الهديل

خاص الهديل: نتنياهو أمام خيار وحيد: إرتكاب استفزاز جديد على الجبهة الشمالية مع حزب الله وإيران..

خاص الهديل:

منذ العام ١٩٩٦ حتى اليوم ترأس بنيامين نتنياهو الحكومة الإسرائيلية ست مرات. لم يسبق لشخصية إسرائيلية أن حصلت على هذه المكانة، بما في ذلك “مؤسس الدولة” بن غوريون. وصار يستحق نتنياهو لقب “الملك” وفق تقليد يهودي يخلع هذا اللقب على من يجدد “الشعب اليهودي” ثقته به أكثر من ثلاث مرات. 

اليوم يهتز “العرش” الذي يجلس عليه “بيبي” (وهو اللقب الثاني لنتنياهو بعد لقب “الملك”)؛؛ ومرد ذلك يعود بالأساس – بحسب المفهوم الإسرائيلي – إلى كونه لم يوقف حروبه الأنانية الداخلية الهادفة للحفاظ على كل شيء لنفسه ولسلطته، وذلك في وقت تحتاج فيه إسرائيل لأن تحصل منه على التضحية بكل شيء لإبعاد الخطر عنها.

ولكن “بيبي” كعادته يحاول أن ينجو بنفسه من خلال جعل كل الصورة من حوله أكثر تعقيداً؛ وأشد اهتراء من حالته.. وما حدث منذ ٧ أكتوبر حتى الآن، هو أن نتنياهو احضر المعارضة الإسرائيلية له، المدعومة من بايدن (غانتس وغادي ايزنكوت) إلى كابينيت الحرب حتى تشاركه بخسارة حرب طوفان الأقصى. واليوم يصارع غانتس من أجل الخروج من كابينيت الحرب؛ ولكن نتنياهو يحرمه من اللحظة المناسبة لفعل ذلك.. ويستطيع غانتس أن يتأكد الآن أنه دخل إلى كابينيت الحرب كبطل قومي لينقذ إسرائيل، وهو الآن يقف عند باب الخروج منه، وهو جنرال يستعد لنزع الرتب العسكرية عن كتفيه.

وأخطر تقدير يمكن تداوله داخل إسرائيل اليوم، هو ذاك الذي يرى أن نتنياهو لم يسع طوال الأشهر الثلاثة الماضية، التي هي عمر حرب طوفان الأقصى، إلى ربح الحرب على حماس وغزة؛ فهو قرأ إريك شارون جيداً الذي أوصى بإدارة الظهر لغزة؛ وهو تمعن بهدؤ بنظريات إسحق رابين عن غزة التي تمنى أن يبتلعها البحر.. وعليه فهو ترك ايزنكوت وغانتس يصدقان أنه يسير معهما في خطة اجتثاث غزة وحماس؛ فيما نتنياهو كان يسير وراء تحقيق خطته القديمة الجديدة، وهي تطوير الحرب في غزة، وتفعيل التعاطف الدولي بعد يوم ٧ أكتوبر مع إسرائيل، باتجاه إنضاج لحظة اندلاع الصدام الأميركي الإيراني الكبير. 

لا يزال نتنياهو يعتقد بقوة أن الحرب الإستراتيجية التي تحتاجها إسرائيل، هي الحرب الأميركية الشاملة ضد إيران، وذلك على نحو يكرر من حيث نتائج حرب أميركا على العراق التي انتهت بتفكيك الجبهة الشمالية العربية مع إسرائيل، وبضرب القوة العربية العراقية المركزية في المشرق، وفي الخليج، وفي الإقليم التركي والإيراني المجاور..

وفي ربع الساعة الأخيرة قبل أن ينفذ وقت الحرب الإسرائيلية على غزة بحسب توقيت بايدن، لا يزال أمام نتنياهو فرصة أخيرة وباباً وحيداً يستطيع الخروج منه من الجحيم الذي ينتظره، وهو جر قدم بايدن لحرب إقليمية مع إيران..

أكثر التوقعات تراهن على أن نتنياهو سيحاول الوصول إلى مبتغاه هذا من خلال القيام باستفزاز آخر للجبهة الشرقية، إضافة لذاك الذي قام به مؤخراً (اغتيال العاروري في قلب بيروت)؛ وبنفس الوقت يعرف نتنياهو مدى صعوبة تحقيق هدفه الاستراتيجي هذا؛ ذلك أنه لا بايدن لديه مصلحة حقيقية بشن حرب على طهران، ولا إيران لديها مصلحة حقيقية بالصدام العسكري مع أميركا. فما اكتشفه نتنياهو بعد التجربة، هو أمر جوهري – ولكنه يصر على عدم الاعتراف به أو الاستسلام له – هو ان تجنب أميركا وإيران الصدام بينهما، لم يكن سببه أنهما يتحاشيان أهوال الحرب، بل كونهما يجدان مصلحة لهما به، وأن مصلحتهما تكمن باستمرار النزاع بينهما تحت سقف عدم الحرب. إن ثلاثة أرباع نفوذ إيران الناعم في الشرق الأوسط يقوم على نظريتها ضد من تسميه في إعلامها “بالشيطان الأكبر “(أي أميركا)، فيما ثلاثة أرباع حاجة العرب لأميركا صنعها نتنياهو وواشنطن من خلال إشاعة فكرة وجود حاجة لدى العرب المعتدلين لحماية أميركا وإسرائيل لهم من إيران..

يشعر نتنياهو حالياً – وهنا مأزقه – أنه أصبح من دون استراتيجية تناسب موقعه كآخر ملوك إسرائيل؛ فحرب غزة تشرف على الإنتهاء؛ ولأول مرة لم يستطع نتنياهو أن ينتصر على خصومه الإسرائيليين في الداخل؛ بل جل ما نجح في فعله، هو أنه جعلهم جميعهم مثله، مهزومين..

.. وخارجياً يستعد نتنياهو للوقوف أمام حقيقة أن كابينيت الحرب الذي يقوده، تحول بظرف ٩٠ يوماً، في نظر العالم، من مدافع عن “الضحية اليهودي” في ٧ أكتوبر، إلى مجرم حرب تمت إحالة ملفات إدانته إلى محكمة لاهاي الدولية لجرائم الحرب.

وبات واضحاً أن السؤال الحقيقي الذي يواجه الموقف المعقد الراهن في المنطقة، لم يعد عن ماذا عن اليوم التالي في غزة بعد توقف الحرب؟؟ بل أصبح ماذا في اليوم التالي داخل إسرائيل بعد توقف الحرب؟؟. 

واستدراكاً فإن السؤال الاستراتيجي لم يعد ماذا عن حماس في غزة بعد توقف الحرب، بل أصبح ماذا عن مصير “مملكة نتنياهو” داخل إسرائيل بعد توقف الحرب؟؟.

وأبعد من ذلك فإن السؤال الوجودي الاستراتيجي، لم يعد عن حماس في غزة، بل عن مشروع الدولة الإسرائيلية في فلسطين.. ربما ليس المقصود هنا زوال “الدولة العبرية”، بل أقله أو تحديداً “نوعية الدولة الإسرائيلية” المطلوبة حتى من منظار الغرب، والأهم من ذلك “توعية الدولة الإسرائيلية” القادرة على الإستمرار ضمن متغيرات ما بعد طوفان المنطقة، وليس فقط طوفان الأقصى؟؟.

Exit mobile version