الهديل

خاص الهديل: القصة الكاملة لتأجيل تسريح قائد الجيش: باسيل خسر حرباً وليس اشتباكاً..

خاص الهديل:

اكتسبت جلسة مجلس النواب أمس أبعاداً هامة كثيرة، والقسم الأكبر من هذه الأبعاد كانت صحيحة ولم تكن مفتعلة. ومن بين أبرز الأسباب التي جعلت جلسة أمس استثنائية بمعانيها السياسية، هو قيام جهات خارجية وداخلية بتوجيه نظر القوى المحلية إلى خطورة أخذ الجيش لفراغ على مستوى الأمرة في لحظة يعيش فيها لبنان هواجس توسيع نتنياهو الحرب ضده؛ وأيضاً تنبيه أغلبية الأحزاب والشخصيات المسيحية إلى أنها لن تسمح بأن يصل لموقع قيادة الجيش مسلسل تفريغ التمثيل الماروني في المواقع الهامة في الدولة، ما يعزز الانطباع بأن هناك جهات نافذة تعمل على تغيير النظام من داخله وضرب التوازن الطائفي فيه، الخ.. 

.. إلى ذلك اكتسبت جلسة أمس النيابية أهمية سياسية مضافة، كون هناك جهة اعتبرت بوجود صلة وثيقة بين نتائجها وبين ما قد تتجه إليه رياح معركة رئاسة الجمهورية.

والواقع أن الجهة التي أنشأت ربطاً بين تجديد البرلمان سنة لقائد الجيش جوزاف عون، وبين ارتفاع حظوظه في نيل رئاسة الجمهورية هي جبران باسيل، ومن أمامه ومعه ولأجله عمه الرئيس ميشال عون.

وكانت قصة الربط بين تأجيل تسريح جوزاف عون وبين معركة رئاسة الجمهورية بدأت عندما وضع باسيل، ومعه عمه، “فيتو سياسي” على تمديد ولاية قائد الجيش لمدة عام إضافي؛ وبرر باسيل هذا الموقف بأن التيار البرتقالي صاحب تاريخ قديم بمواقفه الرافضة للتمديد(!!).. وحاول باسيل أن يسوق صيغته لإخراج جوزاف عون من اليرزة عن طريق إقناع وليد جنبلاط بإنشاء شراكة معه في خطة تعيين رئيس أركان تكون كل مهمته أن يرث صلاحيات قائد الجيش بعد انتهاء ولاية الأخير في الشهر الأول من العام المقبل.. لكن المختارة رفضت أن يتم استخدامها في لعبة مد اليد الدرزية على أحد أهم المواقع المخصصة للموارنة في الدولة. ومن ثم انتقل باسيل لتجرية أخذ الثنائي الشيعي إلى “لعبة مقايضة وهمية”، قوامها إيحاء باسيل أنه مبدئياً ينفتح على دراسة فكرة انتخاب سليمان فرنجية، بمقابل أن يتلقى وعداً من كل من حركة أمل وحزب الله بمنع تأجيل تسريح قائد الجيش لمدة عام. ولكن خطة باسيل مع الثنائي الشيعي فشلت لعدة أسباب: أولها انفضاح أمر باسيل لجهة أنه يناور للحصول على هدفه بإخراج جوزاف عون من قيادة الجيش، في حين أن موقفه الضمني هو أنه لن يوافق عملياً على انتخاب فرنجية.. ثانياً لأن الرئيس نبيه بري نظر إلى موضوع تأييده لملف التمديد لقائد الجيش لمدة عام، على أنه يجسد تمسك بري المعروف عنه بالشراكة الوطنية مع المسيحيين؛ وأيضاً لكون هذا التمديد يخدم مؤسسة الجيش التي تمر بظرف صعب؛ أضف لذلك أن حزب الله احتسب هذا الملف من زاوية أحداث حرب غزة وانعكاساتها على المواجهة العسكرية التي يخوضها مع إسرائيل في الجنوب، وبالمحصلة ظهر لحارة حريك أنه ليس من الحكمة خروج العماد جوزاف عون من قيادة الجيش في هذا الظرف.. ثالثاً امتناع رئيس الحكومة عن مسايرة لعبة باسيل وغير باسيل، التي أرادت أخذ إقرار تأجيل التسريح إلى الحكومة لإقراره فيها، ما يمنح الطعن به فرصة أكيدة.. 

 

وخلال ربع الساعة الأخيرة التي سبقت عقد جلسة مجلس النواب، ومعها جلسة الحكومة؛ أقدم باسيل على استخدام آخر أوراقه للتأثير على حزب الله كي يمنع تأجيل تسريح العماد جوزاف عون.. وتمثلت هذه المحاولة بدفع عمه ميشال عون للإتصال هاتفياً بالسيد حسن نصر الله، والطلب منه بشكل شخصي أن يلبي آخر تمنى له عليه، وهو منع تأجيل تسريح قائد الجيش جوزاف عون!!..

 

.. وتم تسريب خبر اتصال الرئيس عون بالسيد نصر الله على نطاق واسع، وحيكت حوله قصص من نوع أن الجنرال قال للسيد أن حفظ كرامته في آخر حياته، مرهون بتلبية نصر الله لطلبه.. وعند هذه الدراما التي أثارها باسيل، شاع إرباك في عين التينة يقال أن سببه تمني نصر الله على بري أن يخرجه من إحراج إتصال الرئيس عون به والطلب منه إكرامه بموضوع عدم التمديد للعماد جوزاف عون؛ وهنا جرى التفكير بنقل ملف تأجيل التسريح من مجلس النواب إلى الحكومة؛ لكن ميقاتي طير هذه الفكرة، وهو بهذا يكون عملياً منع جعل قرار تأجيل التسريح مهدداً بمسدس الطعن الذي وضعه باسيل على الطاولة.

 

وبالنهاية تم إقرار تأجيل التسريح لمدة عام لكل قادة الأجهزة الأمنية؛ ما رفع بالشكل إحراج أن الأمر له خصوصية شخصية تتعلق فقط بقائد الجيش؛ ولكن بالنتيجة فإن باسيل من خلال طريقة مواجهته لهذا الملف، وضع نفسه الآن في موقع من خسر “حرباً سياسية” وليس مجرد “اشتباك سياسي”.

هناك سؤالان سيفرضان نفسيهما بعد حصول تأجيل تسريح قائد الجيش: الأول: كيف سينعكس ذلك على علاقة باسيل بحزب الله؟.. الثاني كيف سينعكس شبه الإجماع الذي حصل في البرلمان، على تأجيل التسريح لقادة الأجهزة الأمنية وبمقدمهم قائد الجيش، على مناخ العمل لإنهاء الشغور الرئاسي؟؟.

Exit mobile version