نقابة مستوردي الأجهزة الطبية: هذه “خوّة”
صدر عن نقابة مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبية ما يلي:
تعليقا على مشروع قانون الموازنة المحال من الحكومة إلى المجلس النيابي، الذي يخضع في أحد بنوده مستوردي بعض السلع الذين فرض عليهم العمل وفقا لسياسة الدعم الموضوعة من قبل الحكومة لضريبة استثنائية مقطوعة، تبدي نقابتنا ملاحظاتها على هذه الضريبة التي تتنافى مع أبسط المبادئ القانونيّة والضرائبية وقواعد العدل والانصاف والمنطق، كما يلي:
أولاً: بعد ارتفاع سعر صرف الليرة عام ٢٠٢٠، إعتمدت الحكومة سياسة دعم لعدد من السلع الأساسية ومنها المعدّات والمستلزمات الطبية. وكلف مصرف لبنان إدارتها على أساس أنه الطرف المموّل للدعم.
ثانيــاً: بتاريخ 8/6/2020، أصدر مصرف لبنان التعميم الوسيط رقم 561، الذي مفاده دعم المركزي لبعض السلع بنسبة 85% بسعر /1507/ للدولار، على أن يؤمن المستورد 15% من القيمة بالليرة وفقا للسعر المتداول على منصّة صيرفة.
لكن التعميم لم يلحظ آليّة واضحة وشفافة يمكن للمستوردين الاستناد إليها لتسيير أعمالهم.
فقام أعضاء نقابتنا، وبعد موافقة وزارة الصحة على البضاعة، باستيرادها وسدّدوا ثمنها بالنقد الأجنبي ثم باعوها في السوق على أساس السعر المدعوم، مطمئنّين إلى أن مصرف لبنان سوف يحوّل لهم 85% من قيمتها بالدولار الأميركي على أساس سعر /1507/ل.ل.. لكن المركزي، وبالرغم من موافقة وزارة الصحة على البضاعة المستوردة، رفض دعم عدد كبير منها بشكل استنسابي ودون تعليل، فوقع المستوردون بخسائر كبيرة أدت إلى إقفال بعضهم وصرف موظفيهم من العمل.
ثالثـاً: إن المستفيدين من الدعم كانوا المستهلكين وليس المستوردين.
رابعاً: إن دور المستوردين في آلية الدعم كان دور وسيط بين مصرف لبنان والمستهلك لتنفيذ قرار الحكومة بدعم بعض المواد.
فالمستوردون كانوا يشترون البضاعة بالعملة الأجنبية ويبيعونها بالليرة بالسعر المدعوم، أي بأقل من سعر الكلفة، على اعتبار أن البنك المركزي سوف يعيد لهم الفرق، أي قيمة الدعم البالغة 85%.
وهذا ما أدى عمليا الى تحويل المستورد الى مموّل لسياسة الدعم الحكوميّة. إن الإجحاف وقع بحق المستوردين عندما تمنّع مصرف لبنان عن تسديد فرق الـ85% بعد أن كان قد حثّهم على متابعة الإستيراد وإبقاء المستلزمات الطبية متوفرة في السوق.
خامساً: بالرغم من الإجحاف الذي وقع بحقّ المستوردين بحبس مصرف لبنان مستحقاتهم، فإن مشروع القانون يلحظ إخضاع أرباحهم الناتجة عن عمليات القطع الحاصلة لدى تطبيق التعميم 561 الى الضريبة الاستثنائية دون تمييز بين عمليات الإستيراد. وهذا الأمر غير منطقي وغير مسند الى مؤشرات علمية موضوعية.
فالمستوردون على فئتين: منهم من عمل تحت سقف القانون ومنهم من انتهكه.
أما عمليات الإستيراد فهي أيضا على نوعين: تلك التي استفادت من الدعم وتلك التي لم تستفيد منه.
وسوف نشرح ذلك بإيجاز:
١ – الفئة الأولى: من عملوا تحت سقف القانون واستوردوا بضاعة بالعملة الأجنبية وباعوها بالسعر المدعوم الذي هو أقلّ من سعر الكلفة، على أساس أن يقوم مصرف لبنان بتغطية الفرق الناتج عن سعر العملة وفقا لسياسة الدعم.
وهؤلاء على نوعين:
أ- النوع الأول: من طالهم الدعم وسدّد لهم مصرف لبنان الفرق بين سعر الصرف الفعلي وسعر /1507/ل.ل. للدولار. هؤلاء لم يلحقهم أي ضرر.
ب- النوع الثاني: من رفض مصرف لبنان تسديد قيمة الدعم لهم بالرغم من حصولهم اسوة بالنوع الاول على موافقته الخطية المسبقة قبل الاستيراد.
هؤلاء وقعوا بخسائر فادحة أدّت إلى فقدان جزء كبير من رأس مالهم، فتوقّف بعضهم عن العمل وأنهوا عقود عمل أجرائهم.
٢ -الفئة الثانية: من عملوا خلافا للقانون وزاحموا إحتياليا مستوردي الفئة الأولى الذين طبّقوا القانون. وهؤلاء على نوعين أيضا:
أ- النوع الأول: من استفادوا من الدعم وباعوا البضاعة في لبنان أو خارجه على أساس السعر غير المدعوم، فحققوا أرباحا طائلة غير مشروعة. هؤلاء إستولوا إحتياليا على المال العام واحتفظوا به لأنفسهم وأخفوا طبيعة العمليات تزويرا في دفاترهم التجاريّة.
ب- النوع الثاني: من عملوا ولا يزالون على هامش القانون دون مسك أية دفاتر تجاريّة ويستوردون بضاعة عبر المرافئ غير الشرعية دون تسديد الرسوم الجمركية ودفع أية ضريبة. هؤلاء عملوا خارج آلية الدعم وحققوا أرباحا طائلة دون أي رقيب أو حسيب.
إنّ مشروع قانون الموازنة يطال فقط مستوردي الفئة الأولى الذين عملوا ولا يزالون تحت سقف القانون.
والمضحك المبكي هو أن الأجهزة الرقابيّة والقضائية للدولة التي يفترض بها حماية الأعمال الشرعية التي تفيد الاقتصاد الوطني والخزينة، لم تحرّك ساكنا لردع الغاصبين من الفئة الثانية الذين هدروا المال العام ومارسوا مضاربة غير مشروعة على المستوردين الشرعيين ولم يكلّفوا بأية ضريبة دخل ولن يمتثلوا لدفع الضريبة الاستثنائية الملحوظة في المادة المذكورة.
هل من المنطق إخضاع عمليات الإستيراد التي قام بها المستوردون الشرعيون لضريبة استثنائية على عمليات قطع لم يختاروا إجراءها أساسا وفرضت عليهم بموجب التعميم 561 وألحقت بهم خسائر؟
هل من المنطق إخضاع عمليات الإستيراد هذه إلى الضريبة الإستثنائية بمعزل عما إذا حقّق المستوردون أرباحا من عملية الإستيراد أم لم يحقّقوا؟
إن الضريبة الإستثنائية الملحوظة في مشروع القانون لا تأخذ بعين الإعتبار نتيجة الأعمال النهائية للسنة الماليّة وتخضع المكلّف لضريبة مزدوجة بغض النظر عن النتيجة النهائية للدورة المالية وربح أو خسارة المؤسسة.
فالأصول السليمة تفرض إدخال الأرباح الصافية -أيّة أرباح- ومنها الناتجة عن عمليات القطع -أيّة عمليات قطع- من ضمن نتيجة الأعمال السنوية للمؤسسات وعدم اخضاعها لضريبة خاصة لأن المستوردين لم يجنوا أرباحا من جميع عمليات الإستيراد.
يتبدى مما تقدّم أن الضريبة الإستثنائية المذكورة تفرض على المستوردين الشرعيين حتى وان لم تدعم البضاعة المستوردة وحتى في ظلّ وجود خسائر، ما يجعلها من الناحية العمليّة بمثابة خوّة، أي ضريبة مفروضة على أرباح وهمية.
كما أن فرض ضريبة بمفعول رجعي هو بمثابة عقوبة وليس تكليف. وهل يجوز معاقبة المكلّف على شيء ليس من فعله؟
هل المستوردون مسؤولون عن أخطاء وتقصير الدولة بسلطاتها الثلاثة والبنك المركزي والقطاع المصرفي؟
لذلك، جئنا بموجبه طالبين من المجلس النيابي إلغاء هذه الضريبة المجحفة من مشروع القانون لدى التصويت عليه وإجراء التكليف على أساس الأرباح الفعليّة المحقّقة خلال الدورة الماليّة للمؤسسات.