن كاراباخ؛ وقسم متواطئ وصامت، وقد ضم القسم الأخير حتى رئيس حكومة أرمينيا نفسه.

.. والآن فقط، يمكن ربط حدث تهجير أرمن كاراباخ الذي حدث تحت أعين عالم صامت أو متواطئ، مع ما يحدث في غزة حالياً من قتل وحملات ترانسفير قسري بحق أهلها داخل قطاعها، تمهيداً للدفع بهم خارجه؛ علماً أن هذا الترانسفير الثاني القسري المصحوب بالمجازر، يحدث مرة أخرى تحت أعين عالم صامت أو متواطئ.. والربط هنا بين الجريمتين، يقع عند نقطة أن إسرائيل لها دور كبير فيهما؛ فهي متورطة ومشاركة بتهجير أرمن كاراباخ، وهي منفذة ومسؤولة عن تهجير وقتل فلسطيني غزة.. أضف إلى ذلك أن حل قضية كاراباخ بأسلوب تهجير السكان الأرمن من تلك المنطقة قسرياً، بدل إنشاء عملية تفاوض تؤدي لحل سلمي لقضية كاراباخ، إنما خلق سابقة عالمية تقول أن هذه المرحلة هي فترة دولية تسمح بتطبيق حل الترانسفير القسري على الشعوب التي لا تملك القوة الكافية للدفاع عن نفسها. والواقع أن إسرائيل هي أكبر مستفيدة من سيادة منطق الترانسفير على مناخ العلاقات الدولية في هذه الفترة.

.. والسؤال اليوم هو من سيكون الشعب التالي الذي سيضربه سيف الترانسفير القسري بعد الأرمن في كاراباخ والفلسطينيين في غزة؟؟.. هل هم فلسطينيو الضفة الغربية، أم شيعة لبنان..أم، الخ… 

ومطلوب من لبنان – كما الأردن ومصر على نحو خاص – أن يدقق بالمصطلحات التي تستخدمها في هذه الفترة، ليس فقط إسرائيل، بل أيضاً إدارة بايدن.. فإسرائيل تتحدث عن مناطق آمنة لها داخل مناطق فلسطينية، ولكنها تشترط أن تكون هذه المناطق الآمنة تحت سيطرة جيشها وليس في عهدة قوات دولية(!!). وهذا يعني أمراً واحداً وهو عودة الإحتلال الإسرائيلي إلى هذه المناطق الفلسطينية الموجودة داخل غزة، ولكن هذه المرة تحت عنوان أنها مناطق يوجد اعتراف دولي بسيطرة إسرائيل عليها، لأن هذه السيطرة تتم تحت مسوغ أنها تشكل ضمانة لأمن إسرائيل.. نفس الأمر بدأت تتحدث به إسرائيل بخصوص منطقة الـ١٧٠١ جنوب منطقة الليطاني.. فحالياً تطالب إسرائيل بتفعيل تطبيق القرار ١٧٠١، وخاصة لجهة بنديه الأخيرين اللذين يشددان على أن تكون منطقة جنوب الليطاني منزوعة من سلاح المقاومة. ويات يتوقع الآن أن تطور إسرائيل مطلبها في حال شعرت بأنها تقترب من حسم هزيمة حماس في غزة، ليصبح مطلبها من العالم هو أن يعترف لها بحق الجيش الإسرائيلي بأن يقوم هو بنفسه، وليس القوات الدولية، بالانتشار في منطقة القرار ١٧٠١ جنوب الليطاني، وذلك حتى يتم تحقيق ضمانة الأمن لمستوطنات الشمال الإسرائيلية، وكي لا يتكرر بحقها بواسطة حزب الله، ما حصل لمستوطنات غلاف غزة يوم ٧ أكتوبر، بواسطة حماس.

والواقع أن تقدير الموقف هذا، هو الذي جعل حزب الله يلجأ منذ الأيام الأولى لمعركة غزة، للتهديد بدخول حرب شاملة في حال حدث خطر وجودي على حماس؛ ذلك أن الحزب يدرك أن اليوم التالي على هزيمة حماس في غزة لن يكون فقط سيطرة الجيش الإسرائيلي على شمال غزة بدعوى انها شريط لأمن مستوطنات غلاف غزة؛ بل سيتبعه تحرك إسرائيل بدعم أميركي، لإنشاء سيطرة للجيش الإسرائيلي على جنوب الليطاني ليكون شريط أمني إسرائيلي لمستوطنات شمال إسرائيل..

وضمن هذا السياق، ستتجه إسرائيل للمطالبة بضمانات مشابهة من كل من مصر والأردن، ولكن توعية هذه الضمانات لا تتعلق بإنشاء مناطق لأمن إسرائيل داخل حدود هاتين الدولتين، بل إنشاء مناطق لاستقبال الترانسفير الفلسطيني من غزة والضفة داخل أراضي الدولتين المصرية والأردنية.

Exit mobile version