الهديل

خاص الهديل:معركة خانيونس: متاهة البحث الإسرائيلي عن “هدف النصر” في حرب غزة..

خاص الهديل:

 

 

بقلم: ناصر شرارة

رغم أن مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جيك سولفيان عرّب مع كابينيت الحرب الإسرائيلي ما أسماه إدخال الجيش الإسرائيلي في تطبيق المرحلة الثالثة من حرب غزة؛ إلا أن واقع الحال الراهن في ميدان غزة لا يزال يؤشر إلى أن القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل لا تزالان عالقتين بين المرحلة الثانية التي تعني ممارسة ذروة التدمير والتهجير والمجازر من أجل السيطرة على مفاصل رئيسة داخل غزة؛ والمرحلة الثالثة التي تعني تنفيذ تصعيد منخفض العنف، والتركيز على عمليات نقطوية عسكرية وأمنية ضد حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.

وهذا الوضع يوحي للمراقب أن الجيش الإسرائيلي، يسير داخل غزة على هدى خطة عسكرية مشوشة؛ حتى لا نقول أنه لم يعد يملك بالأساس خطة عسكرية قابلة للتنفيذ، أو صالحة لأن يقوم على أساسها بالمناورة داخل القطاع.

.. وداخل إسرائيل، سواء بمقالات الرأي الصحفية أو بكلام الخبراء العسكريين والسياسيين، يوجد اعتراف واضح بأن هناك مشكلة كبيرة لدى القيادة الإسرائيلية؛ إسمها “خطة الحرب”؛ وبكلام أوضح: غياب الأهداف العسكرية التي تحقق النصر السياسي ليس فقط على حماس؛ لأنه قبل حماس، يوجد داخل غزة “عدو أخطر” على إسرائيل إسمه “غزة ذاتها”؛ وبتعبير إصطلاحي إسمه “معنى التحدي الإستراتيجي الذي تمثله ممانعة قطاع غزة لمشروع استقرار الإحتلال الإسرائيلي فوق أرض فلسطين التاريخية”!!

وما يغيب هنا عن نظر مراقبين كثيرين هو أن مأزق إسرائيل الإستراتيجي المستمر في كل حروبها مع غزة، وليس فقط في حربها الراهنة، يكمن بالعمق في أن “هدف غزة ذاتها” في أية حرب مع إسرائيل، يكون دائماً أوضح، وبالتالي أقوى من هدف الجيش الإسرائيلي وقيادتيه العسكرية والسياسية في حربه مع غزة..

.. والواقع أن مشكلة غزة الإستراتيجية لإسرائيل ليست بالعمق حماس، رغم أهمية التجربة العسكرية لحماس، بل الواقع الإستراتيجي الذي يمثله قطاع غزة لمشروع الدولة الإسرائيلية؛ وفحوى هذا التحدي يتمثل بأنه كل نحو عشر سنوات، تجعل “غزة ذاتها” (بغض النظر عن إسم المقاومة فيه) الجيل الجديد من المستوطنين يكتشف أن مشروع استقرارهم في مستوطناتهم وعلى أرض الغير في فلسطين؛ تعترضه مشكلة استراتيجية تعبر عنها حالة مقاومة غزة العصية على الكسر.. وهذا المعنى لغزة الذي يشبه “الشوكة العالقة داخل ‘حلق’ الإحتلال”، لن ينتهي مع حماس، لأنه ببساطة لم يبدأ مع حماس؛ فهو بالعمق مستمر لأنه يمثل الجدلية التاريخية الخالدة بين المقاومة والإحتلال؛ والتي يقول فحواها أن شرط انتهاء الأولى (المقاومة) هو في زوال الثانية (أي الإحتلال).

وقصارى القول هنا أن مشكلة حماس هي مشكلة عسكرية لإسرائيل؛ بينما مشكلة “غزة ذاتها” لإسرائيل هي مشكلة استراتيجية.. والخلل الأكبر والإستراتيجي الذي تواجهه إسرائيل حالياً يقع في أنها لا تريد الاعتراف بمشكلة “غزة ذاتها” التي سببها عدم الاعتراف بالحقوق الفلسطينية؛ ولذلك تهرب إسرائيل باتجاه تصوير أن كل المشكلة هي حماس؛ وأنه عند اجتثاثها تنتهي حرب غزة بزرع علم النصر على الحقوق الفلسطينية!!

خلال الأيام التي زادت عن المئة للحرب المستمرة على غزة، برزت بجلاء، حتى على المستوى التكتيكي، طبيعة المشكلة الإسرائيلية الكأداء المسماة بغياب “خطة الحرب” أو فقدان “هدف الحرب الإستراتيجي”.. فخلال الجولة الأولى من الحرب التي امتدت طوال فترة ما قبل الهدن؛ صاغت قيادة الكابينيت هدفاً اعتبرته “هدف النصر”؛ وهو “مستشفى الشفاء” في شمال غزة. واستغلت إسرائيل آنذاك الشرعية الدولية التي انحازت إلى جانبها بشكل أعمى حتى ضد مستشفيات غزة. ولكن لاحقاً تبين لقيادة الكابينيت أنها صرفت هذه الشرعية الدولية حينما كانت بأوج زخمها أوائل أيام الحرب، على هدف ليس فيه أي معنى للنصر العسكري والسياسي.

.. ثم بعد ذلك، ذهبت القيادة الإسرائيلية في سياق بحثها عن “هدف النصر” إلى سيناريو دخول مدينة غزة؛ على اعتبار أنها تمثل “أعصاب حماس”، كونه يوجد فيها الجزء الأهم من موارد حماس البشرية والعسكرية والتنظيمية والخدماتية، الخ.. ولكن إسرائيل تراجعت لاحقاً عن فكرة دخول مدينة غزة، واكتفت بحصارها وبفصلها عن المخيمات المحاذية لها؛ وبهذا المعنى تحولت خطة الجيش في مدينة غزة من “خطة هجومية” ترمي لزرع علم النصر فيها، إلى “خطة دفاعية” كل غايتها حماية التوغل البري الإسرائيلي من هجمات “غزة – المدينة” ومخيماتها..

وحالياً تقوم إسرائيل بتنفيذ آخر سيناريو ميداني لها بحسب افتتاحية صحيفة هأرتس أمس؛ وهو فتح معركة في خانيونس، بوصفها المعركة المركزية التي ستحقق النصر السياسي لها في حرب غزة.. فخانيونس – كما تقدمها السردية العسكرية لدى القيادة السياسية الإسرائيلية – هي عاصمة حركة حماس القيادية والسياسية؛ وكلما اقترب الجيش الإسرائيلي من السيطرة عليها فوق الأرض وتحتها؛ كلما اقترب من تحقيق الهدفين الإستراتيجيين للقيادة السياسية الإسرائيلية؛ وهما القضاء على حماس، وإلقاء القبض على السنوار وضيف وباقي قيادتها العليا من جهة؛ وإعادة الأسرى المحتجزين لدى حماس إلى عائلاتهم من جهة ثانية.

وتربط إسرائيل تحقيق هذين الهدفين بالسيطرة على خانيونس، كون سرديتها تقول أنه في أنفاقها تقيم قيادة حماس العليا، ومعهم يوجد الأسرى الإسرائيليين!!

وأغلب الظن أنه لن يمر وقت طويل حتى يكتشف كابينيت الحرب أن نظرية زرع علم النصر في خانيونس، هي “وهم استراتيجي” قبل أن يكون تبسيطاً عسكرياً..

Exit mobile version