خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
منذ خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا مرت علاقة جبران باسيل بحزب الله بعدة تصدعات وبعدة محاولات لرأب الصدع؛ ولكن لم يسبق أن كانت العلاقة في حالة انهيار كما هي عليها الآن؛ وبالتحديد بعد تمرير قانون تأجيل تقاعد قائد الجيش العماد جوزاف عون..
بعد فترة قصيرة من انتهاء ولاية عون الرئاسية، قال أحد ضيوف السيد حسن نصر الله أن الأخير لا يرى أن معارضة باسيل لترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية سوف تطول؛ لأن باسيل سيكتشف قريباً أن عدم سيره بفرنجية سيفتح الباب أمام وصول العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية؛ وحينها سيجري باسيل حسبة بسيطة ستبين له أن وصول فرنجية للرئاسة لا تشكل خطراً وجودياً على مستقبل زعامته؛ بينما وصول جوزاف لقصر بعبدا ستهدد زعامة باسيل بالإنقراض.
وبحسب هذه النظرية فإن باسيل لو أبرم اتفاق رئاسي مع فرنجية، فإنه بذلك سيصبح الوزير الملك داخل عهده وسيصبح خليفته الطبيعي لرئاسة الجمهورية؛ أما في حال وصل قائد الجيش للرئاسة فإن باسيل سيواجه “ثلاث معاني” في شخصية جوزاف عون تشكل خطراً وجودياً عليه: المعنى الأول أنه من عائلة عون؛ ورغم عدم وجود صلة قربى حقيقية بينهما؛ إلا أنه حينما يصل جوزاف عون للرئاسة؛ فإن العونيين سيعتبرون عاطفياً أن عائلة عون الجنوب التي منها قائد الجيش الرئيس الجديد هي امتداد سياسي لعائلة عون الضاحية الجنوبية التي منها الجنرال البرتقالي الرئيس السابق..
المعنى الثاني أن جوزاف عون هي من بيئة الجيش التي من رحمها ولد التيار الوطني الحر..
المعنى الثالث يكمن في مواصفات جوزاف كمسؤول نجح في الدولة، بينما صورة جبران هي عكس ذلك..
.. ومن جانبه الرئيس نبيه بري، أضاف على هذه الصورة حول مصلحة باسيل بالسير بفرنجية لقطع الطريق على “قاتل مستقبله السياسي(!!)” جوزاف عون، معطى جديداً لا يخلو من نكهة ممارسة تدوير الزوايا الخاصة ببري؛ ويقول طرح “أبو مصطفى” أنه يمكن لباسيل الذي فقد امتياز أنه “صهر العهد” بعد خروج عمه من قصر بعبدا؛ أن يعوض ذلك من خلال أن يصبح “صهر الثنائي الشيعي”؛ شرط موافقته على السير بسليمان فرنجية رئيساً..
حتى الآن تستمر مناورات الثنائي الشيعي باتجاه باسيل؛ وكلها تجري تحت عنوان “احذر وصول جوزاف عون للرئاسة”؛ وأيضاً تحت عنوان “ساعة الرمل تؤشر إلى نفاد الوقت.. والحل بأن يهب باسيل لوضع عصا فرنجية أمام قائد الجيش الذي جعله تأجيل تسريحه لمدة عام أقرب المرشحين للفوز برئاسة الجمهورية”.
يواجه باسيل كل هذه “النصائح الشيعية” بالرفض، ويرميها بتهمة أنها نوع من حرب تهويل نفسية ضارية تشن عليه. وينتظر باسيل حالياً داخل إحساسه بعوارض “التوحد السياسي” ثلاث سيناريوهات؛ هي “خطة ب” و”خطة ج” و”خطة د”؛ ما يثير السؤال هنا، عن مصير “الخطة أ” المفضلة لطموحاته، كونها لا ترشح لرئاسة الجمهورية غيره.. وربما تقصد باسيل إخفاء سيناريو “خطة أ” لأنه يعتبر أن اللحظة السياسية الراهنة غير مناسبة لطرحه على الطاولة؛ لذلك قرر باسيل إخفاء “سيناريو خطة أ” خاصته حتى إشعار آخر..
“الخطة ب” لباسيل هي عبارة عن “حطام رهان” كان مزدهراً بنظرة قبيل مغادرة عمه قصر بعبدا؛ ومفاده أن يتدخل “سعاة الخير” ليرفعوا عنه العقوبات السياسية الأميركية، وبذلك يصبح مرشحاً للرئاسة. هذا الرهان صار حلماً أندلسياً بالنسبة لباسيل؛ ومع ذلك فإن “جبران باسيل” أو “صهر الرئيس” لا يحب استبعاده.
“السيناريو ج” هو أن يقبل معه السيد نصر الله والى جانبه بري، بصفقة رئاسية مفادها التالي: أن يتم تغيير عنوان المقايضة؛ فلا تعود تقوم على عرض ثمن لباسيل من الثنائي الشيعي مقابل موافقته على ترشيح فرنجية؛ بل تصبح موافقة الثنائي الشيعي على الثمن الذي يطلبه باسيل منهما، مقابل عدم ترشيح نفسه وليس مقابل السير بترشيح فرنجية.. ويطرح باسيل ضمن “سيناريو ج” هذا أن يسير الثنائي الشيعي بمرشحه الثالث..
“السيناريو د” هو أن يقبل فرنجية بالتخلي عن الجزء التنفيذي من صلاحياته لباسيل مقابل موافقته على ترشيحه؛ بمعنى أن تكون لباسيل صلاحيات انتقاء إسم قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان العتيد؛ وكافة المناصب المارونية الرئيسة. والترجمة “العملية للسيناريو د” هو أن باسيل يرفع سعر المهر حتى لا يتم الزواج السياسي بينه وبين فرنجية؛ ومعناه أيضاً أن باسيل يطرح تحويل الرئيس فرنجية إلى رئيس برتبة “ملك بلا صلاحيات في مملكة دستورية” يكون هو رئيس الظل فيها.
يلاحظ أن هذه السيناريوهات الثلاث تشترك في التصويب على هدفين أساسيين لباسيل: الأول إصراره على رفض ترشيح سليمان فرنجية.. الثاني إصراره على اعتبار أنه لا تزال هناك فرصة لترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، إما بشكل مباشر في حال تم رفع العقوبات السياسية عنه؛ وإما بشكل غير مباشر من خلال نيله منصب “رئيس ظل” في حال تمت الموافقة على شروطه لتحويل فرنجية “لملك دستوري”، أو من خلال صيغة ملتوية يتم بموجبها موافقة الثنائي الشيعي على السير بمرشحه هو، وليس بمرشحهما، وذلك كثمن لقبوله بعدم ترشيح نفسه؛ وليس كثمن لقبوله بترشيح فرنجية. وفي هذه النقطة كما في كل السيناريوهات الثلاث؛ بصوغ باسيل معادلة في تفاوضه مع الثنائي الشيعي تنطلق من نقطة إغلاق كل الأبواب أمام فرنجية.
يبقى هناك داخل كل هذا المشهد المزمن، حلقة ضائعة – وهي الأهم – وهي أين “سيناريو أ” الخاص بباسبل؛ وهو السيناريو الذي لا يضعه أمامه على طاولة التفاوض مع حزب الله، وهو ملف خيار جبران باسيل الواقعي – من وجهة نظره – حول كيفية إدارته لمستقبله السياسي وعلاقته بالتيار الأصفر!!
في “قجة باسيل السياسية” الذي لا يوجد فيها إلا “قرشه الأبيض” الذي اقتصده ليومه الأسود المتوقع بعد ابتعاد عمه عن المشهد السياسي؛ هناك “سيناريو الصهر الواقعي” من وجهة نظره؛ وملخصه التالي: كي يضمن باسيل لنفسه مستقبله السياسي، ليس أمامه إلا السير بواحد من طريقين إثنين؛ إما نيله رئاسة الجمهورية أو نيله ما يمكن تسميته “برئاسة الشارع المسيحي”؛ والطريق للهدف الأول (قصر بعبدا)، يحتاج لعلاقة مطلقة مع حزب الله؛ وهو أمر بدأ يصبح مستحيلاً. أما الطريق إلى الهدف الثاني (رئاسة المسيحيين؛ أي التزعم عليهم) فيحتاج إلى إعلان خصومة مطلقة مع حزب الله؛ وهو أمر قيد الدرس.
.. والتحليل النهائي الذي وصل إليه باسيل ولّد لديه قناعة بأن كل الزعماء المسيحيين ربحوا الشارع المسيحي عندما رفعوا الصوت عالياً ضد المسلم القوي وبخاصة إذا كان مسلحاً؛ ومن ثم خسروا الشارع المسيحي عندما أبرموا تسوية مع الطرف المسلم القوي وخاصة إذا كان مسلحاً.. وتطبيق نظرية الإفادة من عِبر الماضي تقول اليوم لباسيل أن الوقت بدأ فعلاً ينفد؛ وأن الرئاسة أصبحت فعلياً حلماً أندلسياً؛ ولكن وصفة نيل زعامة الشارع المسيحي لا تزال ممكنة، ولكن لا يزال ينقصها العثور على الجهة الوازنة التي ستدفع له ثمن طلاقه مع حزب الله؛ وتعوضه رفضه أن يكون “صهر الثنائي” الشيعي في جمهورية آل فرنجية.