الهديل

ماذا وراء أكبر مناورة عسكرية لـ”الناتو” منذ الحرب الباردة؟

 

كتب عوني الكعكي:

مع استمرار روسيا وأوكرانيا في القتال منذ أكثر من عامين، إضافة الى حرب إسرائيل على غزّة الآخذة في التوسّع، بدأ حلف شمال الأطلسي «الناتو» أكبر مناورات عسكرية ينظمها منذ الحرب الباردة مع مغادرة سفينة حربية أميركية الولايات المتحدة لعبور المحيط الاطلسي الى أراضي الحلف في أوروبا.

وتأتي هذه المناورات، التي تُعَدّ الأكبر منذ مناورة «ريفورجر» خلال فترة الحرب الباردة في العام 1988 كما أشرنا… في وقت عزّز «الناتو» دفاعاته منذ أطلقت روسيا غزوها لأوكرانيا عام 2022.

وأرسل الحلف آلاف الجنود الى خاصرته الشرقية، ووضع خططه الأكثر شمولاً منذ انهيار الاتحاد السوڤياتي، في مسعى لحماية نفسه من أي هجوم روسي.

ويؤكد محللون استراتيجيون، ان هذه المناورات تأتي في محاكاة لسيناريو حرب شاملة مع روسيا، وهي ستستمر عدّة أشهر، كما تمتد من المحيط الاطلسي الى حدود أوروبا الشرقية.

الى ذلك، ربطت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، المناورات بورود معلومات استخباراتية عن نيّة روسيا توسيع الصراع العالمي، في خطة قد تبدأ آثارها في الظهور خلال العام الحالي، كما تفيد المعلومات أيضاً ان روسيا ستجري تغييرات استراتيجية في ترسانتها وستضخ ميزانية ضخمة جداً (ثلث ميزانيتها العامة) على الدفاع. وهذه التغييرات لن تكون منطقية إلاّ إذا كانت روسيا تستعد فعلاً لحرب ضد عدو رئيسي كبير مثل «الناتو»، مما يضع الاوروبيين في وضع مربك.

وستكون المناورات بالتأكيد ، وهي التي أطلق عليها اسم «ستيدفاست نون» أو المدافع الصامد، وسيلة لاختبار مدى جهوزية الدول الأعضاء لأي ضربة نووية محتملة… وهذا أمر أكده «الناتو»… إذ إنّ المتحدثة باسم حلف شمال الأطلسي «الناتو» أوانا لونجسكيو قالت: «إنّ مناورات «ستيدفاست نون» تساعد في ضمان سلامة الردع النووي للحلف وفعاليته وأمنه»… لذا أعلن حلف شمال الأطلسي (الناتو) البدء بأكبر تدريب عسكري له منذ عقود، بمشاركة 90 ألف عسكري، وسيستمر هذا التدريب على مدى أشهر.

ولقد صرّح القائد الأعلى للحلف في أوروبا الجنرال الأميركي كريستوفر كافولي في هذا الشأن: إنّ التدريب «المدافع الصامد» سيستمر أواخر أيار المقبل، ويشمل وحدات من كل الدول الأعضاء الـ31 في «الناتو»، إضافة الى السويد الدولة المرشحة للانضمام الى الحلف.

أضاف كافولي: «سيكون هذا دليلاً واضحاً على وحدتنا وقوتنا وتصميمنا على حماية بعضنا البعض».

هذا، وقدمت بريطانيا 20 ألف جندي الى هذه التدريبات حسب ما أعلن وزير دفاعها غرانت شايس.

إلى ذلك، ذكرت الصحيفة الاسبانية ABC ان الحلف سيجري تدريبات تحاكي بداية الحرب العالمية الثالثة…

من جهتها، أكدت موسكو قراراً انها لا تشكل تهديداً لأي من دول حلف شمال الاطلسي، لكنها لن تتجاهل أي خطوات قد تشكل خطراً على أمنها ومصالحها.

كما أكدت في الوقت نفسه، انها منفتحة على الحوار شريطة أن يكون متكافئاً، كما ان على الغرب أن يتخلى عن مساره عسكرة أوروبا.

وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق، الى ان روسيا لا تريد صراعاً عسكرياً مباشراً مع حلف شمال الأطلسي، ولكن إذا قامت وأقدمت جهة ما على ذلك فإنّ موسكو ستكون مستعدة له.

وبالعودة الى المناورات التي أُعلن ان الاسلحة التي تشارك فيها مؤلفة من حوالى 50 من السفن البحرية، و80 طائرة حربية من أحدث الأنواع، و1100 من المركبات القتالية وعدد من الحفّارات مختلفة الأحجام.

إلى ذلك، صرّح الناطق باسم «الناتو» ورئيس اللجنة العسكرية في الحلف روب باور ان المناورات هي إعلان واضح من دول «الناتو» على انها مستعدّة لجمع هذه القوى في أي وقت ستحتاج إليه، إذا ما هدّدها أحد، أو تعرضت أي دولة من دول «الناتو» الى تهديد مباشر أو حتى غير مباشر.

أضاف باور ان أسعار العتاد والذخائر ترتفع بشدة، ونحن ندفع في الوقت الحالي المزيد مقابل الكمية نفسها بالضبط. وأخيراً حذّر باور من أنّ زيادة حجم الانفاق الدفاعي لدول «الناتو» لن تؤدي بالضرورة الى تعزيز الأمن.

وبالعودة للماضي، فإنّ فكرة التدريبات أطلقت عام 2018 في إطار الردّ على ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، وأكد الحلف يومذاك انه مصمّم على الدفاع عن كل شبر من أراضي الدول المنتمية إليه.

لكن هذه المناورات التي بدأت تهدف بالتأكيد الى بعث رسالة الى روسيا لتبيان روح وقوة «الناتو»، وهي بالاضافة الى ذلك عملية اختبار لقوة الحلف، ومدى قدرته على ردع أي قوة أخرى تهدّد وجوده، أو وجود أي عضو فيه.

بالتأكيد… يبقى القلق الروسي موجوداً… وهي تراقب بحذر شديد هذه المناورات. وفي هذا المجال، قال نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر فروشكو: «هذه مناورات استفزازية». ومن الواضح أنها عدوانية بطبيعتها، كما انها استعراض للقوة، ومحاولة للضغط العسكري – السياسي. وقد صيغ السيناريو بطريقة لا تترك مجالاً للشك في ان هذا جزء من الاستعدادات للاشتباك المسلح مع روسيا الاتحادية.

على أي حال… تبقى المناورات -ولا شك- ضرورة حتمية لحلف الناتو، في مثل هذه الظروف التي يقف العالم فيها على حافة «حرب» لم تعلن حتى الآن… لكنّ طلائعها تلوح في الأفق.

 

*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*

Exit mobile version