الهديل

خاص الهديل: إسرائيل تخفي ثلاثة أرباع خسائر الجيش: سقوط الهدفين غير المعلنين في “خطة السيوف المسنونة”!!

خاص الهديل:

 

كذبت صحيفة هأرتس يوم أمس الجيش الإسرائيلي، وأكدت أن عدد الجنود الإسرائيليين المصابين هو ٤٥٩١ جندياً وليس ١٥٩٣ كما صحح الجيش الرقم.. 

وفي إسرائيل يوجد أهمية قصوى لهذا النقاش أو السجال الخلافي حول ما هو الرقم الحقيقي لعدد الجرحى والقتلى خاصة بين الجنود الإسرائيليين، وذلك لعدة أسباب: 

السبب الأول هو الحساسية الكبيرة التي يولي بها المجتمع الإسرائيلي لعدد الإصابات والقتلى بين صفوف جنوده؛ فالأرقام هنا، وبالنسبة إليه، لا يتم إحصاؤها من قبيل معرفة حجم الخسائر بالأرواح فقط؛ بل بوصفها دليلاً ومؤشراً على نسبة ما تبقى من مستقبل لاستمرار المستوطنين بالإقامة داخل الكيان العبري؛ وبكلام أدق فإن عدد الإصابات والقتلى بين الجنود له لدى المستوطن الإسرائيلي معنى مغاير وأخطر من المعنى الناتج عن عدد الإصابات بين المدنيين الإسرائيليين؛ فالمعنى الأول يقدم فكرة للمستوطن عما إذا كان لا يزال يستطيع الاعتماد على قوة الجيش للبقاء في الكيان العبري آمناً وبشروط حياة فيها امتيازات أكثر من شروط الحياة التي تتوفر له جراء إقامته في أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية، الخ..؛ أما المعنى الثاني الخاص بالإصابات بين المدنيين فهي تعني للمستوطن مدى الثمن المطلوب منه دفعه للبقاء وعدم الهجرة. وحينما تقول هأرتس أن المصابين من الجنود زادوا عن ٤ آلاف جريح، فهذا يشكل رسالة عاجلة للمستوطن بأن عليه مراجعة حساباته بخصوص مستقبله داخل إسرائيل على المستوى الأمني ومن ثم الاقتصادي، لأن اقتصاد المستوطنات هو اقتصاد حرب، أي انه اقتصاد يتوسل مصادرة أراضي الفلسطيني ويتوسل استغلال الاحتلال والحصار الممارس ضد الفلسطيني كي يستخدمه كقوة عمل رخيصة وكمنتج من دون حقوق بالملكية، الخ..؛ وبالمقابل فإنه حينما يخفض الجيش الإسرائيلي نسبة عدد الإصابات بين صفوفه إلى أكثر من ثلاثة أرباع الرقم المعلن من قبل هارتس؛ فهذا يعني أن رقم الجرحى كما ورد للإعلام من المستشفيات هو رقم له نتائج مؤثرة سلباً على الأمن القومي الإسرائيلي وعلى الجبهة الداخلية وبالأخص بداخلها على مجتمع الاستيطان. والترجمة العملية تعني أن الرقم الذي أعلنته هأرتس يهدد مجتمع الاستيطان بالتفكك على المديين المنظور والمتوسط؛ وهذا السبب هو الذي أعطى الجيش شرعية ممارسة الكذب في إعلان أرقام جرحاه. وذلك من باب أنه يخفي خسائره بهدف المحافظة على مصالح الأمن العليا للدولة والمجتمع الصهيوني الاستيطاني الإسرائيلي.  

 

ثانياً- يلاحظ مراقبون أن النقاش الإسرائيلي الخلافي الحالي حول عدد الإصابات في الجيش، يتم ويدور حول فارق كبير بين عدد الإصابات الذي يقول به الإعلام من جهة وبين الرقم الذي يقول به الجيش من جهة ثانية؛ حيث يبلغ هذا الفارق نحو ٣٠٠٠ جريح. وهذا يعني أن المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي سيجد حاجة تحت بند الحفاظ على مصالح أمن الدولة العليا، كي يخفي نسبة ثلاثة أرباع الحقيقة بخصوص خسائر الجيش الإسرائيلي، والاعتراف فقط بنسبة ربع حقيقة هذه الخسائر.. وعليه يوجد تقدير بأن أصحاب القرار في إسرائيل خسروا منذ الآن الحرب لكسب ثقة الجبهة الداخلية بأنه لا يزال يمكن الاعتقاد بأن إسرائيل مكان آمن لليهود المقيمين فيها وللذين يفكرون بالقدوم للعيش فيها.

 

والواقع أن هذا الهدف (أي طمأنة الجبهة الداخلية على مستقبل أمنها الوجودي في إسرائيل)، هو أحد أهم الأهداف غير المعلنة لحرب “السيوف المسنونة” التي تخوضها تل أبيب اليوم.. وإلى جانب هذا الهدف يوجد هدف رئيسي آخر غير معلن، وهو خوض حرب يتم بخلالها إيصال رسالة للمهاجرين اليهود المفترضين، تقول لهم أنه لا يزال بإمكانهم الهجرة إلى أرض الميعاد حيث الأمن والأمان والامتيازات لليهودي.

وما حدث أمس بعدما نشرت هأرتس إحصائيات المستشفيات عن عدد الجرحى الجنود حتى اليوم، هو أن هذين الهدفين غير المعلنين في خطة حرب السيوف المسنونة، شارفا على السقوط؛ ما اضطر الجيش الإسرائيلي بإيعاز من كابينيت الحرب وقيادة الجبهة الداخلية، للتدخل على عجل، معلناً على نحو كاذب أن رقم ال٤٥٩١ جريحاً غير صحيح، وأن رقم الجنود الجرحى الحقيقي هو ١٥٩٣!!. 

ثالثاً- ثمة أيضاً سبب أساسي آخر جعل السجال الخلافي الإسرائيلي الذي بدأ يبرز منذ يوم أمس، حول العدد الفعلي لجرحى الجيش، له صدى مقلقاً داخل كابينيت الحرب، ومفاده أن إعلان العدد الحقيقي للجرحى سيقود إلى كشف الرقم الحقيقي لعدد القتلى؛ والعدد الأخير يمثل “الرقم الصعب” لجهة تأثيراته على مجتمع الاستيطان..

.. والمعادلة التي ستطرح نفسها هنا على الرأي العام الإسرائيلي، هي أنه إذا كانت الحكومة تخفي ثلاثة أرباع عدد الجرحى من الجيش، فإن هذا يعني أنها تخفي ثلاثة أرباع عدد قتلى الجيش. 

إن “معنى الرقم” في إسرائيل له حساسية خاصة؛ ولقد وصف يوري افنيري ذات مرة تعاطي المجتمع الإسرائيلي مع رقم الجدول الديموغرافي بينه وبين الفلسطيني، ومع جدول قتلى وجرحى الجيش، بأنه يشبه تعاطي مركز القرار في العالم مع حقيبة الزر النووي؛ فالرقم في إسرائيل هو مكون مادي ومعنوي قابل للإنفجار، وفي حال انفجر فهو يسيل دماء معنويات إيمان الإسرائيليين بالوجود المحمي من نبوءة أسطورية دينية ومن جيش يفترض أنه يقتل ولا يُقتل، وينتصر ولا يُهزم!!.

Exit mobile version