الهديل

خاص الهديل: الكابينيت الإسرائيلي يغير قواعد الحرب مع حزب الله: لا “نصر” على جبهة غزة من دون “النصر” على جبهة لبنان!!

خاص الهديل:

لا يوجد تقدير موقف في لبنان حول ما يجب فعله فيما لو استمرت معركة المواجهات في جنوب لبنان مع إسرائيل مفتوحة لعدة أشهر إضافية، وذلك بالتزامن مع استمرار حرب غزة.. 

ولكن لدى أوساط سياسية لبنانية متابعة، بات يوجد انطباع حول كيف ستتطور المواجهات مع إسرائيل في الجنوب:

وأبرز ما يقوله هذا الانطباع أو الاستنتاج الذي له شكل القناعة والحقيقة، هو أنه طرأ تحول نوعي على قواعد الاشتباك التي تحكمت بالمواجهات التي بدأت في جنوب لبنان مع تفجر حرب غزة.. 

وتشرح هذه الأوساط السياسية طبيعة هذا التغير الذي تصفه بأنه خطر ومقلق على النحو التالي.

منذ البداية اعتبر حزب الله أن حرب جنوب لبنان تسير زمنياً على إيقاع حرب غزة؛ ومن ناحيتها إسرائيل التزمت بداية بهذه المعادلة؛ ولكنها اليوم انسحبت منها..

ويتبين هذا التطور الخطر في موقف إسرائيل من خلال إيراد المقاربة التالية: خلال الفترة الماضية كان هناك سقف زمني للمواجهات في جنوب لبنان وضعه حزب الله ومفاده أنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار على الجبهة الشمالية مع إسرائيل، إلا بعد وقف النار على الجبهة الجنوبية في قطاع غزة.. وهذه النظرية أثبتت ثباتها فوق ميدان الجبهة الشمالية؛ وذلك من خلال هدن حرب غزة التي جرت الشهر الماضي، حيث أنه بمجرد أن التزمت حماس بهدنة غزة، التزم حزب الله من جانب واحد بوقف النار في الجنوب؛ وكذا فعل الجيش الإسرائيلي الذي توقف بدوره عن إطلاق النار على الجبهة الشمالية بمجرد أن التزم حزب الله بوقف النار في غزة.

وهذا المشهد ثبت مبدئياً آنذاك قواعد اشتباك بين طرفي مواجهات الجبهة الشمالية، التي تتضمن بندين إثنين: من ناحية التزامهما بالتقاتل داخل ميدان عمقه ٥ كلم؛ ومن ناحية ثانية إلتزامهما بوقف إطلاق نار يبدأ على الجبهة الشمالية بشكل تلقائي فور بدء وقف إطلاق النار على الجبهة الجنوبية في غزة..

 .. ولكن خلال الفترة الراهنة التي تلت هدنة شهر الماضي، قامت إسرائيل بتغيير موقفها من التزامها بقواعد الاشتباك القائمة على الجبهة الشمالية، وأعلنت عملياً إنسحابها من جانب واحد من الاستمرار بالالتزام بها..

.. وتمثل موقف إسرائيل هذا، بأنها بدأت تمارس “خروجاً جزئياً” عن التزامها بالبند الأول من قواعد الاشتباك مع حزب الله في الشمال، حيث وسعت نطاق قصفها ليطاول أهدافاً تقع خارج عمق الـ٥ كلم داخل الأراضي اللبنانية؛ وبادرت أيضاً وفي نفس الوقت (أي إسرائيل)، لإعطاء أقوى الإشارات والتصريحات الدالة على أنها انسحبت على نحو كلي هذه المرة من البند الثاني من قواعد الاشتباك القائمة في جنوب لبنان مع حزب الله، والمتعلق (أي هذا البند) بمعادلة ربط وقف النار في لبنان مع وقف النار في غزة؛ وبدل ذلك بدأت التصريحات ومعها الرسائل الرسمية الإسرائيلية إلى لبنان، تقول بصريح العبارة أمرين إثنين: الأول أن وقف النار في لبنان مرهون بتجاوب حزب الله مع مطلب تل أبيب بانسحابه إلى ما وراء خط الليطاني..

وضمن تأكيدها على هذا الشرط، بدأت إسرائيل ترسل لبيروت تحذيرات عبر اليونيفيل والأميركان والفرنسيين تفيد بأن هناك طريقاً واحداً أمام لبنان لتجنب شن حرب إسرائيلية تدميرية عليه كالتي تشنها على غزة، وهو قيامه بتنفيذ القرار ١٧٠١ كاملاً، وبخاصة البند الذي يفرض على حزب الله الانسحاب من منطقة الـ١٧٠١ (أي منطقة جنوب الليطاني).

.. أما الأمر الثاني الذي بدأت تقوله التصريحات الرسمية الصادرة عن كابينيت الحرب، فيفيد بأن تل أبيب ستعطي فرصة للحل الدبلوماسي مع لبنان، ولكنها ستعمد بعد نهاية عمليتها العسكرية في غزة إلى بدء عمل عسكري ضد لبنان لإرغامه على سحب حزب الله إلى ما وراء حدود خط الليطاني. وهذه النقطة التي بدأ المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي يتحدث بها علناً، تعني أن كابينيت الحرب الإسرائيلي لم يعد يرى أن وقف النار في لبنان مرتبط تلقائياً بوقف النار في غزة؛ بل صار مرتبطاً بتحقيق الهدف الذي وضعته إسرائيل لحربها على الجبهة الشمالية، وهو انسحاب حزب الله من منطقة القرار ١٧٠١ .

ومن جملة ما تقدم يمكن لحظ أن المستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين طورا من مفهومهما لموقع منطقة جنوب الليطاني داخل حرب غزة.. فإسرائيل ما عادت تعتبر جبهة لبنان ملحقة تقنياً بجبهة غزة؛ بل هي أنشأت ربطاً وثيقاً بين أهدافها على الجبهتين، وذلك من زاوية بلورة قناعة تقول إنه لا يمكن لإسرائيل أن تحقق الحسم الذي يبشر به نتنياهو وغالانت وغانتس في حرب غزة من دون أن تفعل ذلك على الجبهة الشمالية مع لبنان..

.. وبتعبير أدق فإن “صورة النصر” المزعومة التي يريد كابينيت الحرب أن يعرضها كآخر مشهد يدلل من خلالها على النجاح الإسرائيلي في حرب غزة، هي تصوير قنوات التلفزة العالمية جموع مستوطني غلاف غزة والحدود الشمالية مع لبنان، وهم يعودون إلى مستوطناتهم وقد ظهر عليهم “الرضا” نتيجة أن الجيش الإسرائيلي حقق مطلبهم “بسحق” حماس في غزة، و”إبعاد” حزب الله إلى ما وراء خط الليطاني!!

وما تقدم يعني أن وقف إطلاق النار لم يعد هدف تل أبيب لا في غزة ولا على الجبهة الشمالية مع لبنان، بل أصبح الموقف الإسرائيلي في غزة هو الاستمرار بالحرب حتى تفكيك حركة حماس وخلق واقع سياسي جديد في قطاع غزة، والموقف الإسرائيلي في لبنان هو أيضاً تفكيك وجود حزب الله العسكري في منطقة جنوب الليطاني، وخلق واقع أمني جديد هناك يقنع مستوطني المنطقة الحدودية الإسرائيلية مع لبنان بالعودة للإقامة فيها.

وهذا التطور الذي طرأ على الموقف الإسرائيلي يعني أمراً واحداً وهو أنه بعد وقف الحرب في غزة، فإن الاحتمال المتوقع الحدوث؛ هو تعميق إسرائيل لحربها على الجبهة الشمالية وذلك تحت عنوان تنفيذ القرار ١٧٠١.

ثانياً- ضمن الواقع الجديد للموقف الإسرائيلي من الجبهة الشمالية، بات يوجد اليوم ثلاثة سيناريوهات يتوقع حدوث واحد منها بين لبنان وإسرائيل خلال الفترة الراهنة أو القريبة المقبلة.

السيناريو الأول هو أن تفاجأ إسرائيل واشنطن وبيروت بتوسيع المواجهات في لبنان إلى مستوى حرب شاملة.

وبالإساس فإن هذا السيناريو موجود على طاولة الكابينيت منذ اليوم الأول لبدء حرب غزة، وهو سيناريو لم يعد سراً بعد أن نشرت صحيفة أميركية معلومة أن بايدن أحبط توجهاً إسرائيلياً لشن حرب استباقية على لبنان خلال الأيام الأولى من بدء حرب غزة، وذلك بحجة أن حزب الله يستعد لدخول الحرب دعماً لحماس.

وفي حال حدث سيناريو قيام إسرائيل بمفاجأة لبنان وأميركا وشنت حرباً على لبنان؛ فإن وقائع هذه الحرب لن تكون تكراراً لحرب غزة، بل هي ستجري على صورة “حرب المدن”؛ بمعنى حرب ليس فيها ميدان بري كما يحصل داخل قطاع غزة؛ بل تبادل بالقصف الإستراتيجي المدمر. وتقول التقديرات أن إسرائيل تستطيع تدمير الجنوب وبيروت والضاخية كما تهدد، ولكن الحزب يستطيع تدمير جزء لا بأس به من المنشآت الحيوية الإسرائيلية.

السيناريو الثاني الذي يتم توقعه يفيد أن وقف النار في غزة سيتضمن ترتيبات أمنية وسياسية في قطاع غزة؛ فإن وقف النار في لبنان الذي سيصاحب وقف النار في غزة، يمكن أن يتضمن أيضاً ترتيبات جديدة بخصوص منطقة الـ١٧٠١ جنوب الليطاني.. والمقصود هنا هو أنه بمثلما أن وقف النار في غزة سيتم تحصينه بترتيبات أمنية وسياسية؛ فإن وقف النار في لبنان سيتم استتباعه بترتيبات أمنية وسياسية تطبق في منطقة جنوب الليطاني؛ تشتمل على معالجة منطقة الـ١٧٠١ وعلى رزمة تنازلات تقدمها إسرائيل بخصوص إزالة نقاط التحفظ البرية والغجر ومزارع شبعا، الخ..

السيناريو الثالث هو إجراء فصل بين المسار السياسي اللبناني الإسرائيلي وبين المسار السياسي الذي سيسلك طريقه في غزة بعد وقف الحرب.

وتقع مشكلة هذا السيناريو في أنه في الوقت الذي يريد فيه حزب الله ربط المسار العسكري في جنوب لبنان مع المسار العسكري في غزة؛ إلا أنه لا يريد ربط المسارين السياسيين اللبناني والغزاوي؛ غير أن نتنياهو قرر عدم فصل مسار أهداف حربه في غزة عن مسار أهداف حربه في لبنان؛ فكلاهما من وجهة نظره يشكلان سلة أهداف واحدة؛ وعليه ودائماً بحسب نتنياهو لا يمكن لإسرائيل أن ترسم إشارة النصر في غزة أو إشارة عدم الهزيمة في غزة بعد انتهاء الحرب، فيما لو كانت نجحت بتحقيق أهداف إسرائيل في غزة، ولم تنجح بتحقيق أهدافها في لبنان المتمثلة بإنسحاب حزب الله إلى ما بعد منطقة جنوب الليطاني..

Exit mobile version