خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
تؤكد التطورات العسكرية المتتالية التي تحدث في العراق، أن المنطقة تتجه لاحتمالات توسع الحرب، وتؤكد أيضاً أن كل كلام إدارة بايدن عن قدرتها على احتواء التطورات الحربية الناشئة عن حرب غزة، والمتنقلة من غزة إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى اليمن، لم يعد يمكن الاعتداد به كضمانة قادرة على فرملة انزلاق التصعيد في المنطقة نحو هاوية الحرب الشاملة. وأوضح دليل على ذلك، هو أن إدارة بايدن أصبحت هي ذاتها، جزءاً من “دينامية التصعيد” وليس “التبريد” في المنطقة، وأن أساطيلها التى حضرت إلى بحار الشرق الأوسط بعد أحداث ٧ أكتوبر، لتمنع توسع حرب غزة، باتت اليوم هي ذاتها، منخرطة في العراق وفي البحر الأحمر، في تعميق الحرب الإقليمية الناشئة بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية – الأميركية على غزة!!.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تتحول فيها الحروب في المنطقة، من حروب داخلية إلى حروب متعددة الجبهات، ومن ثم إلى حروب إقليمية تتورط فيها الدول الكبرى.
حرب عام ١٩٨٢ الإسرائيلية على لبنان بدأت بين منظمة التحرير الفلسطيني وإسرائيل، ثم أصبحت حرباً بين أميركا وفرنسا وبريطانيا ومقاومات إسلامية نشأت للتو حينها في لبنان، وانتهت بحدوث تداعيات كوارثية على المارينز الأميركي..
..وحالياً يجدر ببايدن أن يحاذر من أن حرب غزة ستجره لحروب عدة في المنطقة، لن تنتهي بالضرورة على نهاية سعيدة بالنسبة لاستقرار قواعده العسكرية الموزعة على دول الشرق الأوسط.
على أن تطورات العراق الحالية، تمتاز عن ما يحدث من تصعيد في اليمن، وعن ما يحدث من مواجهات عسكرية في لبنان، في كونها تحدث في البلد ذاته (أي العراق) الذي يوجد لواشنطن فيه تجربة طويلة لا تزال طرية، وقد أدت نتائجها إلى خراب بلد الرافدين؛ وإلى التسبب في بدء مسار فقدان الهيبة الأميركية في المنطقة؛ وإلى نجاح إيران باستغلال الفشل الاستراتيجي الأميركي في بلد الرافدين، ومن ثم في كل المنطقة، وذلك لصالح تغلغل نفوذها في المنطقة.
إن مشكلة أخطاء مقاربة بايدن لحرب غزة، كانت بدأت بالظهور منذ الأيام الأولى لبدئها؛ أي من تلك اللحظة التي وصل فيها بايدن إلى إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى، وبادر حينها للجلوس في كابينيت الحرب الإسرائيلي، كجنرال إسرائيلي برتبة رئيس في البيت الأبيض يترأسه بنيامين نتنياهو؛ ثم بلغت اخطاؤه الحد الأعلى حينما وضع “مسدس الفيتو الأميركي” في رأس العالم الراغب بوقف حرب جرائم إسرائيل في غزة؛ والآن تتحول أخطاء بايدن في مقاربته لحرب غزة، إلى خطيئة استراتيجية تهدد بإشعال الوضع في العراق، الأمر الذي ستكون له نتائج على أميركا وعلى المنطقة، أكبر بكثير من نتائج حرب غزة على أميركا وعلى المنطقة!!.
والواقع أنه حتى ما قبل ليلة أمس، كان لا يزال هناك اعتقاد بأن بايدن لن يذهب بعيداً في النفخ بنار الوضع في العراق، وذلك بالنظر لأسباب كثيرة، يظل أهمها موقع العراق الجيوسياسي الحساس والهام داخل المنطقة، وأيضاً العبر الاستراتيجية المستخلصة من تجربة الغزو الأميركي للعراق؛ ولكن إعلان البيت الأبيض ليلة أمس بأن الرئيس الأميركي شخصياً وجه أوامره لتنفذ مسيرة أميركية عملية اغتيال في قلب بغداد ضد أحد كبار قادة حزب الله العراقي، أضاء في كل دول المنطقة اللون الأحمر على حواسيب قياس احتمالات التصعيد القادم. فهذه العميلة الأميركية المذيلة بتوقيع بايدن تعني بوضوح أمرين إثنين مقلقين للغاية:
أولاً- أن بايدن انتقل من حالة احتواء القوى المساندة لحماس ولغزة، إلى حالة شن حرب تقويض لها ستكون طويلة الأمد.
وسوف تأخذ هذه الحرب الأميركية مسوغ أنها حرب دفاعية، ولكن بمضمونها الحقيقي ستكون حرباًَ هجومية تواكب فشل وقف النار في غزة، وتتورط بنتائج هذا الفشل الخطرة على المنطقة.
ثانياً- لقد نجح نتنياهو واليمين الإسرائيلي وخصومه الجمهوريون في جر بايدن إلى مصيدة تحتم عليه أن يخوض انتخابات رئاسية في زمن يخوض فيه حروباً في الشرق الأوسط، وفي زمن يغطي فيه حرباً إسرائيلية لا يوجد لها معارضة داخل نسبة عالية من قاعدته الإنتخابية في الحزب الديموقراطي.
أضف لذلك أن مجرد أن يكون أحد عناوين هذه الحرب هو العراق؛ فإن ذلك يشكل أسرع وصفة لنكأ ذاكرة المجتمع الأميركي بخصوص المأساة التي خلفتها حرب العراق عليه، مما سيزيد من تناقص فرص فوز بايدن في ولاية رئاسية ثانية.
وكل المشكلة تقع الآن في أن بايدن أصبح يقف إلى جانب نتنياهو على أعلى شجرة التصعيد، بدل أنه كان مأمولاً منه أن ينزله عن الشجرة. ومع وصول الحال إلى هذه الصورة فإن ما بات يجدر توقعه في المستقبل القريب، هو حدوث واحد من سيناريوهين إثنين: إما استدراك بايدن قبل فوات الأوان أن استمراره بالسير على طريق التصعيد الراهن سيترك خطراً حتمياً على حظوظه الإنتخابية وعلى المنطقة؛ وإما إضطراره للاستمرار في لحس مبرد التصعيد تحت مبرر أنه لم يعد بإمكانه التراجع، وحينها ستذهب المنطقة بالضرورة إلى مرحلة نشوب حروب عديدة، وسفك دماء كثيرة.