خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
بموازاة استمرار القتال على جبهتي غزة والشمال، تدور حرب سياسية من أجل إنتاج حلول تنهي “حرب طوفان الأقصى”. يقود معركة الحل السياسي الذي لا يزال بعيد المنال، الرئيس الأميركي بايدن الذي يتهمه ترامب بأنه جبان، ثم يقوم نتنياهو بتقصد إظهار صدق وصف حليفه ترامب لبايدن، وذلك عندما تقصد التجرأ على تكذيبه من خلال بيان علني أصدره يوم عطلة السبت.
وحالياً يوجد سباق بين حل سياسي جاهز وواضح لدى بايدن، ولكن يعوز إعلانه لحظة سياسية مناسبة؛ وبين حل عسكري غير واضح المعالم، لدى نتنياهو، وهو بحاجة لوقت غير محدد حتى يتم التأكد من نتائجه.
يقوم حل بايدن على تشكيل قوة عسكرية عربية من “محور الاستقرار” بالتواجد في غزة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها؛ ويتم تشكيل “سلطة فلسطينية معززة” يكون هناك اعتراف دولي بها، ومهمتها إغاثة غزة من جهة، والإنخراط في مسار حل الدولتين.
يعارض نتنياهو حل بايدن هذا؛ ويطرح بوجهه عناوين ومواقف تقوضه، وذلك تحت مبرر أن هذه المواقف هي عبر استراتيجية غير قابلة للتراجع عنها، لأنها “عصارة الرسالة” التي وصلت لإسرائيل من كارثة ٧ أكتوبر، أو يوم “فرحة التوراة”:
– عدم السماح بإقامة دولة فلسطينية؛ أي رفض اقتراح بايدن بخصوص أفق حل الدولتين.
– عدم قبول إسرائيل بتكليف وكلاء فرعين لحفظ الأمن عنها في غزة؛ أي بقاء إسرائيل أمنياً بعد توقف الحرب في غزة، ما يعني رفض سيناريو إرسال قوة عربية لغزة.
– تقسيم غزة لثلاثة مربعات، شمال وسط وجنوب، وعدم السماح للحياة المدنية بالعودة إلى القسم الشمالي؛ وهذا يعني إعدام أية فكرة عن إعادة إنتاج سلطة مدنية في غزة..
وتشي أفكار نتنياهو عن “الحل العسكري” أنه في العمق يريد تطبيق نظرية إسحق رابين حولها الذي تمنى أن يستيقظ ذات يوم ويجد غزة قد ابتلعها البحر. ومع ذلك لا يمكن القول في هذه اللحظة أن نتنياهو حالياً من دون خطة تجاه غزة؛ ولا يعني ذلك أنه يملك بموازاة حل بايدن، حلاً خاصاً بغزة؛ بل “حلاً خاصاً به” بإزاء تحدي غزة. رئيس الأركان السابق ايزنكوت يقول أنه في نهاية ولايته كرئيس لهيئة الأركان، امتنع نتنياهو عن النقاش معه حول نظريته التي كتبها عن “تجديد الأمن القومي الإسرائيلي”؛ وبدل ذلك كتب نتنياهو نظريته عن “تجديد الأمن القومي الاسرائيلي”.. يقول ايزنكوت أن نظرية نتنياهو جيدة ولكنها ليست جيدة لإسرائيل.. وحالياً نظرية نتنياهو عن الحل العسكري جيدة، ولكنها ليست جيدة لمستقبل إسرائيل مع غزة وليست قابلة للتطبيق..
إن ما تقدم، مضافاً إليه عشرات العوامل الأخرى ذات الصلة بتصرف نتنياهو، تقود المراقب للاستنتاج وكأن مشكلة إسرائيل في غزة تعود في ربعها إلى قدرة حماس على الصمود؛ وتعود في ثلاثة أرباعها إلى عدم قدرة إسرائيل على التخلص من طريقة حكم نتنياهو لها..
هناك أمران إثنان يجعلان إسرائيل في مأزق وجودي وليس فقط عسكري في غزة؛ وكلا هذين الأمرين ناتجين عن مواقف نتنياهو من حرب غزة:
الأمر الأول هو أن تقود التطورات السياسية لحرب غزة إلى خلاف حقيقي وغير قابل للجسر بين إسرائيل والولايات المتحدة. في مثل هذا الوضع ستصل إسرائيل إلى حالة التعرض لخطر وجودي؛ فأميركا بالنسبة لإسرائيل ليست فقط دولة كبرى حليفة، بل ملجأ نفسي وسياسي وعسكري، حصين يسمح لإسرائيل بالإقامة في منطقة مثل الشرق الأوسط.
والخطورة التي يرتكبها نتنياهو بحق العلاقات الأميركية الإسرائيلية تكمن في أنه يقول لبايدن “اتبعني في الشرق الأوسط”؛ وبنفس الوقت يصور بايدن ويصور نفسه، أمام الرأي العام الأميركي والإسرائيلي، بأنه بطل قومي يهودي يجر وراءه بايدن رئيس الولايات المتحدة الأميركية؛ وكأنه عجوز ضرير.. يجدر بحسب الاستراتيجية الإسرائيلية المعروفة، عدم إهانة واشنطن في الشرق الأوسط من قبل إسرائيل؛ لأن ذلك يوصل لدافع الضرائب الأميركي رسالة تقول أن أمواله تصرف على دولة لا تستحق سخاء أميركا معها..
الأمر الثاني يتصل بأن نتنياهو عبر تعنته بعدم الموافقة على حل الدولتين الذي يتحدث عنه بايدن كأفق سياسي لوقف الحرب في غزة؛ يكون بذلك كمن يقول أنه لا حل سياسي، بل حل عسكري لأزمة غزة. وهنا يضع نتنياهو إسرائيل أمام امتحان وجودي تفرضه على نفسها؛ وفحواه ماذا سيكون المعنى الاستراتيجي الذي على المستوطن اليهودي الصهيوني، استنتاجه في حال لم يستطع الجيش الإسرائيلي تطبيق الحل العسكري الاستراتيجي الذي تقترحه حكومة نتنياهو في غزة .. ببساطة هذا المعنى سيعني أنه بعد أكثر من سبعين عاماً، سيكتشف المستوطن أنه اختار المكان الخطأ لإنشاء دولة فلسطين عليه.