الهديل

خاص الهديل: ” المرحلة الثالثة” من “المشرفية” إلى “كرمان”: أخطار لعبة الانتقال من الحرب العسكرية إلى الحرب الأمنية

خاص الهديل:

دخلت حرب غزة بعد اغتيال صالح العاروري مرحلة حسابات جديدة ستفرض نفسها على كل الجهات المشاركة بها، أو حتى المعنية بها..

وأمس ضمنياً عبّر كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، عن هذا الواقع عندما حذر – ولو أنه استخدم أسلوب التهديد – بأن الحرب ستفرض عليه وعلى لبنان أن يذهب بها إلى النهاية..

وبدا واضحاً من مناخ خطاب نصر الله أمس أنه يريد تجنب الغرق في مستنقع مرحلة ما بعد اغتيال العاروري، وأنه تقصّد أن يحذر نتنياهو ضمناً بأن عليه مراجعة حساباته قبل أخذ قرار الذهاب إلى الإمام في المرحلة الجديدة التي افتعلها من خلال إقدامه على اغتيال العاروري..

وحتى واشنطن التي لا تستطيع لأسبابها إدانة اغتيال العاروري الذي وضعت على رأسه جائزة الخمسة ملايين دولار؛ فإنها أبدت تحفظاً في امتداح هذا العمل، ولم تسمه إنجازاً.. ويستفاد من ردود الفعل الأميركية أن إدارة بايدن مع قتل قادة حماس ولكن ليست مع فعل ذلك فوق الساحة اللبنانية. وهنا تبرز نقطة خلاف جوهرية بين نتنياهو من جهة وبين إدارة بايدن من جهة ثانية، حول كيفية تطبيق خطة سوليفان عن المرحلة الثالثة التي توصي إسرائيل بالانتقال من الحرب البرية في غزة إلى الحرب الأمنية في غزة.. وظهر واضحاً من خلال قيامه بخطوة اغتيال العاروري أن نتنياهو يريد تحميل المرحلة الثالثة تفسيراً يقول أنه يعني شن حرب اغتيالات وعمليات تفجير ضد كل المحور الإيراني وليس فقط ضد حماس؛ وبتعبير آخر يريد نتنياهو أن يطلق يدي الموساد، بغطاء ودعم أميركي، لتنفذ تحت شعار أنها تطارد حماس، عمليات أمنية تطال كل المحور الإيراني في كل ساحاته.

ولقد دلل تعليق تل أبيب على اغتيال العاروري على هذا المعنى، وذلك عندما شدد على نقطة أن حرب إسرائيل الأمنية تركز على حماس، وليس على لبنان ولا على حكومة لبنان.. علماً أن عملية اغتيال العاروري بينت أن المرحلة الثالثة كما تفهمها إسرائيل تعني شن حرب أمنية بكل الاتجاهات وفوق كل الساحات.. وبدا واضحاً تمسك إسرائيل بهذا المعنى أكثر أمس من خلال عملية تفجير مرقد قاسم سليماني في كرمان بأقصى جنوب إيران.. وباختصار يمكن القول بثقة أن نتنياهو يريد التستر بيافطة مطاردة حماس والمرحلة الثالثة المدعومة أميركياً وغربياً، ليخوض فعلياً حرباً أمنية شاملة، ضد إيران وضد حزب الله وضد كل أذرع المحور الإيراني فوق كل ساحاته..

.. بالمقابل فإن روحية ما قصده سوليفان بخطة المرحلة الثالثة، هو وقف التوغل البري، ووضع حد لتورط الجيش الإسرائيلي بمصيدةغزة، وبمستنقع قتل المدنيين؛ وإيكال مهمة الحرب على حماس إلى أجهزة المخابرات الغربية، وبينها الشاباك وأمان وغيرهما من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية؛ على أن تكون ساحة هذا الاشتباك هي غزة، وهدفها هو رموز حماس حصراً.. 

وتجدر الاشارة هنا إلى أن نتنياهو يعتبر نفسه أنه أكثر شخصية داخل إسرائيل يستطيع أن ينجح بتطبيق المرحلة الثالثة الأمنية التي تريدها واشنطن، كونه – أي نتنياهو – هو تاريخياً من أنصار المدرسة التي تقول بأن الحرب الأمنية هي أهم وأكثر فائدة وأقل كلفة، من الحرب العسكرية التقليدية.. وبالفعل اشتهر نتنياهو طوال المرحلة التي سبقت طوفان الأقصى بأنه ليس رجل حروب عسكرية بل رجل تصفيات أمنية..

وضمن هذا المناخ الأمني الذي يستحوذ على خطط حرب غزة، يتم اليوم في كل من واشنطن وتل أبيب استذكار معادلة وردت في نقاشات الكنيست الإسرائيلي بمناسبة اغتيال سليماني قبل أربع سنوات، حيث قال أحد النواب الإسرائيليين “أن عملية اغتيال قاسم سليماني تساوي بنتائجها ماية حرب عسكرية تقليدية”..

والواقع أن حرب غزة تدخل بقرار أميركي في هذه اللحظة مرحلة ما بعد الحرب العسكرية، لمصلحة الدخول في مرحلة الحرب الأمنية.. وربما كانت واشنطن تظن أن هذه المرحلة هي أقل خطراً على إسرائيل وعلى مصالحها في المنطقة؛ ولكن بعد فترة غير قصيرة ستكتشف واشنطن أنها بهذا القرار إنما قامت بإشعال نار قابلة للتمدد والانتشار إقليمياً وعالمياً.. فحروب التصفيات والعمليات الأمنية، إنما هي طريق باتجاهين؛ وهي ميدان تحفز طوابير ثالثة ورابعة للدخول على خط هذه اللعبة لتصبح الاغتيالات فرصة لتصفية حسابات تخص صراعات أبعد من غزة ومن الحرب الأمنية على حماس..

Exit mobile version