الهديل

خاص الهديل:قصة زيارة هوكشتاين: تعطيل “سيناريو إسرائيلي بشن حرب شاملة لأيام قليلة على لبنان”!!.

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

ترك آموس هوكشتاين مجموعة انطباعات عن نتائج زيارته للبنان، ولم يترك نتيجة مقرؤة.. الانطباع الذي استنتجه لبنان الرسمي هو ان هوكشتاين جاء ليقول للحكومة اللبنانية “إمسكوا حزب الله” حتى يمتنع عن توسيع الحرب. 

.. بينما يسود داخل أوساط محور حزب الله، انطباع بأن هوكشتاين تقصد أن لا يقدم مقترحات محددة لتبريد الجبهة بين حزب الله وإسرائيل، لعلمه المسبق أنه لو قدم أي مقترح، وقام أحد جانبي مواجهات جبهة الشمال برفضه، فإن ذلك سيزيد التوتر العسكري بينهما بدل احتوائه..

وحسب معلومات فإن هوكشتاين عشية سفره إلى كل من لبنان وإسرائيل، كان أمامه خيارين إثنين حاول أن يفاضل بينهما؛ الأول يدعوه لتأجيل زيارته نظراً لأن الوقت ليس مناسباً لطرح أي حل، نظراً لأن حزب الله يرفض أي نقاش حول الحدود البرية والقرار ١٧٠١ طالما أن الحرب في غزة لم تتوقف.. وعليه قرر هوكشتاين أن يستبدل فكرة زيارته للبنان، بتطيير رسائل لحزب الله عبر أصدقاء مشتركين يحذر فيها من جهة من خطورة الانزلاق إلى حرب شاملة، ويقدم فيها من جهة ثانية اقتراحات أولية بخصوص حل نقاط التحفظ اللبناني على الخط الأزر، و”حل مؤقت وانتقالي لمزارع شبعا” (إحلال قوات أمم متحدة فيها)، و”انسحاب إسرائيلي من الجزء اللبناني من قرية الغجر” و”الافراح عن غاز البلوك ٩ و١٠”.. كل ذلك بمقابل موافقة حزب الله على ترتيبات على الجانب اللبناني من الحدود مع فلسطين المحتلة، تطبيقاً للقرار ١٧٠١..

وبالفعل حمل وسيط أو أكثر خلال الشهر الماضي هذه الرسائل/المقترحات من هوكشتاين إلى أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الذي كان موقفه منها هو التالي: عدم إعلان قبول أو رفض هذه المقترحات؛ والتأكيد على أن الحزب في هذه المرحلة مستعد لسماع الاقتراحات الأميركية، ولكنه يرفض من جانبه أن يدخل بأي نقاش حولها قبل سريان وقف نار شامل للحرب في غزة. 

ومع حدث اغتيال العاروري وتعاظم خروج المواجهات عن حدود ميدان ال٥ كلم، وجد هوكشتاين أن خيار الاستعاضة عن زيارة إسرائيل ولبنان بإيصال الرسائل للحزب، أصبح غير كاف كضمانة لعدم توسع الحرب بين الطرفين، خاصة في ظل تعاظم المؤشرات التي توحي بأن نتنياهو بدأ عملياً يدفع أحداث المواجهة العسكرية مع لبنان إلى عتبة الانزلاق لحرب.. وكان بلغ خطر اقتراب إسرائيل من خيار الذهاب لحرب مع لبنان، ذروته حينما حدث فجأة، ونتيجة لضغط مستوطني الخط الحدودي الشمالي؛ توحداً بين أعضاء كابينيت الحرب على فكرة الذهاب لخيار الحرب مع لبنان.. حدث ذلك تحديداً، حينما أصبح عضو الكابينت غانتس يحمل نفس فكرة غالانت ونتنياهو بخصوص أن خيار الحرب مع لبنان بات حتمياً، ولم يعد هناك متسع من الوقت لتجريب الحل الدبلوماسي الذي تتحدث عنه إدارة بايدن.

وتحت ضغط ما سمي بالأخطار الطارئة الآتية من داخل كابينيت الحرب، قرر هوكشتاين السير بالخيار الثاني، وهو السفر على وجه السرعة إلى كل من إسرائيل ولبنان.. وكان عليه في هذه الزيارة أن يبذل الجهد الرئيس مع تل أبيب، في حين أنه اكتفى في بيروت بإيصال الأفكار التالي: الأولى “إمسكوا حزب الله”؛ والثانية أن إدارة بايدن تستطيع الانتظار إلى ما بعد توقف حرب غزة لتتلقى رد الحزب على مقترحات هوكشتاين التي أرسلها لحارة حريك بالواسطة، خاصة وأن ما قاله نصر الله في خطابه الأخير عن أنه “توجد فرصة تاريخية للبنان كي يستعيد أرضه”، تم اعتباره إشارة منه إلى وجود موافقة مؤجلة.. والثالثة أن ما يهم واشنطن راهناًَ هو أنه حتى وقت وقف حرب غزة، يجب الحفاظ على قواعد عدم إيصال المواجهات في الجنوب إلى حالة حرب شاملة..

في تقويم نتائج زيارته للبنان؛ يوجد استنتاجين إثنين سادا الوسط السياسي؛ يقول الأول أن هوكشتاين كما بلينكن يلتزمان بالحرف في هذه المرحلة بعناوين مبدأ مقاربة بايدن للحرب في غزة؛ وهي تقوم على نقطتين: ١- عدم الموافقة على وقف النار في غزة قبل التأكد من أن حماس لن تكون السلطة في القطاع في اليوم التالي للحرب؛ ٢- عدم توسيع الحرب خشية أن تصبح إقليمية ويؤدي ذلك لإدخال إدارة بايدن في مصيدة جعلها تخوض حرباً معقدة في زمن الإنتخابات؛ وعليه فإن هوكشتاين جاء إلى لبنان ليتحرك تحت البند الثاني من مبدأ بايدن؛ أي العمل على عدم توسع حرب غزة، ومنع نشوء وضع يتم فيه إدخال حظوظ بايدن الرئاسية في مصيدة دفعه لخوض حرب في زمن المعركة الإنتخابية الرئاسية الأميركية.. 

..وفي إدارة بايدن والبنتاغون توجد معطيات كافية تؤكد أنه لا إيران ولا حزب الله يريدان توسيع الحرب؛ ولكن بالمقابل لا يوجد إطمئنان كامل لنوايا نتنياهو؛ ومؤخراً لم يعد هناك اطمئنان حتى لنوايا غانتس حليف واشنطن داخل كابينيت الحرب الإسرائيلي.. والسبب الأساس الذي جعل الكابينيت يتوحد وراء فكرة استحسان الحرب على لبنان، يعود إلى حجم الضغط الثقيل الذي يمارسه على كابينيت الحرب نحو ماية ألف مستوطن إسرائيلي تركوا منذ 8 أكتوبر مستوطناتهم الحدودية في الشمال، وهم حالياً يقيمون في فنادق وسط إسرائيل؛ ومؤخراً تفاقمت المشكلة بعد أن أصبح مطروحاً لأسباب اقتصادية أن ينتقل هؤلاء المستوطنون، في حال طال أمد تهجيرهم أكثر كما هو متوقع، للإقامة في نوع من المخيمات أو التجمعات، وحينها سينطبق عليهم توصيف أنهم نازحون حقيقيون؛ الأمر الذي سيحول أزمة مستوطني الشمال إلى ورقة ضغط، تضاهي من حيث نتائحها الضاغطة على الكابينيت، ورقة ضغط أهالي الأسرى الإسرائيليين في غزة.. وللحؤول دون تفجر هذه الأزمة، تم التوافق المبدئي داخل كابينيت الحرب على سيناريو يوصي بأن تشن إسرائيل “حرباً شاملة محدودة لأيام” على لبنان، تجذب في إثرها وساطة دولية أميركية تسعى إلى تحقيق هدفين أساسيين: أولاً- وقف النار على الجبهة الشمالية من دون ربط ذلك بوقف النار على جبهة غزة؛ أي فرض فصل ملف الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية عن مسار وضع الحرب في غزة، وبالتالي إعادة مستوطني الخط الحدودي الشمالي إلى مستوطناتهم..

الهدف الثاني عودة الوضع على المستوى اللبناني الإسرائيلي إلى نقطة ما بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بدل البقاء داخل محطة تداعيات ٧ أكتوبر.. 

وفي هذا المجال تلفت مصادر إلى المعنى الكامن وراء أن إدارة بايدن رغم امتداد حرب غزة – ولو على نحو غير شامل – الى الجبهة الشمالية، إلا أنها لا تزال ترفض نقل ملف المسار اللبناني الإسرائيلي إلى بلينكن الذي يتابع ملف حرب غزة بكل تداعياتها؛ وبدل ذلك تصر إدارة بايدن على إبقاء كل ما له علاقة بملف لبنان وإسرائيل بعهدة هوكشتاين؛ و يعود ذلك إلى إصرار الإدارة الديموقراطية على الحفاظ على صورة ما تعتبره إنجازها الأهم خلال ولايتها، وهو اتفاق كاريش الذي ترمز له أميركياً مساعي هوكشتاين.. وبحسب خطة بايدن كان يفترض أن يلي إنجاز كاريش إنجاز ثان له نفس الأهمية لصورة إدارته، وهو التطبيع السعودي الإسرائيلي الذي قطعت مساره عملية ٧ أكتوبر.. 

وبهذا المعنى فإن زيارة هوكشتاين الأخيرة حاولت الحفاظ على موقع اتفاق كاريش كنقطة بداية لاستكمال الحلول بين لبنان وإسرائيل بعد توقف حرب غزة؛ تماماً كما حاول بلينكن في زيارته الأخيرة للسعودية الحفاظ على موقع وساطة إدارة بايدن للتطبيع بين تل أبيب والرياض، لتكون كنقطة بداية لترميم استقرار المنطقة بعد إنتهاء حرب غزة..  

والواقع أن أحد أسباب تشدد بايدن بعدم الموافقة على وقف الحرب في غزة حتى الاقتصاص الكامل من خطوة حماس في ٧ أكتوبر، هو اعتقاده الراسخ أن الجهة التي خططت لعملية طوفان الأقصى أرادت تحقيق هدف استراتيجي، وهو حرمان بايدن من أن يحصل قبل انتهاء ولايته، على صورة رعاية توقيع اتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي.. 

.. زد على ذلك اعتقاد إدارة بايدن أن مصممي عملية ٧ أكتوبر أرادوا الرد على حرب أميركا في أوكرانيا بإشغال بايدن بحروب متدحرجة في الشرق الأوسط تغتال الإنجازين الخارجين الأهم والوحيدين في عهده وهما اتفاق كاريش المنجز والتطبيع الإسرائيلي السعودي قيد الإعداد.

وواقع أن إدارة بايدن تعيش حساسية عالية للإستجابة لأية إشارات لها صلة بهذين الخطرين، كان لافتاً أن قبيل تصميم هوكشتاين على المجيء إلى المنطقة ليشارك بنفسه بتبريد الجبهة الشمالية، كانت تسربت معلومة تفيد بأن مسيرات مصدرها المقاومة الإسلامية في العراق تم اعتراضها وهي في طريقها لاستهداف حقل كاريش!!..

في إسرائيل استمع هوكشتاين للجيل الجديد من مشاكل إسرائيل التي ولدت ما بعد ٧ أكتوبر، وشارك في نقاش استراتيجي يدور حولها رغم ظرف الحرب. ولكنه ضمن إطار مهمته نقل هوكشتاين لنتنياهو رسالة واضحة من بايدن جاء فيها أنه في حال هاجم حزب الله حدود إسرائيل، فإن أميركا ستقاتل معك ضد حزب الله، ولكن إذا شنت إسرائيل حرباً على لبنان فإن واشنطن ستكون ضدك…

يبقى القول أن ما يحرك مقاربة بايدن تجاه حرب غزة وتداعياتها المختلفة هو أمر أساسي، مفاده أن مخططي ٧ أكتوبر يريدون إسقاطه في الانتخابات الرئاسية وإشعال النار بأهم إنجازين حققهما خلال ولايته (اتفاق كاريش المحقق واتفاق التطبيع قيد الإعداد بين إسرائيل والسعودية)؛ ويلاحظ أن هذا التحليل الموجود داخل إدارة بايدن، كان هو المسؤول عن بروز سردية في الأيام الأولى بعد حصول عملية ٧ أكتوبر، ذهبت لتحميل روسيا المسؤولية عن أنها وراء عملية حماس في ٧ أكتوبر، ونأت عن تحميل إيران المسؤولية!!..

Exit mobile version