خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
رغم كثافة الحديث في إسرائيل وهنا في لبنان، عن أن كابينت الحرب الإسرائيلي يقف على بعد أيام – والبعض يقول ساعات – من اتخاذ قرار بدء الحرب على لبنان؛ إلا أن الواقع داخل إسرائيل هو عكس ذلك لحد بعيد.
هناك حتى الآن هدفان إثنان معلنان، تريد إسرائيل إنجازهما في لبنان: الأول إبعاد بنى الحزب العسكرية إلى ما وراء خط الليطاني؛ والثاني خلق وضع أمني يسمح بإعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى مستوطناتهم الشمالية.
واضح أنه لا يوجد تماثل بين أهداف إسرائيل على جبهة غزة الجنوبية وبين أهدافها على جبهة لبنان الشمالية. ففي الأولى يضع الكابينت على طاولة قراراته، لائحة طويلة من الأهداف، تبدأ بإطلاق الأسرى لدى حماس؛ وتمر بتدمير الأنفاق، ولا تنتهي بالقضاء على حماس العسكرية والسلطوية في غزة، بل تتبعها وتلحق بها، أهداف أخرى حول كيف سيكون اليوم التالي في غزة؛ وهو أمر يؤجل نتنياهو نقاشه إلى ما بعد وقف الحرب في غزة؛ وحسب تعبيره إلى ما بعد إعلان انتصاره في حرب غزة. أما على جبهته الشمالية مع لبنان؛ فالأمور معكوسة: فنتنياهو يريد النقاش حول مستقبل اليوم التالي على الحدود الإسرائيلية مع لبنان، الآن وفي ظل استمرار القتال؛ وليس بعد توقف القتال وإعلان نصره كما يطرح بخصوص جبهة غزة الجنوبية..
.. وأيضاً إن أولوية نتنياهو على جبهة الشمال، وقف الحرب وليس استمرارها؛ كما حاله على الجبهة الجنوبية مع غزة.. ولكن بمقابل أن السيد حسن نصر الله وضع شرطاً لوقف النار في الشمال وهو وقف النار في الجنوب؛ فإن نتنياهو وضع شرطاً لوقف النار في الشمال وهو انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني. ما يريده نتنياهو من هدفه هذا هو الحصول على وساطة فرنسية أو أميركية تجني ثمن تخلي نتنياهو عن مطلبه، بتخلي نصر الله عن استمراره في الحرب، أو أقله إعطاء ضمانات كافية لطمأنة مستوطني الشمال كي يعودوا بعد توقف الحرب!!.
لا يوجد بين أعضاء الكابينت من يعتقد أن الحرب على لبنان سوف تحقق هدف تفكيك حزام حزب الله الأمني الموجود حالياً كأمر واقع بعمق نحو ٣ إلى ٥ كلم داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. قد تنتهي الحرب في حال اندلعت، بوقف جديد للأعمال العدائية؛ وفي الساعة التالية لوقف النار سوف يعيد الحزب انتشاره بقرب الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل.
إن الحل من وجهة نظر إسرائيل حسب آخر تظهير له، ليس بشن حرب مع لبنان، بل بالنظر إلى مشهد الوضع على الجبهة الشمالية من ثقب الوضع على الجبهة الجنوبية في غزة.. فمثلاً حدوث هدنة جديدة أو هدن جديدة في غزة، ستؤدي إلى هدنة أو هدن مشابهة في الشمال مع لبنان. وهذا هو الأفق السياسي الذي بدأ يعتمده الكابينيت بخصوص استراتيجية معالجة الوضع على الحدود مع لبنان..
وبمعنى آخر فإنه رغم كلام نتنياهو عن استمرار الحرب في غزة حتى القضاء على حماس؛ غير أنه في عمق حساباته لن يرفض هدن في غزة، طالما أن هذه الهدن لا تجري تحت عنوان وقف النار. ما يهم نتنياهو هو عدم دخول الحياة السياسية الإسرائيلية في مرحلة عدم الحرب؛ وعدم دخول غزة في مرحلة بدء التعافي من مرحلة الحرب؛ لأن ذلك سيعني أن الوقت الداخلي في إسرائيل أصبح جاهزاً للمساءلة عن التقصير في ٧ أكتوبر، وأصبح جاهزاً للتحقيق في الأسباب التي سادت قبل طوفان الأقصى وأدت إلى تعاظم قوة حماس. وكلا هذين الأمرين سيقودان إلى حشر نتنياهو في “زواية المتهم”..
والمعنى هنا أن نتنياهو يمكنه الإفادة من هدن غزة التي ستجري وتستمر تحت سقف عدم إعلان وقف النار، وذلك لتحقيق أمرين استراتيجيين يحتاجهما: الأول إطفاء نار المواجهة في الشمال، ما يعيد الثقة لمستوطني الشمال، أقله بقرب عودتهم للمستوطنات الشمالية؛ أو حتى بالعودة إلى هذه المستوطنات لمن يريد منهم؛ والثاني إطلاق أسرى إسرائيليين لدى حماس..
عيب هذا الخيار من وجهة نظر الكابينيت هو أنه غامض نظراً للتوقع المسبق بأن إبرام هدن متكررة في غزة يصطدم برفض حماس لأي تبادل للأسرى لا يسبقه إعلان وقف نار دائم وكامل. وأيضاً نظراً للتوقع المسبق بأن حزب الله لن يقبل بالعودة إلى ما وراء الليطاني؛ وهو سيصر على ربط أي وقف للنار في الشمال بوقف النار في غزة؛ وهو سيصر على ربط أي انسحاب ضمن أي ترتيب أمني على الجانب اللبناني، بترتيب أمني وانسحاب موازي يجريه الجيش الإسرائيلي إلى ما وراء نفس المسافة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
قد يتخلى نتنياهو في نهاية الأمر عن مطلبه بسحب الحزب إلى ما وراء الليطاني مقابل ضمانات كافية، ليس بالضرورة أن تكون من الحزب، لإقناع مستوطني الشمال بالعودة إلى مستوطناتهم الحدودية الشمالية. ويظل مدخل هذا الحل هو وقف النار في غزة الذي يعيش حالياً مشكلة أن نتنياهو لا يريد السماع بمصطلح وقف النار، بل هدن إنسانية، فيما حماس لا تريد السماع بمصطلح هدن تعود بعدها إسرائيل للحرب على غزة، بل تريد وقف دائم للنار.
وخلال الساعات الأخيرة جرى حديث عن تداول مقترح بريطاني لإبرام اتفاق بين حماس وإسرائيل. وجديد المقترح البريطاني أنه يحاول مراعاة مطالب جهات الأزمة الثلاث: بايدن الذي يريد نقاش اليوم التالي وحل الدولتين؛ ونتنياهو الذي لا يريد وقف النار ولا نقاش اليوم التالي في غزة، قبل إعلانه النصر؛ وحماس التي لا تريد هدن قصيرة بل وقف نار مستديم؛ ويقوم المقترح البريطاني على الربط بين الهدن وبين الحل السياسي في غزة وعلى مستوى إطلاق مسار حل الدولتين؛ وهذا يعني أن الهدن سوف تكون سياسية وقابلة للاستمرار، وبهذه الطريقة يمكن تخطي تحفظات الجهات الثلاث على المبادرات التي طرحت حتى الآن، وكانت سبباً في تعطيلها..