خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
عندما تتعاظم في الظل عملية تفاوض تحدث وراء الكواليس من أجل إقرار هدنة على جبهة الجنوب مع غزة، تواكب إسرائيل عملية التفاوض هذه بتصعيد عسكري كبير، ودائماً يكون الهدف من هذا التصعيد الذي يتخلله ارتكاب مجازر، هو ممارسة ضغط على المفاوض الفلسطيني.
أما على الجبهة الشمالية مع لبنان؛ فإنه في كل مرة يدور فيها الحديث عن وجود حراك سياسي خارجي أو إقليمي يخص الوضع في لبنان، سواء الداخلي منه (أي الشغور الرئاسي) أو على الجبهة الحدودية الجنوبية الملتهبة مع إسرائيل؛ فإن كابينيت نتنياهو يبادر لتنفيذ عملية اغتيال كبيرة ضد قائد من حزب الله أو من الفصائل الفلسطينية الموجودة في لبنان (“حماس” أو “الجهاد الإسلامي”) أو حتى من قادة الحرس الثوري المتواجدين بين العراق وسورية ولبنان.
في الأروقة الأمنية هناك الآن تفعيل للضوء الأحمر الذي يدعو للتحسب من إمكانية أن يقوم نتنياهو بتنفيذ عملية اغتيال كبيرة جديدة في لبنان، تتم خلال هذه الأيام التي تشهد حراكاً خارجياً يتزامن مع حيويات داخلية هدفها وضع بلد الأرز على سكة إخراجه من “دائرة شلل تأثيرات حرب غزة عليه”، إلى “دائرة إنتاج حلول تحت سقف استمرار حرب غزة” يتم توجيهها بإتجاه مستويين إثنين:
أولهما الإتفاق على صيغة حل للحدود البرية يشارك فيها بفعالية حزب الله، كونه المعني ميدانياً بتلك المنطقة؛ على أن يتم تأجيل إعلان هذا الحل إلى ما بعد وقف النار في حرب غزة؛ وأيضاً يتم تأجيل موافقة لبنان عليه، إلى ما بعد انتخاب فخامة رئيس الجمهورية العتيد.
المستوى الثاني يتعلق بمحاولة إيجاد صلة أو ربط بين جهد اللجنة الخماسية وجهود هوكشتاين الخاصة بـ”تطبيع الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية” وذلك وفق صيغة تهيئة الأجواء فيها، على نحو يجعل أحداث الجبهة الشمالية لا تستمر بالتفاعل تحت سقف احتمال تحولها لحرب؛ بل تحت سقف “الاتفاق المؤجل” على عملية ترسيم الحدود البرية، التي تفاءل بخصوص حصولها مؤخراً السيد حسن نصر الله عندما قال أن هناك [داخل هذه المواجهة العسكرية مع إسرائيل]، فرصة تاريخية لاستعادة لبنان أراضيه من المحتل الإسرائيلي.
والواقع أن عملية دفع الوضع اللبناني إلى دائرة البحث عن “حل للحدود وللداخل”، يجري هذه المرة وفق تطور جديد وغير مسبوق، وهو أن إسرائيل أصبحت شريكة غير مباشرة في عملية تسهيل الحل في لبنان أو عرقلته..
وما يجري حالياً هو أن إسرائيل تحاول تثبيت وجودها المؤثر على خط عملية البحث عن حل للوضع اللبناني، من خلال انتهاجها ثلاثة تكتيكات:
التكتيك الأول والأبرز يتمثل بارتكاب إسرائيل عمليات اغتيال في لبنان ضد قادة ينتمون لحزب الله. وهدفها من ذلك القول أن على نصر الله أن يتواضع في مطالبه من هوكشتاين على الجبهة الشمالية التي تشهد – حسبما تريد قوله إسرائيل – تفوقاً تكنولوجياً إسرائيلياً على حزب الله يؤدي إلى جعلها تغتال قادة مهمين منه على نحو سهل.
خلال الأيام الماضية، وعلى وقع جهود الخماسية وحراك هوكشتاين بشأن إنهاء الشغور الرئاسي وبشأن الوضع على الحدود في الجنوب، تبادل الحزب وإسرائيل “رسائل إظهار القوة”؛ وكان هدفهما من ذلك ليس فقط “تثبيت معادلة للردع بينهما بالنار” بل أيضاً “التفاوض غير المباشر بينهما بالنار” عبر جعل الميدان العسكري يواكب عمليات التفاوض المنقاد من الخارج لحل أزمة الشغور الرئاسي ومستقبل الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
وفي إطار جولة تبادل الرسائل هذه، وجه حزب الله صواريخ جديدة نحو القبة الحديدية الإسرائيلية؛ وبمقابل ذلك رفعت إسرائيل في سماء جنوب لبنان لأول مرة، “منطاد ندى السماء” الذي يتمتع بقدرات استخباراتية كبيرة تطال لبنان وسورية.. واللافت أن الحزب لم يكرر مرة أخرى، قصف موقع القبة الحديدية بالصاروخ الجديد، ما يؤشر إلى أن استهدافه لها بهذا الصاروخ، كان رسالة على صلة بتحسين شروطه داخل أي حل يطرح ضمن الحلقة التي باتت متداخلة وتضم جهود الخماسية وحراك هوكشتاين.. كما كان لافتاً بالمقابل أن إسرائيل لم تكرر إلا مرة واحدة استعراض “منطاد ندى السماء”، ما يؤشر أيضاً إلى أن تفعيله كان يستهدف القول للمتفاوضين على إيجاد حل لأزمة لبنان، أن عليكم أخذ مصالح إسرائيل الأمنية بالاعتبار.
التكتيك الثاني يتمثل باستهداف إسرائيل لقادة من الفصائل الفلسطينية موجودين في لبنان، وبخاصة من حماس والجهاد، وهدفها من ذلك تذكير العاملين الإقليميين على خط “حل الأزمة اللبنانية” بمطالب إسرائيل الأمنية الخاصة بلبنان، وبينها تفكيك بنى التعاون العسكري بين حماس وحزب الله القائم في لبنان، والتحذير من أنه في حال لم تضمن الدول العاملة على خط الأزمة اللبنانية تحقيق مصالح إسرائيل الأمنية في لبنان، فإنه لن يكون هناك لا أمن ولا حل في بلد الأرز.
التكتيك الثالث يجد تعبيره في تصعيد ضربات إسرائيل في سورية للحرس الثوري الإيراني ولحزب الله… وهدف إسرائيل من ذلك القول أن الساحة السورية هي أمنياً باتت امتداداً للساحة اللبنانية، وذلك لجهة أن الساحتين تشكلان تواصلاً عسكرياً تقوده إيران ضد إسرائيل…
يبقى القول أنه في ظل ما يجري الآن من محاولات خارحية بعيدة عن الأضواء لدفع الواقع اللبناني باتجاه بداية حل؛ فإن الحذر يصبح أكبر من إمكانية أن يوجه نتنياهو رسالة بالدم للفت النظر إلى ضرورة أن يتم لحظ وجوده كقوة تستطيع التعطيل في أي حل في لبنان. ورسالة نتنياهو هذه ستكون كالعادة عبارة عن ارتكاب عملية اغتيال كبيرة ضد قائد كبير من حزب الله أو حماس أو الجهاد أو حتى الحرس الثوري في لبنان!!