خاص الهديل:
أنهى ليلة أمس بلينكن زيارته إلى تل أبيب؛ وهي محطته الأهم من بين كل الدول التي زارها في إطار جولته على المنطقة التي هي الخامسة منذ ٧ أكتوبر.
داخل الوسط الفلسطيني كان هناك سؤال رافق زيارة بلينكن؛ وهو عما إذا كان بلينكن يصل هذه المرة إلى المنطقة بصفته وزيراً لخارجية الولايات المتحدة الأميركية، أم أنه كما في المرات الأربعة السابقة، سيزور المنطقة بصفته ممثلاً للموقف الإسرائيلي..
الكلام الذي سمعه بلينكن في المنطقة وسمعه في رام الله، هو أن أحداً لا يمكنه أن يصدق واشنطن حينما تقول أنها تريد تخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين وبنفس الوقت تضع الفيتو بوجه رغبة العالم بإصدار قرار بوقف النار الإسرائيلية في حرب غزة. والسؤال الذي وجهته المنطقة لبلينكن هو كيف يمكن فهم أن واشنطن تريد فعلياً عدم توسع الحرب، وفي الوقت نفسه تترك نتنياهو حراً في متابعة صب الزيت على كل نواحي تثوير الوضع في الشرق الأوسط.
وبكل حال فإن العرب وبالتحديد الفلسطينيين كانوا ينتظرون أمرين إثنين من بلينكن خلال زيارته لم يفعلهما: الأول أن يكون فعلياً وزير خارجية أميركا وليس ممثل إسرائيل وموقفها ومجهودها الحربي ضد غزة. والثاني هو أن يقول بلينكن لنتنياهو ما يقوله للعرب بخصوص أن إدارة بايدن لديها إرادة بوقف الحرب في غزة..
النتيجة العملية الوحيدة التي نتجت عن زيارة بلينكن للمنطقة هو إقناع إسرائيل بقبول وصول بعثة أممية إنسانية إلى قطاع غزة لتقصي الوضع فيه!! وليس معروفاً ما الذي ستفعله هذه البعثة في ظل استمرار الحرب؛ حيث أن مثل هذه الإجراءات تتخذ بعد وقف النار وتثبيته.. ولكن واضح أن بلينكن أراد أن لا يبدو أنه لا يأخذ شيئاً من تل أبيب؛ فلذلك تم إعطائه هدية “البعثة الأممية”.
ولكن بالعمق صار واضحاً أن بلينكن جاء إلى المنطقة لتحقيق ثلاثة أهداف: الأول هو حماية استمرار الحرب الإسرائيلية ضد غزة؛ وذلك عبر الإيحاء بأن هذه الحرب دخلت أسلوباً جديداً يستمر بتدمير غزة، ولكنه يخفض عدد القتلى الغزاويين قدر الإمكان (!!).. واضح بجلاء أن إدارة بايدن تشتري الوقت الدولي لإسرائيل، كي تكمل بأقل نسبة من الإدانة العالمية، حرب إبادة غزة.. وعليه فإن السؤال الأساس، بعد زيارة بايدن، يظل هو ذاته كما كان مطروحاً قبلها: ماذا تريد واشنطن من هذه الحرب الدموية؟؟ ولماذا تصر على تغطية استمرار الحرب الإسرائيلية رغم معارضة كل العالم؟؟.
إن أقرب إجابة عن هذا السؤال اللغز هو ما قاله كيسنجر ذات مرة عن أن الولايات المتحدة الأميركية لا تملك سياسة أميركية في الشرق الأوسط، بل تملك سياسة إسرائيلية في الشرق الأوسط!!.
إن الاستنتاج أن إدارة بايدن لأسباب إنتخابية أميركية لا تستطيع الضغط على حكومة نتنياهو كي توقف الحرب؛ هو استنتاج لم يعد له أي مستمسك منطقي يبرره؛ والصحيح أن أميركا تقود حرباً عالمية على غزة متخذة من شعار ضرورة القضاء على حماس (التي يجري تشبيهها في الخطاب الرسمي الغربي على أنها داعش فلسطينية) يافطة تستر وراءها أهدافها الحقيقية!!.
الهدف الثاني لزيارة بلينكن هو الدفع قدماً ليس بمشروع إيقاف الحوثيين عن تحركاتهم في البحر الأحمر، بل استغلال هذا التحرك الحوثي من أجل عسكرة البحر الأحمر تحت قيادة الأساطيل الأميركية؛ وهذا ما يبرر لماذا ذهبت واشنطن إلى مجلس الأمن كي تطلب منه شرعنة تحركها العسكري في البحر الأحمر؛ علماً أن أميركا التي يتواجد أكبر أساطيلها هناك، ليست بحاجة، لا لوجستياً ولا سياسياً، لغطاء أممي شرعي.
الهدف الثالث لبلينكن هو منع توسع الحرب؛ بمعنى إبقائها حالياً ضمن معادلة التفرغ الإسرائيلي الأميركي لإبادة غزة!!.. وبكلام أكثر دقة، منع توسع النتائج السياسية الإستراتيجية في المنطقة المناهضة لحرب إسرائيل على غزة؛ ومن هنا كان حرص بلينكن خلال جولته على أن يطلب من السعودية إبقاء قرار تطبيع علاقاتها مع إسرائيل فوق الطاولة.
والآن ماذا بعد فشل جولة بلينكن الى المنطقة؟ وماذا بعد أن قامت إدارة بايدن عبر جولة ناظر خارجيتها الخامسة، بمناورة توغل دبلوماسي لحماية مناورة التوغل البري الإسرائيلي في غزة المستمرة منذ أكثر من شهرين.
هناك احتمالان إثنان قد تذهب المنطقة باتجاه واحد منهما:
الإحتمال الأول هو أن تقوم الدول الإقليمية الوسيطة بإعادة تحريك مبادرة جديدة، هدفها وقف الحرب عبر “سياق زمني متمرحل”.. ومشكلة هذا النوع من المقترحات أن حماس لا تقبله، لأنها لا تثق بإلتزام إسرائيل بوقف النار بعد حصولها على ورقة الرهائن..
الاحتمال الثاني أن تستمر الحرب بنفس وتيرة الإجرام الإسرائيلي، ولكن بعد إجراء عملية ماكياج كاذب لوجه حرب إسرائيل على غزة؛ والمقصود هنا “عملية الماكياج” أو “عملية التجميل” التي يطلق عليها تسمية “المرحلة الثالثة”.