الهديل

خاص الهديل: لماذا يلتزم نصر الله بالصمت الخطابي هذه الفترة(؟؟): “إستراتيجية هيبة الصمت”..

خاص الهديل:

منذ خطابه الأخير قبل هدن حرب غزة الماضية، لم يلق نصر الله أي خطاب عن حال الحرب ومستجداتها ومواقف الحزب منها. ران صمت من قبله وذلك على غير عادته التي تتسم بمواكبته بالتعليق النشط على الأحداث ذات الصلة بتطورات الصراع مع إسرائيل. 

 

خلال فترة صمته برزت داخل حرب غزة أحداث وتطورات غاية في الأهمية، تخص لبنان ونظرة إسرائيل وحلفائها الغربيين، لمستقبل منطقة جنوب الليطاني..

 

من ناحية الشكل انتظر مراقبون أن يواكب نصر الله هذه التطورات من خلال خطب يلقيها يعلن فيها مواقفه منها.. ومن وجهة نظرهم فإن صمت نصر الله وترك طروحات لودريان وهوكشتاين حول ال١٧٠١ من دون أجوبة من قبله عنها يعلنها للرأي العام اللبناني، إنما يطرح أكثر من سؤال عن السبب وراء ذلك؟؟. 

 

يمكن ببساطة توقع أن الحزب خلال اجتماعاته بلودريان أجابه عن موقفه من مقترحات باريس حول تطبيق القرار ١٧٠١؛ كما أن آموس هوكشتاين حينما التقى بري سمع من الأخير موقف الحزب من خطط واشنطن لتفعيل القرار ١٧٠١؛ ولكن السؤال هنا ليس عن ما قاله الحزب للودريان مباشرة، أو ما قاله بالواسطة لهوكشتاين بلسان بري؛ بل لماذا لا يخرج نصر الله كعادته في مثل هذه الأمور، ويقول للبنانيين موقفه من مستقبل القرار ١٧٠١، وموقفه من عرض هوكشتاين انسحاب إسرائيل من الجزء اللبناني من الغجر، والاستجابة للتحفظات ال١٣ على الخط الأزرق، ونشر “اندوف” في مزارع شبعا، مقابل موافقة لبنان (الحزب) تطبيق القرار ١٧٠١ بكل بنوده؟؟.

 

ثمة معلومات ترى أن نصر الله يلتزم في هذه الفترة باستراتيجية عدم الخروج للإعلام، وغايته من ذلك ترك الميدان يتكلم نيابة عنه؛ وذلك في محاكاة لما يفعله يحيى السنوار ومحمد ضيف اللذين لم يلقيا أي خطاب منذ بدء حرب طوفان الأقصى؛ عدا خطاب ضيف القصير الذي ألقاه أول يوم في الحرب أعلن فيه بدئها.. 

 

الفكرة هنا كما وصلت لنصر الله، هي أنه إذا كان قائدي الحرب في غزة يتبعان إستراتيجية “هيبة الصمت”، وقد تركا كل الكلام عن مجريات الحرب، للناطق العسكري بإسم حماس أبو عبيدة؛ فإنه يجدر بأمين عام حزب الله، أن يلتزم أيضاً “إستراتيجية هيبة الصمت”، وأن يترك بيانات المقاومة الرسمية تتحدث بإسم حزب الله عن مجريات الميدان وكل ما يتعلق به من أمور سياسية.

 

ربما كان التزام نصر الله “بهيبة الصمت” تريد مراعاة إحداث تناسب بين كيفية مقاربة حماس للجانب الإعلامي الخاص بحربها في غزة، وكيفية مقاربة حزب الله لنفس هذا الجانب في حربه على الجبهة الشمالية. بمعنى أنه بمقابل “هيبة صمت السنوار” على الجبهة الجنوبية، هناك “هيبة صمت نصر الله” على الجبهة الشمالية؛ وبمقابل تعقيبات أبو عبيدة على الأحداث العسكرية في غزة، توجد تعقيبات بيانات المقاومة الإسلامية في لبنان على الأحداث العسكرية.. 

 

والواقع أن هذا الترتيب المقارن بين شكل تظهير حماس لخطابها السياسي والإعلامي المواكب للحرب وبين الشكل الذي اعتمده حزب الله، يوحي بنوع من مراعاة الجانب المعنوي للمقامات الشخصية؛ إذ لا يرغب الحزب بأن يكون أبو عبيدة هو صوت وخطيب ميدان الحرب في غزة، فيما يكون نصر الله هو خطيب ميدان المواجهات في الجنوب. أضف إلى أن نصر الله في ظل ابتعاد السنوار وضيف عن الكلام، لا يريد أن تبدو مواقفه بخصوص حرب غزة وكأنها تمثل أيضاً مواقف قائدي حماس؛ وبنفس الوقت لا يريد نصر الله أن يضطر في كل خطبة يلقيها عن حرب غزة، للقول أن مواقفه تعبر عن حزب الله وليس بالضرورة عن مواقف السنوار وضيف.  

 

.. والواقع أن العلاقة بين حزب الله وحماس في ظل حرب غزة، هي محل تنسيق لحظوي (حسب قول البعض) وجدي وعميق؛ ولكن هذا لا يلغي أنه لكل من الطرفين وجهة نظره السياسية التي لا تكون دائماً متطابقة.. والواقع أن خصوصية كل منهما بدت ظاهرة من خلال أول خطاب لنصر الله الذي أعلن فيه أن حماس قررت لوحدها بدء حرب طوفان الأقصى، وذلك بمعزل عن حزب الله وحلفائها الآخرين.  

 

.. وأبعد من المعطى المعنوي الوارد أعلاه، هناك سبب آخر يحتم على نصر الله الاقتصاد بل الكف كلياً عن مواكبة تطورات حرب غزة بالخطب السياسية.. ومفاد هذا السبب هو أن هناك قراراً في حزب الله يفيد بعدم النقاش في أي أمر سياسي، أو أي ملف سياسي مع أية جهة، وفوق أي منصة، إلا بعد وقف النار في غزة وانتهاء العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وعلى حماس. 

 

.. وعليه، فإنه في ظل أن نصر الله صائم عن الكلام السياسي كنوع من إبداء التضامن والدعم الإضافي لمجهود حماس العسكري والسياسي في الحرب؛ فإنه من الطبيعي أن يترك (أي نصر الله) عادة الخطب التي اشتهر فيها، إلى حين يأتي وقت الكلام بالسياسة عن غزة وعن العلاقة مع حماس وعن القرار ١٧٠١، وذلك فقط بعد وقف النار في غزة.

 

وضمن هذا التوجه يصبح يمكن توقع أن يستمر الصمت الخطابي لنصر الله (أو ما يسمى “بهيبة الصمت”) طالما أن حرب غزة مستمرة، وذلك مع ترك مجال لإحتمال أن يخرج نصر الله للخطابة للتفاعل مع مناسبات أخرى، بحيث يكون كلامه بالسياسة ذات الصلة بالقرار ١٧٠١ ثانوياً وليس تفصيلياً.

 

وحتى إشعار آخر فإن قرار نصر الله هو التزام “استراتيجية هيبة الصمت” المتبعة أيضاً من قبل السنوار وضيف؛ ولا يتوقع أن يخرج نصر الله عن هذه الإستراتيجية إلا إذا وجد أن الحالة اللبنانية تختلف عن الحالة الفلسطينية، وذلك لجهة أن هناك دينامية سياسية في لبنان لا تسمح لأمين عام حزب الله بالإبتعاد طويلاً عن الإنخراط في نقاشاتها والإدلاء بدلوه فيها؛ وأبرز الملفات التي لا تنتظر خروج نصر الله من “هيبة الصمت” ملف رئاسة الجمهورية الذي يشاع أن بري يعتزم تسخين المشاورات بشأنه مع بداية العام الجديد.. وأيضاً ملف ال١٧٠١ الذي بدأ الداخل السياسي اللبناني يتفاعل معه، ما قد يجعل نصر الله يضطر لإلقاء خطاب يناقش فيه التداعيات اللبنانية لعروض لودريان وهوكشتاين حول القرار ١٧٠١، وليس التداعيات الدولية.

Exit mobile version