الهديل

خاص الهديل: نتنياهو يهدد بايدن بسيف ترامب: حرب غزة مستمرة لغاية إنتهاء الإنتخابات الأميركية

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

بات يجدر التدقيق أكثر بالصخب الدائر في إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية حول نتنياهو؛ ذلك أنه بعد نحو ١٥ عاماً من سيطرته الفولاذية على الحياة السياسية في إسرائيل، يوجد اليوم في المستوى السياسي الأميركي والإسرائيلي قوى عديدة تسعى لرسم نهاية لنتنياهو تشبه النهايات التي يصل إليها الزعماء الشموليون، أمثال تشاوشيسكو في يوغسلافيا، الخ…

إن جزء غير قليل من أسباب الاشتباك السياسي الدائر اليوم بين بايدن ونتنياهو، وبين غالانت ونتنياهو، وأيضاً بين الثلاثي ايزنكوت وغانتس ولابيد ونتنياهو (الخ، ..)، يتعدى قضية الخلاف على حرب غزة، أو يمكن القول أن حرب غزة ليست هي كل القضية التي تسبب هذا الخلاف.. فأصل الخلاف، وعدم انسجام بايدن مع نتنياهو يعود إلى فترة عهد باراك أوباما الذي كان بايدن نائبه. آنذاك عارض نتنياهو الذي كان رئيساً للحكومة الإسرائيلية، توجه أوباما- بايدن لعقد الاتفاق النووي مع إيران؛ وسعى بنصيحة من شمعون بيريس لشن حرب على إيران، الغاية الرئيسة منها قطع مسار التفاوض النووي الأميركي الإيراني من جهة، وتوريط واشنطن بالدخول بحرب مع إيران يبدأها نتنياهو بقرار منفرد منه. 

وما يخشاه حالياً صناع القرار في الإدارة الديمقراطية الأميركية هو أن يكون نتنياهو بوارد أن يحاول مع إدارة بايدن تكرار نفس خطته القديمة التي حاول من خلالها توريط إدارة أوباما بحرب إقليمية ضد إيران. 

الجانب الأهم الذي يفسر خلاف بايدن مع نتنياهو ليس له علاقة بأن الرئيس الأميركي يعارض هدفه بعدم وقف الحرب قبل القضاء على حماس؛ بل سببه قلق بايدن من الموقع الذي يشغله نتنياهو داخل الصراع الحاد الجاري داخل الولايات المتحدة الأميركية بين “ظاهرة الترامبية الجمهورية” (نسبة للرئيس ترامب) من جهة، وبين الحزب الديموقراطي من جهة ثانية بزعامة بايدن. 

وداخل التفسير غير المعلن الذي تتبناه إدارة بايدن لسبب إطالة نتنياهو الحرب في غزة، هو رغبته بعدم فتح أي مسار سياسي لنقاش اليوم التالي بعد توقف الحرب؛ إلا بعد خروج بايدن من البيت الأبيض، ودخول ترامب مكانه بعد ٩ أشهر، وذلك بحسبما تتوقع معظم استطلاعات اتجاهات الناخب الأميركي.

لقد تقصد نتنياهو خلال الأيام الأخيرة إطلاق تصريح ضمنه “معلومة عن نواياه” أثارت قلق بايدن وإدارته وأقطاب حملته الإنتخابية الرئاسية؛ والمقصود هنا تصريحه حول أن حربه في غزة ستستمر حتى عام ٢٠٢٥، إن تعيين نتنياهو هذا التاريخ، يعني سيجبر بايدن على الذهاب لانتخابات تجديد رئاسته، وهو في عز حرب غزة التي أصبح واضحاً أن استمرارها، يؤذي بقوة فرصه الإنتخابية. وعليه فإن نتنياهو يقول أمران يشكلان جوهر مناورته السياسية الراهنة التي تواكب مناورته البرية في غزة.

أولاً- أنه ليس فقط سيستمر بالحرب حتى استنزاف حماس والقضاء عليها؛ بل أيضاً حتى استنزاف رصيد بايدن الإنتخابي، وإخراجه من البيت الأبيض. 

ثانياً- أن اليوم التالي للحرب في غزة لن يكون موعد مساءلة نتنياهو عن التقصير ودخوله السجن، بل موعد خروج بايدن من البيت الأبيض وعودة حلفائه في إسرائيل إلى المعارضة والظل. وقد تكون “عبوة استمرار الحرب حتى عام ٢٠٢٥” التي فجرها نتنياهو بين أقدام صناع حملة الديموقراطيين الإنتخابية، هي التي اضطرت بايدن إعادة الإتصال بنتنياهو منهياً بذلك قطيعة معه استمرت شهراً وكانت بدأت بعدما أقفل الهاتف بوجهه نتيجة خلافهما حول طبيعة الحل السياسي الذي يجب السير به بعد الحرب..  

وكان واضحاً أن البيت الأبيض تقصد أن يسرب جو سياسي عن محادثة بايدن الهاتفية مع نتنياهو، يوحي فيه أن الأخير قدم تنازلاً للرئيس الأميركي بخصوص موافقته على حل الدولتين، وأنه دفع ثمن معاودة اتصال بايدن به.. وأراد بايدن من ذلك تعميم صورة ترويجية انتخابية له تظهره أنه ليس ضعيفاً مقابل نتنياهو وأنه صاحب قدرة على تجسيد إرادته السياسية..

.. ولكن ما حدث هو أن نتنياهو قام بتكذيب كل الأجواء التي سربها البيت الأبيض إلى الإعلام الأميركي، والتي أوحت بأنه انتزع منه موافقته على حل الدولتين. وأكثر من ذلك فإن بيان نتنياهو لم يعلن فقط رفض دعوة بايدن لحل الدولتين بل رفض عدم البقاء في غزة بعد إنتهاء الحرب.

وبالمحصلة بدا واضحاً أن تسريبات بايدن أرادت مخاطبة الناخب الأميركي عبر القول أن بايدن الداعم لإسرائيل هو في حالة انسجام من موقع القوي حتى مع نتنياهو؛ فيما أراد نتنياهو من خلال نفي تسريبات بايدن، القول لليمين الإسرائيلي أنه الزعيم السياسي الوحيد في إسرائيل الذي يستطيع أن يقول “لا” مدوية للرئيس الأميركي، عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن المطلب الأيديولوجي والديني اليهودي الصهيوني المتعلق بمنع التخلي عن يهودا والسامرة والجولان وقطاع غزة.. 

.. وبالإضافة لكون الاشتباك بين نتنياهو وبايدن يعبر عن أزمة إسرائيل في غزة؛ إلا أنه في أصله هو جزء عميق من صراع ترامب – بايدن على البيت الأبيض؛ فيما أن كلاً منهما يستغل حرب غزة لإيذاء الآخر؛ هذا مع بقاء التزام بايدن الشديد بدعم إسرائيل ضد الفلسطينيين؛ ودعم فكرة قتال حماس حتى النهاية، وإن كان له وجهة نظر تختلف عن وجهة نظر نتنياهو، حول طريقة تحقيق هذا الهدف.. 

وما يمكن التأكيد عليه هنا هو أن بايدن لديه أقله سببان إثنان لعدم وقف الحرب قبل القضاء على حماس؛ الأول ايديولوجي يسعى لعقاب حماس، وهو ينبع من انتماء بايدن لفكرة يرددها دائماً، ومفادها أنه “ليس اليهودي فقط، بل المسيحي أيضاً يمكنه أن يكون صهيونياً”. السبب الثاني سياسي وفحواه أن حماس بحسب قناعته لا تؤمن عقائدياً بحل الدولتين، وعليه يجب اجتثاثها حتى يمكن السير بهذا الحل!!. 

وأكثر من ذلك فإن بايدن هو واحد من شخصيات الحزب الديموقراطي ونخب أميركية أخرى، تشكل تياراً يرى “أن الولايات المتحدة الأميركية هي التي تحتاج لإسرائيل استراتيجياً، وليس للعكس”؛ وإيمان بايدن بهذه المقولة هي التي تفسر جانباً من خلفيات قوله أنه “لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان يتوجب إيجادها”!!. 

والواقع أن خلاف بايدن هو حصراً مع نتنياهو الذي يشكل داخل الحركة الصهيونية امتداداً لترامب ومعادلته داخل التنافس الأميركي الداخلي على البيت الأبيض؛ بمعنى أنه لا يوجد لبايدن أي خلاف مع إسرائيل ككيان وكاحتلال، ولا مع فكرة القضاء على حماس أو مع إبقاء الامتيازات الاستراتيجية لإسرائيل التي يؤمن بايدن بها لأسباب مصلحية وعقائدية.

وخلاصة القول في هذا المجال هو أنه بمثلما أن بايدن يعتبر نفسه مسيحياً صهيونياً؛ ولذلك يتدخل في خيارات إسرائيل الداخلية، فإن نتنياهو يعتبر نفسه يهودياً أميركياً، ولذلك يتدخل لصالح ترامب ضد بايدن. فالرجلان يتشابهان عند نقطة أنهما متداخلان في الصراعات الداخلية الأميركية والإسرائيلية؛ وهذا أمر يعقد الحلول بخصوص غزة، ويجعل نقطة بدايتها تقع أولاً في رؤية نتنياهو خارج الحكم في إسرائيل ليحل مكان لابيد أو غانتس حليفاً بايدن؛ أو في رؤية بايدن خارج البيت الأبيض ليحل مكانه نتنياهو حليف ترامب… ويمكن هنا الاستنتاج بثقة أن حرب غزة أصبحت قطعة من حرب الإنتخابات الأميركية، مما يضيف إلى خلفياتها وتعقيداتها الكثيرة، خلفية أخرى وتعقيداً جديداً..

Exit mobile version