خاص الهديل: حرب “إقليم غزة” من “معبر التنف” إلى “باب المندب”..
yasmin ahmad
خاصالهديل:
بقلم: ناصر شرارة
بينما يرفع الرئيس الأميركي منذ ٧ أكتوبر الماضي، شعار منع توسع حرب غزة في المنطقة، فإنه يقوم حالياً بشن حرب على مستوى كل المنطقة. وفي أثناء ذلك يصر البيت الأبيض على أن سبب الحرب الأميركية والبريطانية الراهنة، ليس حرب غزة، بل الرد على الهجمات التي استهدفت القواعد الأميركية والملاحة في البحر الأحمر. وبمقابله يصر الحوثيون وفصائل المقاومات الشيعية في العراق وسورية، على أن سبب حراكهم العسكري ضد القواعد الأميركية وفي البحر الأحمر هو الضغط لوقف حرب غزة التي يرفض نتنياهو وقفها ويمنع فيتو بايدن في مجلس الأمن وقف النار فيها. ويقول هؤلاء أن هجماتهم ضد قواعد الأميركيين وضد سفن الشحن الإسرائيلية؛ لن تتوقف إلا إذا توقفت حرب غزة.
هناك منطقان إثنان يتجادلان تحت أصوات الصواريخ:
منطق بايدن الذي يقول أنه لا يريد الحرب ويشن حرباً؛ والذي يقول أنه لن يسمح بتمدد نار حرب قطاع غزة إلى الإقليم، ولكنه لا يسمح لمجلس الأمن بأن يمنع إطفاء الحريق الناشب في القطاع..
ومنطق ثان يقول به الطرف الآخر ومفاده أن بايدن إنما هو بقصفه للعراق وسورية واليمن، يستكمل عملياً حرب أميركا الإقليمية لتغطية حرب إسرائيل على غزة..
والواقع أن الجدل بين الطرفين لا يعدو كونه تعبيراً عن وجود أزمة في المنطقة تتحول بسرعة لتصبح حرباً في المنطقة، وعلى المنطقة..
وقصارى القول هنا أن بايدن لم يعد يستطيع القول أنه يعمل من أجل منع تمدد حرب غزة لتصبح إقليمية؛ فمنذ أول من أمس أصبحت المنطقة موجودة فوق ميدان حرب إقليمية برية وبحرية.. فالغارات الأميركية الصاروخية والجوية على المنطقة، ستكون “غارات مفتوحة” كما أعلنت إدارة بايدن؛ وهذا يعني أنها ليست “جولة” بل “معركة”، وهذا يعني أنها ليست فقط “تصفية حساب” مع الذين قاموا بضربة الأردن بل “فتح حساب” عسير وطويل مع المنطقة وكل الذين يشاركون في حرب غزة؛ ويظل هذا الوصف صحيحاً حتى لو أصر بايدن على الفصل بين هجماته الراهنة في المنطقة، وبين تداعيات حرب غزة.
داخل الوسط السياسي الأميركي يوجد اتجاه يضع للغارات الأميركية التي بدأت قبل يومين عنوان “مبدأ بايدن”، واستخدم مصطلح “مبدأ” يعني أن الضربات الأميركية ستستمر بموازاة استمرار حرب غزة؛ وتعني أيضاً أن لها أهدافاً مرتبطة بالأسباب غير المعلنة التي جعلت بايدن يرسل أساطيله إلى المنطقة بعد ساعات من عملية ٧ أكتوبر؛ وحينها علق نتنياهو على مشهد وصولها لبحار المنطقة بالقول أن الوضع ذاهب لحرب ستغير الشرق الأوسط.
ربما – فقط – في هذه اللحظة الممتلئة بحمم الصواريخ الأميركية المتساقطة من مشرق المنطقة إلى خليجها، أصبح يمكن الإجابة على أسئلة طرحت نفسها بقوة منذ يوم ٧ أكتوبر، ولم يكن ممكناً معرفة أجوبتها:
أول هذه الأسئلة عن السبب الحقيقي الذي يقف وراء إرسال بايدن حاملات كل أميركا تقريباً إلى المنطقة بعد ٧ أكتوبر.
آنذاك – ولا يزال – قال بايدن أن هذه الحاملات لديها هدف منع توسع حرب غزة، ولكن لم يقنع هذا التبرير باحثين استراتيجيين كثر، حيث توقف هؤلاء عند أمرين ملفتين: الأول سرعة استجابة بايدن لخطوة إرسال حاملات عسكرية ضخمة إلى المنطقة.. وتم وصف عملية تنفيذ هذه الخطوة بأنها الإسراع في تاريخ أميركا.. ثانياً – لم يكن هناك أي تناسب بين حجم القوات الأميركية المرسلة وبين حجم الخطر الذي بدأ يواجه إسرائيل بعد انحسار التداعيات العسكرية المباشرة عنها والتي نتجت عن عملية مهاجمة غلاف غزة يوم ٧ أكتوبر. ومن هنا تم حينها طرح سؤال ظهرت الإجابة العملية عليه الآن من خلال بدء بايدن حربه الإقليمية الموازنة لحرب غزة؛ ومفاد هذا السؤال هو ما هي أهداف بايدن الحقيقية من وراء جعل المنطقة أشبه بقاعدة أميركية كبيرة تزدحم بداخلها أقوى حاملات واشنطن الجوية – البحرية؟؟.
واضح أن مبدأ بايدن يريد فرض حل أميركي على المنطقة؛ وهو حل منقاد من حصانين إثنين الأول إسمه حصان الحرب على غزة والثاني إسمه حصان الحرب على الإقليم.
وثمة العديد من المعطيات التي تدعم هذه النظرية؛ ومنها كيف يمكن تفسير أن بايدن يقول أن سبب الغارات الأميركية الراهنة هو الرد على ضربة الأردن وقبلها الهجمات على القواعد الأميركية؛ وفي حين يقول بايدن أن هذه الضربات ضد أميركا تسببت بها إيران، فإنه يقوم بتنفيذ عمليات عسكرية انتقامية لا تشمل إيران، بل العراق وسورية واليمن؟؟.
المعطى الثاني: كيف يستقيم أن بايدن أرسل حاملاته البحرية إلى المنطقة لمنع توسع “حرب قطاع غزة”؛ في حين يقوم هو نفسه بفتح “حرب إقليم غزة” (بمعنى توسيع أجواء الحرب لتصبح إقليمية وغير محصورة فقط بقطاع غزة).
المعطى الثالث: لماذا حتى هذه اللحظة يصر بايدن على مطلب تحقيق “هدن في غزة”، ويمنع بقوة الفيتو الأميركي تحقيق “وقف نار”؟!.
خلاصة المشهد الناري المرتسم حالياً في المنطقة، يفيد أن حرب غزة ليست ذاهبة كما يشاع إعلامياً وسياسياً، لمرحلة ترتيب وقف النار وفرض سيناريو نهايتها؛ بل هي فعلياً ذاهبة لمرحلة تحول “حرب قطاع غزة” إلى “حرب إقليم غزة” الذي يمتد من معابر التنف والميادين في المشرق العربي إلى معابر باب المندب في البحر الأحمر وما على ضفافه من آبار تختزن موارد المنطقة.