خاص الهديل:
مع وصول وزير الخارجية الأميركي بلينكن إلى المنطقة، تزداد التسريبات الأميركية والإسرائيلية عن احتمال أن يقوم بنيامين نتنياهو بتوسيع الحرب عبر تصعيد المواجهة على الجبهة الشمالية لتتحول إلى حرب شاملة ومفتوحة.
الكثيرون من المراقبين يعتبرون أن زيارة بلينكن الراهنة، تحمل اهتماماً كبيراً لإحتواء الوضع على الجبهة الشمالية، وذلك على نحو يضاهي، اهتمامها باحتواء الوضع في البحر الأحمر وفي الضفة الغربية.
ويبدو واضحاً هذه المرة أن بلينكن اختار ترتيباً للدول التي قرر زيارتها خلال جولته الحالية، يوحي بأن إدارة بايدن قررت إعطاء بُعد إقليمي لمسعاها الهادف لإنهاء حرب غزة وحصر تداعياتها؛ بمعنى آخر فإن بلينكن يزور تركيا كي يبحث معها معطى التدخل مع إيران كي تسهم الأخيرة أكثر في منع توسع تداعيات الحرب سواء على جبهة العراق مع القواعد الأميركية، أو على جبهة لبنان بين حزب الله وإسرائيل أو على جبهة البحر الأحمر مع الحوثيين.. كما تنظر واشنطن لزيارة بلينكن إلى قطر على أن الدوحة تستطيع ممارسة ضغط على حماس كي تتقبل أفكار واشنطن حول ما يجب أن يكون عليه اليوم التالي في غزة بعد توقف الحرب؛ وأيضاً كي تساعد قطر مع أنقرة بالضغط على حماس كي تتساهل بموضوع إطلاق المحتجزين.. فيما زيارة بلينكن إلى الأردن، تهدف إلى إعادة إحياء “الدور الهاشمي” في الضفة الغربية، وذلك ضمن إطار المساعدة على إنتاج حيثية فلسطينية جديدة تستطيع أن تدير الإدارة المدنية الفلسطينية في الضفة وغزة، وتستطيع تالياً الجلوس على طاولة التسوية النهائية..
.. بعد كل هذا السعي الأميركي الإقليمي، يحط بلينكن في كل من رام الله وتل أبيب، حيث سيبحث مع أبو مازن الوضع الفلسطيني كون واشنطن لا تزال سياسياً لغاية الآن، تعتبر سلطة أبو مازن هي المرجعية الوطنية الفلسطينية رغم معارضة نتنياهو لها، ورغم أن حماس تتحدث عن مرجعية الفصائل الفلسطينية مجتمعة.. أما في تل أبيب فإن بلينكن سوف يناقش مع كابينيت الحرب ملف إلى أين وصلت المرحلة الثانية من خطة الحرب على غزة، ومتى يجب إعلان البدء رسمياً بالمرحلة الثالثة التي يجب أن تتضمن من – وجهة نظر واشنطن – توقف التوغل البري، واستبداله بالتوغلات الأمنية التي لها هدفان إثنان مترابطان: ١- ملاحقة حماس في الأنفاق أو حبسها داخلها؛ ٢- عدم السماح لحماس بالخروج من الأنفاق إلى فوق الأرض. والغاية من هذه الإستراتيجية، هي تدمير قدرة حماس على حكم غزة !!
.. ولكن تحقيق هذا الهدف يعوزه نقاش مئات التفاصيل اللوجستية المتصلة بكيفية تنفيذ هذه الخطة عملياً؛ بمعنى آخر كيف سيعيد الجيش الإسرائيلي إنتشاره في غزة: هل سيكون عليه الانسحاب إلى ما وراء السياج(؟؟)؛ أم سيكون عليه إعلان اقتطاع الحزام الأمني، والسيطرة من جهة الحدود مع مصر، على خط فيلادلفيا(؟؟)؛ وهل سيكون على تل أبيب إعلان وقف النار مع الاحتفاظ “بحقها” في التحرك من مواقع انسحابها الجديدة لضرب حماس كلما تحركت فوق الأرض في غزة(؟؟).. ثم ماذا عن مصير الأسرى ضمن هذه الخطة؛ وماذا عن مصير النازحين الإسرائيليين من مستوطنات غلاف غزة(؟؟).
والواقع أن كل هذه التفاصيل ذات الصلة بالمرحلة الثالثة لم يتم بلورتها حتى الآن؛ وأحد الصحفيين الإسرائيليين كتب يقول “أن هناك أفكاراً كثيرة جداً حول ما يجب عمله؛ ولكن كل هذه الأفكار لا تؤدي إلى تجميع بنود خطة عملية واحدة قابلة للتنفيذ”!!
وليس واضحاً بعد، ما إذا كانت زيارة بلينكن، ستنتهي كما سابقاتها، على عدم حسم موضوع الانتقال من المرحلة الثانية إلى المرحلة الثالثة؛ وبالتالي يبقى الكابينيت يراوح داخل أنه يقيم في “البرزخ” بين مرحلتين، الأولى هي المرحلة الثانية التي لا يريد نتنياهو مغادرتها قبل حصوله على ضمانات لمستقبله من بايدن؛ والثانية هي المرحلة الثالثة التي يريد بايدن دفع إسرائيل لدخولها، ليبدأ مسار وقف النار وإنزال الجيش الإسرائيلي عن شجرة غزة، وأيضاً وبنفس الوقت مسار محاسبة نتنياهو..
والواقع أن بقاء كابينت الحرب عالق داخل عدم القدرة على الانتقال من المرحلة الثانية للمرحلة الثالثة، يجعل حرب إسرائيل في غزة تنتقل من كونها تنفذ خطة هجومية إلى كونها تعيش “مرحلة انتظارية”، وذلك بإنتظار حصول تطور سياسي أو عسكري ما، ليس من داخل الخطة الإسرائيلية ولا من داخل جدول الأعمال الأميركي..
وهذا الواقع الانتظاري للحرب في غزة، هو ما يتم تسميته في إسرائيل بفشل التوصل لحصد إنجاز عسكري يمكن صرفه سياسياً لصالح إعلان تل أبيب أنها انتصرت في هذه الحرب. ومشكلة الكابينيت اليوم لا تكمن فقط في أنه عالق داخل معادلة نتنياهو الباحث عن ضمانات لنفسه؛ بل أيضاً في أن اليمين الصهيوني لا يزال قادراً عبر نتنياهو أن يفرض على واشنطن عدم تحريك الميدان باتجاه المرحلة الثالثة إلا في حال قبل بايدن برؤيته لليوم التالي لغزة بعد وقف الحرب؛ أي فتح باب تهجير غزة وليس إعادة إعمار غزة؛ وفتح باب تهجير الضفة الغربية وليس بناء دولة للفلسطينيين في الضفة الغربية..
أما بخصوص لبنان فإن اليمين الصهيوني الذي يمثله نتنياهو يريد المضي في مسارين إثنين: الأول ما يسميه حالياً بالدفاع الهجومي؛ وهي مرحلة ستستمر لغاية توقف النار في حرب غزة؛ والمسار الثاني هو تطبيق القرار ١٧٠١ من جانب لبنان فقط؛ وإلا فسيكون المطلوب شن عملية عسكرية تؤدي إلى تدمير لبنان، وإلى إعادة بناء الشريط الحدودي الإسرائيلي في جنوب لبنان.