خاص الهديل:
هناك لبس، أو بكلام أدق عدم وضوح يصاحب زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إلى كل من لبنان وإسرائيل؛ فكولونا لم توضح ماهية حركتها على نحو دقيق؛ وتركت عدداً كبيراً من الأسئلة عن ما تفعله وحول بإسم من تفعل ذلك، من دون أجوبة.. وسيكون من الأفضل لو أن كولونا تبدأ حراكها بين لبنان وإسرائيل من نقطة توضح فيها ما إذا كانت “تحمل مبادرة” أم أنها “تحمل نصائح” أو “رسالة”؛ أم أنها “تقود حراكاً اوروبياً” لتطبيق اتفاق الـ١٧٠١، أم أنها تقود “تحركاً فرنسياً أميركياً مشتركاً لمنع توسع حرب غزة إلى لبنان”، الخ..
والواقع أن كل واحدة من هذه المهام لها موجباتها ولها أطرافها ولها ممراتها السياسية والدبلوماسية الخاصة بها. وبكل حال فإن صحيفة معاريف لاحظت أمس أن زيارة كولونا تركز على نقطة أن دعوتها لتخفيض التصعيد على حدود لبنان موجهة لكلا الطرفين اللبناني والإسرائيلي، وليس اللبناني وحده.. ولاحظت أيضاً أن كولونا تتحدث بإسم ما يريده المجتمع الدولي وليس بإسم الشراكة مع واشنطن ولا الشراكة مع الإتحاد الأوروبي.. وكان واضحاً ضمن نفس هذا السياق، أن كولونا في بيروت تحدثت عن تعاون عام (وليس عضوي) حول مهمتها مع شركاء فرنسا الأوروبيين ومع الأميركيين..
المشكلة هنا بالنسبة لباريس أن الدول الأوروبية ليست على موقف واحد من حرب غزة؛ فالبعض يرفض الذهاب أكثر في دعم إسرائيل الأعمى، وهذا البعض يعتبر باريس مخطئة في أصل موقفها الذي تطرف بدعم تل أبيب ضد فلسطيني غزة. وعليه فإن كولونا لا يمكنها القول أنها تعبر بدقة عن كل الموقف الأوروبي بخصوص أي أمر يتصل بحرب غزة؛ ولذلك يلاحظ أن كولونا تستعمل مصطلح أن “المجتمع الدولي يريد تخفيض التصعيد على الحدود اللبنانية الإسرائيلية”؛ ولا تقول أن الإتحاد الأوروبي كلفها القيام بذلك!!
وكان لافتاً أمس أنه في الوقت الذي كانت فيه كولونا موجودة في تل أبيب للطلب من كابينيت الحرب هناك توخي عدم التصعيد على الحدود مع لبنان؛ كان الجيش الإسرائيلي يتقصد توسيع ميدان النار ليشمل أهدافاً خارج الحدود المحددة ضمن قواعد اشتباك يلتزم بها طرفا القتال؛ وكان واضحاً أن كابينيت الحرب الإسرائيلي يريد توجيه رسالة ضغط على كولونا كي تقوم بدورها بالضغط على حزب الله؛ فيما مصادر أخرى رأت أن التزامن بين قيام تل أبيب بتوسيع الحرب ليطال أهداف خارج الميدان الحدودي المتعارف عليه، ووجود كولونا في المنطقة، لم يكن هدفه الضغط على الأخيرة، بل كان هدفه إعطائها ورقة رابحة للقول للبنان ولحزب الله أن إسرائيل بدأت تتفلت من قواعد الاشتباك، وها هي تتجه لتحويل المواجهة إلى حرب شاملة ضد لبنان.. وبمعنى آخر أرادت إسرائيل أن تجري كولونا مفاوضاتها مع الطرف اللبناني تحت النار والتهديد بورقة التصعيد الإسرائيلي، حتى يمكنها تحويل مهمتها من مجرد ناقلة رسائل من إسرائيل للبنان، ومن مجرد ناقلة نصائح من باريس إلى لبنان؛ إلى وزيرة خارجية تقوم بمهمة إطفاء حريق إقليمي قيد الاشتعال، بدليل خروج الإسرائيلي عن المواجهة المضبوطة داخل الميدان الحدودي ما ينذر بفقدان السيطرة على الوضع في أية لحظة.
ويبدو أن حزب الله أيقن أن تصعيد تل أبيب الإستثنائي هدفه جعل كولونا ليست مجرد ناقلة نصيحة فرنسية وتهديد شفهي إسرائيلي للبنان، بل تحويلها إلى “ضابط إطفاء” يجب على لبنان الإفادة من وجوده في المنطقة حتى يمنع شن حرب عليه من إسرائيل.. وهذا التشخيص لمهمة كولونا هو الذي جعل الحزب يستبق وصول كولونا من إسرائيل، ليقوم بالرد على التصعيد الإسرائيلي بالنار بتصعيد بالنار يقابله ويوازيه ويكون مدروساً سياسياً وعسكرياً..
والواقع أن حزب الله بحسب مصادر، استقبل منذ الأساس زيارة كولونا للمنطقة بشيء من التوجس، وذلك لعدة أسباب:
أولاً- لأن الحزب لم يفهم لماذا غيرت كولونا فجأة ترتيب رحلتها؛ حيث كانت محطتها الأولى لبنان قبل محطة إسرائيل، ثم فجأة أعلنت كولونا أنه بسبب عطل فني طرأ في طائراتها، فإنها ستزور إسرائيل أولاً، ثم تأتي إلى لبنان.. ومنذ تلك اللحظة اعتقد الحزب أن وراء هذا التغيير يوجد “عطل سياسي” و”هدف سياسي”، وليس “عطلاً تقنياً”؛ وعندما قامت إسرائيل بالتمهيد لزيارة كولونا للبنان، بتصعيد عسكري خرج عن اللعبة المحددة في ميدان الجنوب؛ أيقن الحزب حينها أن هناك محاولة لجعل كولونا تأتي إلى لبنان، وهي تحمل من إسرائيل ليس فقط “تهديداً شفهياً” كالعادة، بل أيضاً “تهديداً بالنار”.
ثانياً- خلال زيارة المبعوث الفرنسي الرئاسي لودريان لبيروت، التقى بمحمد رعد؛ وكان جو اللقاء جيداً؛ بمعنى أن اللقاء لم يتأثر بالتوتر الذي يسود بين فرنسا وكل محور المقاومة نتيجة مواقف ماكرون المتطرفة بدعم إسرائيل ضد غزة؛ وأيضاً حينما التقى مدير المخابرات الفرنسية إيمييه مع محمد رعد بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة؛ فإن جو اللقاء ساده تفهم من قبل الطرفين لبعضهما البعض؛ وخلاله قال إيمييه لرعد أن على حزب الله أن يدرك أن نتنياهو هو شخص مجنون، ولا يريد أن يستمع لأحد، وبضمنهم الأميركيين.
.. والسؤال اليوم الذي لا يوجد حتى الآن جواب عليه من حارة حريك هو لماذا لم تلتق كولونا مع أية شخصية من حزب الله؟؟.. هل يكمن السبب في أنه طرأ أمر مستجد عطّل سلاسة العلاقة التي كانت سائدة مع وصول إيمييه ولودريان للمنطقة؟؟. وهل سبب عدم اللقاء هو تحفظ من الحزب على اللقاء بكولونا نتيجة تولد قناعة لديه بأن زيارتها منسقة الأهداف مع تل أبيب؛ بدليل “العطل السياسي” الذي طرأ على طائرتها، وبدليل التصعيد الإسرائيلي الذي واكب وصولها من إسرائيل إلى لبنان؛ وبالتالي فإن الحزب قرر عدم اللقاء بكولونا من باب القول لتل أبيب أنه لا يفاوض تحت الضغط بالنار!!