خاص الهديل: أزمة لبنان في عاصفة توازنات حرب غزة.. واتجاه لتحرير الخماسية من عبء الفشل الفرنسي
yasmin ahmad
خاص الهديل:
بقلم ناصر شرارة:
كان يفترض أن تلتئم “الخماسية من أجل لبنان” مطلع هذا الشهر، ولكن الأخبار الواردة من العواصم المشاركة فيها، تؤكد أن تأجيلاً طرأ على موعد عقدها؛ وأن سبب هذا التأجيل يعود لبروز وجهة نظر داخل الخماسية تفيد أنه من الأفضل انتظار حصيلة مباحثات هوكشتاين مع الإسرائيليين لمعرفة ما إذا كانت ستسفر عن اتفاق على ملف الحدود بين تل أبيب وبيروت، يمكن بالتالي الإنطلاق منه لبناء ملف التسوية الداخلية في لبنان.
والواقع أن هذه المقاربة المستجدة للبدء بمعالجة الملف اللبناني انطلاقاً من الملف الحدودي أولاً، ومن نقطة نتائج جهود هوكشتاين، هي التي تقف بالعمق وراء تأجيل موعد عقد الخماسية، وذلك بأكثر من السبب المتعلق بوجود تباينات بين دولها؛ رغم أن هذه التباينات موجودة بالفعل.
وضمن هذه الجزئية يمكن الإشارة إلى أن أحد مشاكل الخماسية تعود لكونها تجد نفسها مضطرة لأن ترث الاخفاقات التي واجهها الدور الفرنسي في لبنان طوال الأعوام الأخيرة؛ ذلك أن باريس تصر على بقاء دور ريادي لها في لبنان داخل إطار الخماسية، كما كان لها نفس هذا الدور قبل إنشاء إطار الخماسية.. فيما هناك فكرة مقابلة تقول أنه يجب تحرير الخماسية من عبء الفشل الفرنسي السابق لإنشائها، من دون أن يعني ذلك إخراج باريس منها، ولكن مع ضرورة مراعاة أن الخماسية يجب أن تتحرك بحيويات جديدة.
.. وبالعودة لما يحدث على ضفاف الخماسية، فواقع الحال يفيد بأن كل الأنظار شاخصة حالياً لما سيتوصل إليه هوكشتاين الموجود منذ فترة في إسرائيل. وخلال الأيام الأخيرة بدأت تصل لبيروت أصداء عن لقاءاته مع كل من العضوين اللذين يمثلان التوجهات الأساسية داخل كابينيت الحرب الإسرائيلي؛ أي مع وزير الدفاع غالانت الذي يمثل داخل الكابينيت التيار اليميني الأقرب من نتنياهو داخل الليكود، لإدارة بايدن؛ ومع غانتس المتجانس مع إدارة بايدن والممثل داخل الكابينيت لتيار المعارضة العلمانية المناهضة لليمين.
والواقع أن حصيلة حراك هوكشتاين في إسرائيل، تقدم حتى الآن ملاحظتين أساسيتين تلخصان صورة حول ما وصلت إليه جهوده مع كابينيت الحرب بكل اتجاهاته ومع حزب الله، بخصوص إنجاز ترتيبات مستدامة للوضعين الأمني الحالي والمستقبلي “للحدود اللبنانية – الإسرائيلية”:
الملاحظة الأولى تتعلق بنقطة مهمة يجدر التنبه إليها، وقوامها أن تصريحات كل ممثلي اتجاهات الكابينت (غانتس وغالانت)، تقاطعت في الأيام الأخيرة عند نقطة مركزية أصبحت تشكل مطلب إسرائيل الموحد تجاه ملف الحدود مع لبنان.. ومفاد هذه النقطة أن تل أبيب تطالب بأن يتم الشروع بالحل الدبلوماسي لملف الحدود مع لبنان “الآن وفوراً” وفي ظل استمرار إطلاق النار في غزة وبين لبنان وإسرائيل؛ وليس بعد وقف إطلاق النار في غزة وعلى جبهة الشمال، كما يصر حزب الله…
.. وحتى هذه اللحظة فإن هذا التعارض القائم بين رؤيتي الحزب وإسرائيل حول متى يجب أن يبدأ التفاوض بواسطة هوكشتاين لبدء البحث عن حل لملف الحدود البرية، لا يزال يشكل العقبة الكأداء التي يحاول هوكشتاين إيجاد صيغة لحلها تمهيداً لإطلاق عملية تفاوض تسفر عن الاتفاق على إجراء ترتيب قانوني وأمني مستدام على الحدود الشمالية الإسرائيلية مع لبنان.
واللافت أن مهمة هوكشتاين العالقة عند نقطة إيجاد توقيت مشترك يقنع حزب الله وإسرائيل لبدء عملية فك اشتباك بينهما وإرساء ترتيب أمني للحدود، تشبه لحد بعيد مهمة الساعين في الدوحة لإيجاد إطار مقنع لحماس وإسرائيل لبدء هدنة بينهما. فكلا المهمتين عالقتين عند مجال نقطة البدء؛ ففي غزة تريد حماس أن تبدأ الهدنة بوقف للنار؛ وفي لبنان يريد حزب الله أن يبدأ أي مسعى في ملف الحدود بوقف نار يسبقه.. وبالنسبة لإسرائيل فإنها تريد سواء في غزة أو في لبنان، الحصول على اتفاقات سياسية وأمنية تحت سقف إطلاق النار وليس بعد وقف إطلاق النار.
الملاحظة الثانية التي تظهرها مهمة هوكشتاين حسب النتائج التي وصلت إليها في إسرائيل ومع الجانب اللبناني؛ تتمثل عملياً وفعلياً بتطور مستجد جديد طرأ على ملف معالجة الأزمة اللبنانية؛ وهو تطور لم يعد بالإمكان تجاهله وقوامه أن ثقل معالجة كل الأزمة اللبنانية بملفيها الداخلي والحدودي، انتقل من اللجنة الخماسية وتوازناتها إلى دائرة التأثر الكلي بالبعد الإقليمي المسيطر على حرب غزة واخواتها، والمتمثل حصراً بمعادلة التوازن الأميركي الإيراني في المنطقة.
.. وخلاصة القول في هذا المجال أنه بعد حرب طوفان الأقصى انقلبت معادلة الحل والتسوية في لبنان، وذلك على نحو جعل عربة الخماسية مقطورة بحصاني طهران وواشنطن، ومرتبطة من حيث كل نتائجها يما يجري وسيجري بينهما من تقاطعات وتضادات في زمن حرب غزة..