الهديل

“عبودية” في لبنان.. خفايا مثيرة جداً وهذه هويّة الضحايا!

“عبودية” في لبنان.. خفايا مثيرة جداً وهذه هويّة الضحايا!

نشرت منصة “بلينكس” الإماراتيّة تقريراً تطرّقت فيه إلى واقع أطفال النازحين السوريين في لبنان، مشيرة إلى أنّ نسبة كبيرة من هؤلاء يعيشون من دون تعليم، الأمر الذي ينعكس على مستقبلهم من جهة وعلى شخصياتهم من جهةٍ أخرى

واعتبر التقرير أنّ أزمة النازحين في لبنان تتفاقم يومياً بعدما تجاوز عددهم المليونين، بحسب ما أعلن الأمن العام اللبناني أواخر العام 2022، وأضاف: “المعاناة في أوساط الأطفال السوريين كبيرة، فظروف الكثير منهم صعبة، حتى إن هناك عوائق قانونية أمام إمكانية تقدّمهم في الحياة”.

 

“عبودية أطفال”

يوضح التقرير أن “الأطفال السوريين في لبنان يعانون أزمتين: الأولى، هي عدم القدرة على تلقي نسبة كبيرة منهم التعليم، في حين أن الأزمة الأخرى ترتبط بانغماس الكثير منهم في سوق العمل في سنّ مُبكرة”.

في حديث عبر “بلينكس”، تقول ماريا عاصي، المديرة التنفيذية في جمعية “بيوند” المعنيّة بالنازحين السوريين، إنّ عدم حصول الأطفال النازحين على حقهم بالتعليم جعلهم عرضة للاستغلال لدرجة تصل إلى العبودية، وقالت: “خفايا المجتمع كثيرة وما تكشفه الظواهر الكثيرة عن واقع الأطفال السوريين تؤكد وقوعهم في براثن الجريمة والاستغلال الجنسي وغيره من الأمور الخارجة عن المألوف”.

أكثر من نصف مليون طف

بحسب “بلينكس”، فإن البيانات المتوافرة حالياً تكشف عن أن هناك 600 ألف طفلٍ سوريّ تحت عمر الـ14 عاماً موجودون في لبنان، وجميع هؤلاء يُعتبرون في سن التعليم. هنا، تقول عاصي إنّ هذا الرقم مرشّح أن يكون مرتفعاً أيضاً، لا سيما أنّ أفواجاً من النازحين ما زالت تدخل يومياً إلى لبنان، وبالتالي لا إمكانية لإحصاء أعداد هؤلاء في الوقت الراهن.

خلال تصريحها، تضيف عاصي: “البيانات الأساسية الخاصة بأعداد السوريين ما زالت موجودة لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والحكومة اللبنانية تطالب بالحصول عليها. المسألة بحاجة إلى وقت، لكنه من الضروري جداً معرفة أعداد النازحين من أجل الوصول إلى آليات شفافة وواضحة للحل”.

الخبير في الشركة الدولية للمعلومات المُختصة بالإحصاء في لبنان محمد شمس الدين، يقول لـ”بلينكس”، إنّ هناك ما يقارب الـ250 ألف طفلٍ سوري يتلقون التعليم ضمن المدارس في لبنان، وتحديداً الرسميّة منها.

ما قاله شمس الدين يتوافق أيضاً مع الرقم الذي طرحته عاصي في حديثها، لكنها تحدثت عن مُعضلة كبيرة ترتبط بـ350 ألف طفل نازحٍ لا يتلقون التعليم، وتقول: “350 ألف طفل لا يتلقون التعليم، هو رقم كبير جداً مقابل نسبة الأطفال الذين يستفيدون من هذا الحق، والبالغ عددهم 250 ألفاً. الأرقام وحدها كفيلة للإشارة إلى أنّ الأزمة كبيرة وتستوجب معالجة حقيقية وجذرية”.

مدارس “لمن استطاع إليها سبيلاً”

معضلة أخرى تظهر أيضاً في سياق المقاربة الخاصة بإمكانية تلقي الأطفال النازحين التعليم، وتقول عاصي إنّ هناك ظروفاً صعبة تحكم على الكثير منهم عدم الحصول على ذلك الحق.

توضح عاصي لـ”بلينكس”، أنّ هناك 6 إلى 7 آلاف مخيم في لبنان، وتقول: “بعض هذه التجمعات موجود في المناطق الجردية وعلى ضفاف الأنهار.. كيف يمكن للأطفال هناك أن يتلقوا التعليم، ما دام أنه لا مدارس في محيطهم؟ هؤلاء ليسوا قادرين على اكتساب ذاك الحق”.

وتكمل: “في لبنان، التعليم للسوريين يحصل في فترة ما بعد الظهيرة ضمن المدارس. هناك طلابٌ وبسبب عدم قدرتهم على دفع تكاليف النقل، يضطرون إلى الانتقال سيراً على الأقدام مسافاتٍ طويلة بين منازلهم ومدارسهم لا سيما في محافظتي البقاع (شرق لبنان) وعكّار (شمال لبنان)”.

وتضيف: “مهما توجهنا إلى العائلات السورية وعملنا على صقلهم معنوياً وفكرياً وقمنا بتشجيعهم على دفع أبنائهم إلى التعليم، سيصطدمون بمعضلة وهي قدرة أطفالهم على الذهاب إلى المدرسة وعودتهم إليها خلال ساعات متأخرة من النهار. الأمر هذا يمثل عقدة لا يراها الكثيرون”.

العمل “أفضل لنا”

“بلينكس” التقت طفلين من النازحين السوريين في محافظة جبل لبنان. الأول يُدعى عمر (13 عاماً) قال إنّه فضّل العمل و”تعلّم مهنة الحلاقة”، على أن يذهب إلى المدرسة ويتلقى العلوم التي لا يحبها.

ويضيف المراهق: “عائلتي بحاجة إليّ لاحقاً، جميعنا في المنزل نعمل ما عدا إخوتي الصغار، الواقع يفرض ذلك، فكيف يمكننا العيش؟”.

الطفل الثاني يُدعى عبد (10 سنوات) وهو يعمل في بيع القهوة، ويقول إنّه آثر العمل الآن، لأنه لا يحبّ الذهاب إلى المدرسة، ويضيف: “هنا أرى الناس وأحبّ ما أقوم به، ولكن إن تمكنت من العودة إلى المدرسة لاحقاً، فسأقوم بذلك مع شقيقتي الصغرى”.

ويكمل: “أحب سوريا فهي بلدي وإن تمكنت عائلتي من العودة إلى هناك، فسأكون معهم من أجل العمل فيها”.

الطفل اللبناني.. ضحية أيضاً

خلال مقاربتها لوضع النازحين، توضح عاصي أنّ عدد الأطفال اللبنانيين المنخرطين في مجال العمل يتزايد بشكلٍ كبير، موضحة أن هذا الأمر يشكل معضلة كبيرة أيضاً من الناحية المجتمعية.

تشير عاصي إلى أنّه طالما ارتفع عدد الأطفال العاملين وتشعبت مشاكلهم كلما باتت الحلول أصعب، وتقول: “هناك عائلات لا يمكن معرفتها أبداً، ومن الصعب اكتشافها خصوصاً في أوساط اللبنانيين. اليوم، هناك عائلات فضّلت أن يعمل أبناؤها في الزراعة وغيرها من المهن الحرفية، كي لا يذهبوا باتجاه المجالات المؤذية لهم ولمسيرتهم الحياتية”.

ليس التعليم فقط.. الهويّة أيضاً

الأمر الأكثر خطورة الذي كشفت عنه عاصي، هو أن هناك نسبة كبيرة من الأطفال السوريين يعيشون حالياً في لبنان من دون هويات أو أوراق ثبوتية، وتضيف: “بعيداً عن حق الأطفال في التعليم، أين حقهم في الحصول على هوية؟ أبسط الأمور مفقودة، كيف يمكن لطفلٍ أن يُسجل في مدرسة من دون ورقة ثبوتية. نسبة كبيرة من أطفال سوريا في لبنان هم من مكتومي القيد”.

وتكمل: “المسألة هذه ليست سهلة أبداً، فالمعاناة التي سيواجهها هؤلاء الأطفال كبيرة جداً وخطيرة، والأمر يحتاج إلى تسويات قانونية سريعة كي لا يكون الآلاف ضحيّة”.

تأثير أزمة أوكرانيا

عاصي تكشف عن أنّ أزمة أوكرانيا أثّرت جداً على النازحين السوريين في لبنان وتحديداً الأطفال منهم، وتضيف: “الحرب في أوكرانيا جعلت من الأطفال السوريين منسيين تماماً، فالمشاريع التي تستهدفهم في لبنان تراجعت بشكلٍ كبير وهذا الأمر بات ملموساً على أرض الواقع”.

كذلك، تلفت عاصي إلى أنَّ التمويل لمشاريع دعم الأطفال النازحين تدهور أيضاً، موضحة أنّ مختلف الجمعيات لم تحصل من الأمم المتحدة على أموالٍ خاصة بدعم وتعليم السوريين منذ فترةٍ طويلة.

“يبدو أن توجهات المنظمات المانحة جنحت باتجاه أوكرانيا أكثر من لبنان والدول التي تواجه النزوح السوري، وبالتالي هذا الأمر يستوجبُ انتباهاً كبيراً، علماً أنه لا أمد واضح لأزمة النازحين وفي لبنان تحديداً”، وفق عاصي

Exit mobile version