الهديل

خاص الهديل: حزب الله: ما هي حدود معادلة الربط والفصل مع حرب غزة!؟

خاص الهديل:

 

يمكن للمراقب أن ينظر لجبهة المواجهات في جنوب لبنان على أنها استمرار لحرب العام ٢٠٠٦، ولكن فوق ميدان محدود، يتضمن فقط جغرافيا منطقة الـ١٧٠١ أو الجزء الحدودي منها، وما يقابلها على الطرف الإسرائيلي.. فحرب العام ٢٠٠٦ انتهت بقرار وقف الأعمال العدائية، ولم تنته بقرار وقف النار؛ وما يحدث اليوم يمكن اعتباره قانونياً هو استئناف للقتال ضمن مفهوم العودة للأعمال العدائية بحسب توصيفات الأمم المتحدة.

 

وحينما يتحدث هوكشتاين عن تسوية إسرائيلية لبنانية، فهو أيضاً يشير إلى تصحيح أوضاع لا تزال عالقة بين لبنان وإسرائيل على الخط الأزرق الذي أنشأه اتفاق القرار ١٧٠١..

 

وبالمحصلة يمكن القول أن المسعى الأميركي يريد عسكرياً أن يبدأ بقرار لوقف إطلاق النار في جنوب لبنان، يكون تطويراً لقرار وقف الأعمال العدائية بعد حرب ٢٠٠٦، ويريد الأميركي أن يبدأ سياسياً بتسوية تبدأ من اعتبار تسوية الخط الأزرق وحل النقاط الـ١٣ التي يتحفظ عليها لبنان. بمعنى آخر تريد إدارة بايدن من خلال هوكشتاين البدء بتسوية وقف المواجهات بين لبنان وإسرائيل من حيث انتهت حرب العام ٢٠٠٧، وليس من حيث بدأت حرب غزة أو من حيث ستنتهي حرب غزة.

 

غير أن حزب الله يريد الربط بين فترة استمرار المواجهات في الجنوب وبين فترة إستمرار حرب غزة؛ بمعنى أن موقفه على هذا الصعيد هو التالي: لا وقف لإطلاق النار بالجنوب من دون وقف لإطلاق النار في غزة؛ وقد أكد الحزب عملياً التزامه بهذا الموقف حينما قام بوقف النار في الجنوب بالتزامن مع وقف النار الذي حصل خلال هدن غزة، ثم عاد لإستئناف القتال مع انتهائها. لكن الحزب، وبنفس الوقت يرفض ربط الحل الذي سيعتمد للوضع السياسي والأمني على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، بالحل السياسي والأمني الذي سيعتمد بين إسرائيل وغزة.

 

والواقع أن هذه النقطة جوهرية لتقديم تحليل أو “تقدير موقف” يخص كيف يفكر حزب الله بالنسبة لمستقبل الحرب أو الهدنة مع إسرائيل انطلاقاً من جنوب للبنان؛ وهنا يمكن إستخلاص الإستنتاجات الأساسية التالية: 

أولاً- حزب الله فتح باب المواجهات العسكرية إنطلاقاً من الجنوب اللبناني ضد إسرائيل، على قاعدة أنه يخوض معركة إسناد صمود غزة.. بمعنى أنه حينما تنتهي معركة غزة يعود حزب الله للنقطة التي كان فيها طوال السنوات الفاصلة بين نهايات العام ٢٠٠٦ حتى ٧ أكتوبر العام ٢٠٢٣. أي العودة للهدوء ضمن احترام قرار وقف الأعمال العدائية.. وهذا يعني أن حالة المواجهات العسكرية الحالية بين الحزب وإسرائيل هو إجراء أملاه تطور حرب غزة؛ ولا تعكس وجود استراتيجية استنزاف عسكرية مستديمة يعتمدها حزب الله انطلاقاً من جنوب لبنان ضد إسرائيل..

ثانياً- حزب الله لا يربط سياسياً أفق الترتيبات الأمنية أو الحدودية في جنوب لبنان مع إسرائيل، مع تلك التي قد تجري بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة أو في الضفة الغربية.. فلكل طرف داخل المحور قراره ورؤيته المستقلة على هذا الصعيد. فمثلاً إذا تم إقرار صيغة أمنية وسياسية من نوع هدنة طويلة كما يقال اليوم، بين حماس في غزة وإسرائيل؛ فإن الحزب لن يوافق على إسقاط تطبيقاتها على الوضع بين إسرائيل ولبنان؛ بل هو يعتبر أن لدى لبنان سياقاً مستقلاً ورؤية مستقلة حول كيف ينظر للوضع على حدوده مع إسرائيل ولمستقبل الصراع معها وأساليبه..

.. وإنطلاقاً من هذا المفهوم الذي اتضح أكثر بمناسبة مواجهات الجنوب؛ بات يمكن الآن فقط معرفة لماذا وافق حزب الله على أن يتم ترسيم حدود لبنان البحرية مع إسرائيل دون ربط ذلك بأية اعتبارات ذات صلة بترسم الحدود البحرية الإسرائيلية مع غزة أو مع سورية.

.. وقصارى القول هنا، أن هناك جانباً غير شائع يجب النظر إليه ضمن مفهوم “وحدة الساحات” كما يراها حزب الله، ومفاده أن هذه الوحدة لا تعني حصول ربط سياسي استراتيجي بين أطراف المحور؛ بل كل المطلوب هو ربط تنسيقي للمواجهات مع إسرائيل، وذلك تحت سقف أن يراعي كل طرف من أطراف المحور خصوصية الطرف الآخر وخصوصية اختلاف أوضاع بلدانهم، الخ..

وضمن هذا السياق يمكن ملاحظة أن الطرف الفلسطيني (حماس) داخل المحور لم يشرك أطراف المحور الآخرين (حزب الله والمفاومات الإسلامية في العراق وسوريا واليمن، الخ..) بقراره حول توقيت ونوعية عملية طوفان الأقصى؛ وبالمقابل فإن عدم إشراك حماس بقية أطراف المحور بقرارها، لم تعتبره هذه الأطراف بأنه يمثل خللاً من قبلها بالتزامها بالمحور، بل اعتبرته حقاً لها؛ وبالتوازي فإن حماس لم تعتبر نفسها، أنها بإسم وحدة الساحات، تستطيع أن تملي على أي طرف من أطراف المحور نوعية مساندته لها في حرب غزة، بل تركت لكل طرف داخل المحور حرية اتخاذ قرار المساندة حسب ما تحتمه رؤيته للصراع وظروفه داخل بلده..

 ومن خلال التمعن أكثر بهذه الصورة، يمكن أيضاً لحظ وجود اختلاف حول التشخيص الاستراتيجي لكيفية إدارة الصراع مع اسرائيل، بين كل من حماس وحزب الله: فالسيد حسن نصر الله يعتبر أن الحرب مع إسرائيل يجب أن تتجنب الاعتقاد بأنه يمكن إزالتها أو هزيمتها، بالضربة القاضية، بل بجب اعتماد “تسجيل النقاط ضدها وبشكل تراكمي”؛ بينما داخل حماس توجد قناعة بخوض حرب شاملة وقاضية.. 

ويبدو أن عملية “طوفان الأقصى” كانت مناسبة لتظهير صورة ما يحدث داخل محور المقاومة الذي تعتبر طهران مركز قيادته.. فقد بينت حرب غزة أن كل مقولة “محور المقاومة” وطرحه المركزي عن “وحدة الساحات”، لا تزال تحتاج لنقاش مفاهيمي معمق بين أطرافه وذلك حول: المعنى الاستراتيجي لوحدة الساحات؛ وبالتالي حدود تطبيقاته العملياتية(؟؟)، وهل هي وحدة “إنقياد جماعية”، أم أنها “وحدة تحت سقف مراعاة اختلاف خصوصيات كل طرف من محور المقاومة عن الآخر”؟؟؛ وهل يعني محور المقاومة “وحدة رؤية” أم “وحدة استراتيجيات”؟؟ 

لقد أظهرت حرب غزة أن محور المقاومة يحتاج لأن تتعمق أطرافه أكثر في عملية بلورة مفاهيم نوعية العلاقة بينها، وذلك بهدف “عقلنة” أهداف التعاطي مع بعضها البعض؛ ما يحول دون تراكم “إخفاق التوقعات” لديها، من جدوى وجود المحور من الأساس !!

Exit mobile version