في الأيام القليلة الماضية أصدر مصرف لبنان بيانًا دعا خلاله المصارف الراغبة بالاشتراك في منصّة Bloomberg للتواصل مع الشركة، والبدء بالتحضيرات لتلقي التدريبات اللازمة. بيان المركزي خلا من أيّ إشارة لتوقيت بدء العمل بمنصّة بلومبرغ كمنصّة الكترونية للتداول في سوق القطع، ولكنه أوحى بقرب إطلاقها. أبعد من التوقيت، تُطرح أسئلة حول انعكاس العمل ببلومبرغ على مسار الدولار في السوق الموازية، ومدى فعالية المنصّة في لجم المضاربات وتحقيق الشفافيّة، والفئات القادرة على التداول عبرها.
آلية العمل والمصارف المشتركة
خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي اعتبر أنّ بيان المركزي يحمل ضبابية لجهة موعد البدء بالتداول عبر بلومبرغ، أمّا آلية العمل فتبدأ باشتراك المصارف الراغبة. ولفت فحيلي إلى وجود ما يقارب 12 مصرفًا تجاريًا في لبنان من أصل 55 مصرفًا لديهم شاشة بلومبرغ، يتبادلون من خلالها رسائل نصيّة ومعلومات عن الأسواق الماليّة، ولكن دون أن يكون هناك تبادل شراء وبيع لأدوات ماليّة أو عملات أجنبيّة. الخطوة التالية بعد اشتراك المصارف، تكمن في تأهيل الشاشة تقنيًا، بما يتيح التداول بالعملة الأجنبية حصرًا وليس بالأدوات الماليّة. في الفترة الفاصلة عن بدء العمل بها، سيصار إلى إجراء دورات تدريبيّة للموظفين المعنيين في كل من مصرف لبنان والمصارف، كالتدريبات التي جرت قبل العمل بمنصّة صيرفة. “ولكن يبقى السؤال حول الجهة التي ستزود المنصة بالبيانات والداتا في نهاية اليوم، ويجب أن تكون شبيهة بغرفة المقاصة في مصرف لبنان، ليصار بعدها إلى إصدار تقرير يومي، يتضمّن السعر الذي افتُتح فيه التداول، وما حصل من عرض وطلب، وصولًا إلى تحديد متوسط سعر الصرف”. في السياق لفت فحيلي إلى أن حاكم مصرف لبنان الأسبق ادمون نعيم اعتمد هذه الآلية خلال الحرب، وكان التبادل يحصل من خلال الحسابات المصرفيّة، وبنهاية اليوم يُصدر المركزي تقريره، أمّا اليوم فعمليات الدفع والقبض ستحصل الكترونيًّا.
منصة بلومبرغ ليست بمتناول الجميع
الفئات التي يمكن لها الإشتراك بالمنصّة هي المصارف والمؤسسات المالية المسجّلة والصرافون المرخصون. ويلجأ التجار إلى هذه المؤسسات كوسيط، لتقديم طلب لشراء ما يلزمهم من دولارات من خلال هذه المؤسسات. ولا يمكن لجميع المواطنين اللجوء إلى منصّة بلومبرغ للتبادل، هناك شروط محدّدة، أبرزها أن يمتلك العميل حسابًا مصرفيًّا تحت أحكام التعميم 165، الذي يجيز التحويلات وإصدار الشيكات. هناك عدد قليل من المودعين لديهم حسابات مصرفيّة وفق هذا التعميم، يلفت فحيلي “بالتالي المواطنون الذين يستوفون شروط التبادل على منصة بلومبرغ هم قلّة”. من هنا يرى إمكانية أن تخلق المنصّة مساحة للاستفادة والمضاربة لمن لديه القدرة على فتح حسابات تحت أحكام التعميم المذكور “بحيث يلجأ هؤلاء إلى شراء الدولار وفق توقيت يناسبهم عبر منصّة بلومبرغ أو عبر السوق الموازي. وبالنهاية سيذهب المواطن العادي الذي يحتاج دولارات إلى الصرافين، لشراء حاجته مهما كان السعر”.
أهداف المنصّة
داعمو التوجه نحو التبادل عبر منصّة بلومبرغ، يرون أنّه من شأنها أن تمنع المضاربات التي كانت تحصل سابقًا في السوق الموازية، وتساهم في الحد من التهرّب الضريبي، وتضبط سعر الصرف. هذه النتائج المتوخاة ليست أكيدة وفق مقاربة فحيلي “الإستقرار في سعر الصرف موجود منذ آب الماضي وقبل الحديث عن بلومبرغ. أمّا التبادل بالعملات الأجنبيّة فهو أمر يمكن إجراؤه عند أيّ صراف، ويمكن إجراء عملية التداول عبر بورصة بيروت من خلال تأهيلها لتبادل العملات الأجنبيّة. كما أنّ التدول عبرها لن يكون بمثابة هديّة، هناك كلفة تشغيلية وعمولة على عمليات البيع والشراء، يضاف إلى ذلك أنّ العمل بموجبها لا يُلغي السوق الموازي، الذي سيبقى قائمًا، وتأتي المنصة لتشكّل سوقًا موازيًا آخر. من هنا اعتبرُ أنّ الأسباب الموجبة لاعتماد منصة بلومبرغ ليست واضحة، وكذلك الغاية منها”.
المنصّة الجديدة ستكون خطوة يتيمة، بظل عدم إقرار القوانين الإصلاحيّة الماليّة، وفي مقدمها مشروع الموازنة والكابيتال كونترول وهيكلة القطاع المصرفي وإعادة التوازن المالي، وفعالية بلومبرغ سيحدّدها مسار عملها ونتائجها العملانية على أرض الواقع.