الهديل

خاص الهديل: هل ينجح جهد هوكشتاين المدعوم فرنسياً وبريطانياً بجعل الحل الدبلوماسي يسبق “حل الضغط العسكري” على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية؟

خاص الهديل:

بقلم ناصر شرارة:
تستمر اتصالات مبعوث الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين مع الإسرائيليين من أجل التوصل لما بات يعرف “بالحل الدبلوماسي” الذي ينهي من جهة المواجهات العسكرية الدائرة على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة بين حزب الله وإسرائيل؛ ويؤسس من جهة ثانية لاتفاق بين بيروت وتل أبيب على ترسيم نهائي للحدود بينهما؛ ويؤدي من جهة ثالثة إلى تغليب “الخيار الدبلوماسي” كوسيلة لإطفاء النار على الجبهة الشمالية، بدل إستعارها أكثر كما تهدد إسرائيل التي تحذر من أن عدم التوصل لحل سياسي يفضي إلى تطبيق القرار ١٧٠١  فإن البديل سيكون الحل العسكري..
وصار واضحاً أن الإستراتيجية التي تتبناها إسرائيل بخصوص الجبهة الشمالية تقوم على نقطتين إثنتين تصر عليهما في محادثاتها مع الجانب الأميركي ممثلاً بهوكشتاين ومع الجانب الفرنسي أيضاً.
النقطة الأولى تركز على أن كابينيت الحرب لا يعترف برؤية حزب الله للمواجهات العسكرية على الجبهة الشمالية والتي تقول أنها امتداد لحرب غزة؛ وبدلاً من هذا التعريف يرى الكابينيت أن هذه المواجهات سببها عدم تطبيق لبنان للقرار ١٧٠١ الذي ينص على إبعاد حزب الله عن الحدود اللبنانية مع إسرائيل إلى ما وراء خط الليطاني..
النقطة الثانية تفيد بأن كابينيت الحرب الإسرائيلي يرى أن حزب الله هو الذي بدأ حرباً ضد إسرائيل من دون سبب؛ وعليه فإن لبنان يجب أن يستجيب لحل دبلوماسي ينتج عنه اقتناع تل أبيب بأن الحزب لم يعد قادراً على تكرار “خطأ اعتدائه” مجدداً على إسرائيل.
وخلال الفترة الأخيرة حذرت مصادر دبلوماسية عربية وغربية مسؤولين لبنانيبن، من أنه يجب التنبه إلى أن هناك تطورات عميقة حصلت داخل إسرائيل تجاه رؤيتها لمستقبل المواجهات العسكرية الدائرة مع لبنان؛ أبرزها أن كل أعضاء كابينيت الحرب باتوا موحدين وراء رؤية أنه يجب “زيادة الضغط العسكري على الجانب اللبناني حتى يرضخ للحل الدبلوماسي الذي قوامه تطبيق فعاليات القرار ١٧٠١ وسحب الحزب إلى ما وراء خط الليطاني”.
وبينت هذه المصادر مكمن الخطر المستجد على هذا الصعيد، وذلك من خلال إشارتها للمعلومات التالية:
– يوم ١١ تشرين أكتوبر الماضي أي بعد عدة أيام من بدء حرب طوفان الأقصى؛ حصل اجتماع استثنائي لكابينيت الحرب في إسرائيل؛ وكان عنوان الاجتماع شن حرب استباقية شاملة على لبنان تؤدي إلى تدمير قدرات حزب الله؛ وإبعاد قوة الرضوان عن الحدود؛ وإعادة المستوطنين إلى مستعمراتهم على الحدود الشمالية.
وانتهى اجتماع كابينيت الحرب آنذاك على قرار بعدم الموافقة على شن هذه الحرب؛ ولكن مع إبقاء خطتها مطروحة على الطاولة ريثما يتوفر توقيت مناسب.
أما السبب الذي أدى لعدم موافقة الكابينيت على أخذ قرار بشن الحرب يوم ١١ أكتوبر؛ فيعود بالأساس إلى عدم موافقة واشنطن على هذه الحرب؛ زائد بروز رأي داخل الكابينيت يقول أنه يجب في هذه المرحلة التركيز على حرب غزة، وأن إسرائيل ترتكب مغامرة فيما لو شنت حربين بوقت واحد.
– بعد نحو ٤ أشهر على اجتماع الكابينيت الإسرائيلي يوم ١١ تشرين لأخذ قرار بالحرب على لبنان، تغيرت من وجهة نظر إسرائيل، أمور كثيرة كانت تحول دون إنضاج قرار بتوسيع نطاق الضغط العسكري على لبنان.
أهم هذه الأمور يتصل بأن إسرائيل خفضت خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، الجهد العسكري الذي خصصته لحرب غزة منذ ٧ أكتوبر الماضي، بنسبة ٦٥ بالمئة؛ وهذا يعني أن جبهة غزة لم تعد تعتبر من منظار إسرائيل بمثابة حرب كاملة؛ بل بات لها شكل المواجهات العالية الشدة؛ وعليه فإنه بات بإمكان الجيش الإسرائيلي أن يعتبر أنه يخوض مواجهة في غزة وليس حرباً؛ واستطراداً صار يمكنه التركيز على الجبهة الشمالية انطلاقاً من اعتبارها أنها جبهة الحرب الأساسية في حين أن جبهة غزة هي جبهة الحرب الثانوية كونها أصبحت مدجنة لحد بعيد عسكرياً – ودائماً بحسب الرؤية الإسرائيلية..
.. وبالخلاصة فإن هذا التفكير الجديد داخل الكابينيت يقود لخلاصة تفيد بأن تل أبيب باتت تشعر نفسها حالياً أنها تحررت من عقدة خوض حرب على جبهتين، وأنها أصبحت قادرة على “عكس الصورة”، بحيث تركز حربها الشاملة على جبهة الشمال فيما تدير في الجنوب “حرب مواجهة” باتت مضبوطة السقف.
– بموازاة التفكير الجديد السائد حالياً داخل الكابينيت، تنشط حركة دبلوماسية باتجاه كل من إسرائيل ولبنان، تحمل شعار العمل من أجل تغليب خيار “الحل الدبلوماسي” الذي يطرحه آموس هوكشتاين ومعه وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا، على خيار “الحل العسكري” الذي تهدد به إسرائيل في حال لم يوافق حزب الله على التراجع لما وراء خط الليطاني، بمقابل استعداد إسرائيل للموافقة على الملاحظات التي يطلبها لبنان بشأن الحدود البرية.
ويتوزع هوكشتاين مع كيري البريطاني وستيفان سيجورني الفرنسي المتواجدين في المنطقة، الأدوار لإنجاح مسار التوصل إلى حل دبلوماسي للوضع على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. ففيما وزير خارجية لندن ديفيد كاميرون يطرح نقل تجربة بريطانيا بشأن بناء أبراج مراقبة على الحدود الشرقية اللبنانية مع سورية، إلى حدود لبنان الجنوبية مع اسرائيل؛ وإنشاء “فرقة حرس حدود” إضافية ترسل إلى منطقة عمليات القرار ١٧٠١ وراء خط الليطاني لتحل مكان قوات حزب الله، فإن وزير خارجية فرنسا يتحرك على إيقاع جعل الحل الداخلي اللبناني منسقاً مع خطوات هوكشتاين الهادفة لإيجاد “حل دبلوماسي” يسبق “الحل العسكري” للوضع على الحدود اللبنانية مع إسرائيل؛ ويؤدي إلى توسيع الخماسية لتصبح إطاراً صالحاً للإستجابة للبعد الإقليمي في الأزمة اللبنانية؛ والمقصود هنا زيادة الدسم الإيراني فيها.
– واستناداً إلى كل ما تقدم أعلاه، يستفاد أن الأسبوع الحالي سوف يبلور “ملامح رؤية” عن وضع اليوم التالي في لبنان بعد توقف حرب المواجهات على الجبهة الشمالية، وبعد توقف حرب غزة التي بدأ سعيرها ينخفض على جبهة غزة الجنوبية. وفي حال ظهر أن صفقة الهدنة بين إسرائيل وحماس، سوف تنجح وستمضي قدماً إلى الأمام؛ فهذا سيدفع الوضع على الجبهة الشمالية بين لبنان وإسرائيل إلى واجهة تعاظم الضغط العسكري الذي سيسبق بلورة الحل الأميركي الفرنسي البريطاني المشترك بشأن تحديد طبيعة “اليوم التالي في لبنان” داخلياً وعلى حدوده ليس فقط مع عدوه إسرائيل، بل مع شقيقه سورية أيضاً.
Exit mobile version