الهديل

خاص الهديل: … عن اليوم اللبناني التالي لحرب غزة: إنهاء الشغور الرئاسي…!!

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

يردد اللبنانيون في هذه المرحلة عن ظهر قلب؛ مقولة معممة داخل الوسط السياسي، مفادها “أن استحقاق إنهاء الشغور الرئاسي مؤجل إلى ما بعد انتهاء حرب غزة”..

ورغم التسليم المطلق بهذه المقولة، إلا أنه واقعياً ليس هناك أي مستند منطقي يبررها أو يؤكد صحتها، بل هناك الكثير من الدلائل المعاشة التي تنقضها وتنفي صحتها؛ وكمثال على ذلك أنه قبل ٧ أكتوبر لم يكن هناك حرب في غزة؛ ولم يكن هناك ظروف داخلية متأثرة بوجود حرب على الحدود؛ ومع ذلك لم يتم حينها إنهاء الشغور الرئاسي ولم يصار لانتخاب فخامة الرئيس العتيد… أضف أن التجارب اللبنانية السابقة تجعل أحداً في لبنان لا يمكنه أن يضمن أنه بعد وقف النار في غزة سيكون هناك إمكانية حتمية لانتخاب فخامة الرئيس..

وما يمكن توقعه بعد حرب غزة، هو أن يحافظ النقاش الداخلي حول انتخاب رئيس الجمهورية، على نفس العناوين التي كان عليها قبل حرب غزة؛ فالثنائي الشيعي بعد وقف النار في غزة سيثابر على تمسكه بترشيح سليمان فرنجية؛ وسيثابر على ترديد نفس السبب الذي يحدوه لذلك، وهو “أنه لا يطعن المقاومة في الظهر”.. بمقابله، فإن القوى المناهضة لفرنجية لن يكون لديها بعد حرب غزة أوراق جديدة تضيفها على ترسانتها في معركة الرئاسة؛ فهي ليس لديها جنود على الجبهة، وكل الكلام عن أن بايدن في حال انتصر على حماس سيجير نصره هذا، لصالح زيادة الأوراق الناخبة لجهاد أزعور؛ هو أشبه بفصل من مسرحيات شوشو الكوميدية..

إن القائلين بحتمية ارتباط استحقاق رئاسة الجمهورية بالوضع الإقليمي والدولي – هؤلاء هم أغلبية اللبنانيين – يفعلون ذلك لعدة أسباب مرتبطة بثلاثة موروثات نمطية في التفكير تنتمي لسلالات ما يعرف بالأخطاء الشائعة: 

الأمر الأول هو تاريخية ارتباط انتخاب فخامة الرئيس بما يسمى بانتظار “التعليمة الخارجية”… وهذا أمر طالما حصل ويحفظ اللبنانيون مئات الأمثلة والوقائع حوله. ولكن هناك “خطأ شائع” عالق بهذا “الأمر الصحيح” الذي طالما حصل عند كل استحقاق رئاسي في لبنان؛ ومفاد هذا الخطأ الشائع هو وجود “اعتقاد نمطي” بأن العالم هو من يأتي إلى لبنان ليفرض على اللبنانيين إسم فخامة الرئيس، بينما الحقيقة هي أن اللبنانيين هم الذين يذهبون إلى الخارج لجذبه للتدخل بالاستحقاق الرئاسي، وبالأساس لجذبه لحل خلافاتهم؛ وبشكل أدق لجذبه لدفع ثمن تصالحهم على انتخاب رئيس.

والنقطة الجوهرية هنا تقع في أن عدم اتفاق الداخل هو الذي ينتج تدخل الخارج، وليس العكس..

الأمر الثاني يتمثل بأنه مضى على لبنان أكثر من عام من دون انتخاب رئيس جمهورية؛ والسؤال هنا هو لماذا لم يتدخل الخارج لحل هذا الملف، إذا كان صحيحاً فعلياً أن استحقاق رئاسة الجمهورية هو مهمة خارجية من أولها لآخرها، وإذا كان صحيحاً أن الداخل ليس إلا متلق أخرس لما يقوله الخارج على هذا الصعيد.

والواقع أن أعمال اللجنة الخماسية الدولية من أجل لبنان تظهر حقيقة علاقة الخارج باستحقاق انتخاب فخامة الرئيس؛ فبينما اللبنانيون يعتقدون أن انتخاب الرئيس يحصل في قاعة اجتماعات اللجنة الخماسية في باريس أو نيويورك، الخ..؛ وليس في البرلمان بساحة النجمة وسط بيروت؛ فإن العالم في اللجنة الخماسية يرى أن الحل للرئاسة اللبنانية يصبح أصعب إذا كانت طبخته دولية من الحل الذي سيكون أسهل إذا كانت طبخته محلية؛ ذلك أن تفاهم العالم على أي تفصيل يكون بحاجة لانتظار ظرف دولي مناسب؛ ومثل هذه الظروف المؤاتية دولياً تحدث مرة كل عقد وليس كل سنة أو كل عدة أشهر..

والخطأ الشائع الثاني بخصوص علاقة الخارج باستحقاق فخامة الرئيس العتيد يتصل بالكلام عن أن اللجنة الخماسية منقسمة لأن كل طرف فيها يؤيد إسم مرشح للرئاسة؛ فيما الواقع أن الخلاف بين دول الخماسية هو على مدى التورط المطلوب بلبنان، فعدا باريس التي ترغب بتدخل عميق في لبنان؛ فإن الدول الأخرى في الخماسية منقسمة بين فكرة أن يكون تدخلها غير عميق في الاستحقاق الرئاسي بحيث تطرح مصطلح أن تلعب دور “المسهل” لانتاج هذا الاستحقاق؛ وبين فكرة أن لا تتدخل أبداً أو أن تتدخل بشروط..

وبالعودة إلى الخطأ الشائع الثالث القائل بأن هناك صلة بين اليوم التالي في غزة الذي يتحدث عنه بايدن وزعماء المنطقة؛ وبين انتخاب فخامة الرئيس الذي يتحدث عنه ساسة لبنانيون؛ فإن اللافت أن أصحاب هذا الربط يقدمون لإثباته دلائل مسطحة ويعوزها المنطق؛ ويفوت هؤلاء جملة حقائق سياسية بينها أن اليوم التالي في غزة الذي يشغل بال العالم؛ له علاقة بجدلية كيفية بدء مسار حل الدولتين بعد توقف حرب غزة، وليس له أية صلة بجدلية كيفية إنهاء الخلاف بين بقايا ٨ آذار وبقايا ١٤ آذار بعد توقف حرب غزة..

.. ويفوت هؤلاء أيضاً أن اليوم التالي في غزة هو مصطلح مقصود فيه أميركياً، “ما بعد نتنياهو” وما “بعد حماس”؛ وليس المقصود به ما بعد ميشال عون في قصر بعبدا!!..

إن استعصاء الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الذي بدأ قبل حرب غزة وسيستمر بعدها، هو استعصاء ذو أسباب داخلية، وعلى صلة بأزمة الأحزاب اللبنانية البنيوية، وليس بأزمة المنطقة؛ واللبنانيون هم من صنعوا تقليد الربط بين الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وبين الوضع الإقليمي، واليوم بينه وبين اليوم التالي لوقف الحرب في غزة، وغرضهم من ذلك استدراج عروض عن أثمان خارجية لتقاربهم أو اتفاقهم على انتخاب رئيس. وبكل حال يمكن حالياً الجزم بأنه ليس هناك موظف صغير واحد داخل أية إدارة سياسية في دول العالم، يتوهم بأن عدم انتخاب رئيس في لبنان سيؤثر على أي تفصيل بخصوص شكل الحكم الفلسطيني في غزة؛ أو مثلاً على عملية تفاهم حماس مع فتح أو استمرار خلافهما؛ بينما داخل لبنان يسود التوقع بأن عدم تفاهمهما يعود بلبنان إلى لبنان أجواء العام ١٩٧٥؛ ويسود التوهم بأن “نتائج حرب غزة” ستكون هي “صندوق انتخاب” فخامة الرئيس العتيد؛ وأنه من دون معرفة من سينتصر في غزة، لن يكون ممكناً معرفة من سينتصر في حرب انتخابات رئاسة لبنان العالمية الثالثة!!.

Exit mobile version