الهديل

خاص الهديل: نقاش فكرة “اجتثاث حماس”: مقارنات مع فكرة “إجتثاث البعث” في العراق!!

خاص الهديل:

رفضت حماس أي نقاش معها حول إنشاء عملية جديدة لتبادل للأسرى لا تجري تحت سقف موافقة إسرائيل على وقف شامل ودائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة. 

 

وفي الدوائر المهتمة بالتفاوض بين حماس وإسرائيل يقولون أن كابينيت الحرب الإسرائيلي يعتبر شروط حماس بمثابة الطلب من تل أبيب إعلان الإستسلام؛ فيما حماس تبرر شرطها (وقف دائم للنار، الخ..) الذي تعلن أنها لن تحيد عنه، بأنه يشكل الضمانة الوحيدة لوقف المجزرة الإسرائيلية ضد سكان غزة. 

ووسط ما يبدو أنه إنسداد للأفق السياسي فإن الوسطاء المصريين والقطريين والأميركيين لا زالوا يعتبرون أنه بالإمكان تغيير موقف حماس، فيما لو حصلوا من إسرائيل على مقترح فيه تنازلات أكثر لصالح حماس وفيما لو قدمت واشنطن ضمانات تقيد بشكل عملي آلة الجرائم الحربية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية.

ولكن هل يمكن الحصول من تل أبيب وواشنطن على مقترح يقنع حماس بتجاوز شرط وقف النار الدائم، والبدء بهدنة مؤقت جديدة؟؟.

تم أمس تداول مقترح إسرائيلي، يقال أن قطر نقلته إلى حماس؛ واللافت في هذا المقترح أنه يتضمن حسب مصادر قالت أنها اطلعت عليه، “ضمانة أميركية” تقول أن واشنطن لا تمانع من تشكيل حكومة فلسطينية بعد حرب غزة تكون حماس جزءاً منها، ولكنها لا توافق على حكومة تكون كلها لحماس!!. 

ويحمل مضمون هذه الملاحظة الأميركية حول “اليوم التالي في غزة” التي أُرفقت بالمقترح الإسرائيلي، إيحاءاً بأن إدارة بايدن تخلت عن مطلب اجتثاث حماس، أو أقله تراجعت عن مطلب دعم هدف كابينيت الحرب الإسرائيلي بالقضاء على حماس، وأنها تذهب (أي إدارة بايدن) لانتهاج استراتيجية واقعية ترمي إلى التدرج باتجاه وقف الحرب من دون ربط ذلك بشرط إبادة حماس..

وأكثر من ذلك فإن الملاحظة الأميركية تؤشر إلى أن إدارة بايدن وصلت لقناعة بأنه لا يمكن إدارة حوار حول “اليوم التالي في غزة” من غير أن تكون حماس مشاركة به جزئياً على الأقل.. أضف لذلك أن واشنطن تعتبر أن إضافة حماس إلى الشكل الرسمي للقيادة الجماعية الفلسطينية هو الحل، بدل أن يكون الحل هو التمسك فقط بالسلطة الفلسطينية الراهنة. 

ولكن لماذا وصلت لإدارة بايدن فكرة أن على إسرائيل التعايش مع حماس بعد أن كانت – ولا تزال عملياً حتى الآن – ترفض وقف النار في غزة تحت مبرر أنه يمنح فرصة التقاط أنفاس لحماس، بينما واشنطن تريد تمكين إسرائيل من القضاء نهائياً عليها؟؟..

هناك عدة أسباب، أهمها إتضاح أن هدف إبادة حماس هو خطة عسكرية غير قابلة للتنفيذ، فحماس فكرة عقائدية، وليست فقط تنظيم يعيش في الأنفاق.. وعليه فإن الخطة الواقعية هي التي تحمل هدف “إضعاف حماس” وليس “اجتثاث حماس”؛ وهذا التغيير في التفكير الأميركي هو الذي يفسر لماذا أرفقت إدارة بايدن مع المقترح الإسرائيلي، ملاحظتها التي تقول أنها لا تمانع بأن تكون حماس جزءاً من الحكومة الفلسطينية المقبلة، ولكن ليس أن تكون كل الحكومة.. أي أن إدارة بايدن تقبل بتمثيل أقل قوة لحماس في القرار الفلسطيني مما هو عليه اليوم.. 

بالتزامن مع رفض حماس للمقترح الإسرائيلي حيث أصر إسماعيل هنية على رفض نقاشه طالما أنه لا يتضمن وقف دائم للنار، خرج نتنياهو للإعلام ليقول أمرين إثنين: الأول أنه مستمر بالقتال؛ أي أنه يرفض وقف دائم للنار.. والثاني أنه ذاهب لتحقيق هدف الحرب، وهو “إجتثاث حماس بالكامل”؛ وهنا يعلن نتنياهو افتراقه مع النظرة الأميركية التي تريد الاكتفاء بإضعاف حماس. 

والواقع أن النقاش داخل إسرائيل وداخل أروقة البنتاغون والسي آي إي بفكرة اجتثاث حماس، تذكر بالنقاش الذي دار بين صناع القرار في واشنطن حول اجتثاث كل من حزب البعث خلال فترة الغزو الأميركي للعراق.  

وثمة في إسرائيل وخارجها من يقول بمناسبة المقارنة بين هاتين المرحلتين، أن فكرة اجتثاث حماس ستنجح كما نجحت فكرة اجتثاث حزب البعث في العراق؛ ويقول هؤلاء أن نظرية أن حماس هي مكون عقائدي لا يمكن سحقه ليست واقعية بدليل أن حزب البعث في العراق هو مكون عقائدي ومع ذلك أمكن سحقه؛ ويرى أنصار هذا الرأي أن ما ينقص خطة اجتثاث حماس حتى تنجح هو أن تتوفر لها الشروط الثلاثة التي توفرت لخطة اجتثاث حزب البعث في العراق؛ وهي التالية: أولاً شيطنة حزب البعث في ذهن الشعب العراقي وتصويره أنه عدو لمصالحه بأكثر مما هو عدو لمصالح أميركا.. 

.. وبالمقارنة، فإن إسرائيل والإعلام الغربي يطبقان هذه النظرية، وهما نجحا – خاصة في البداية – لحد بعيد في تصوير حماس بأنها شيطان قتل واغتصب الأبرياء يوم ٧ أكتوبر وتسبب لشعب غزة برد فعل كارثي ضده.. وتخلص هذه المطالعة للقول أنه عملياً يمكن تحقيق أحد الشروط الثلاثة المطلوبة لجعل إمكانية اجتثاث حماس ممكنة بنفس الطريقة التي جرى فيها اجتثاث حزب البعث في العراق؛ أي شرط شيطنتها بعيون الفلسطينيين وعالمياً. 

الشرط الثاني تمثل بالنجاح في قتل الرمز المعنوي لحزب البعث الحاكم في العراق، وهو كان في الحالة العراقية صدام حسين، أما في حالة حماس فهو يحيى السنوار وإلى جانبه كل من محمد ضيف ومروان عيسى.. 

ويلاحظ أن الخطاب الإعلامي الإسرائيلي يركز دائماً على أن أحد المشاهد الأخيرة للحرب ستكون مقتل السنوار وضيف وعيسى؛ وهذا المشهد بمخيلة الخطة الإسرائيلية حول اجتثاث حماس، يجب أن يساوي لناحية تأثيراته على اليوم التالي في غزة، نفس الأهمية التي مثلها مشهد قتل صدام حسي داخل خطة اجتثاث حزب البعث في العراق…

الشرط الثالث الذي يطرحه القائلون بأن اجتثاث حماس في غزة ممكن، بنفس الطريقة التي نجحت فيها أميركا باجتثاث حزب البعث في العراق، يوصي (هذا الشرط) باستخدام كل القوى الفلسطينية التي لديها ثارات وحساب قديم مع حماس، لوضعها بمواجهتها؛ تماماً كما استخدمت أميركا كل القوى العراقية التي كان لها مع نظام البعث في العراق ثارات وحسابات قديمة. 

ويبقى الإشارة في هذا المجال إلى أن عقد مقارنة بين حزب البعث في العراق وحركة حماس في غزة لإظهار أن هدف إجتثاث حماس هو خطة عملية وليس فكرة سرابية وغير واقعية، إنما هي مقارنة غير صحيحة، كون حزب البعث في العراق كان نظاماً حاكماً ولديه تاريخ مع المعارضة العراقية له؛ فيما حماس رغم أنها تحكم قطاع غزة ولها شكل النظام فيه، إلا أنها ليست نظاماً بقدر ما هي مقاومة وحركة تحرير وطني وتحمل قضية يجمع عليها الشعب الفلسطيني.. 

.. أضف لذلك أن حماس تبدي ممانعة بوجه الغزو الإسرائيلي لغزة، وذلك على نحو يظهرها أنها قادرة حتى الآن على الأقل، على تعطيل القدرة الإسرائيلية على حسم الوضع عسكرياً في غزة؛ وبالتالي فإن الحل السياسي في غزة سيكون مع حماس، كونها هي الأرض السياسية والعسكرية هناك.

Exit mobile version