الهديل

خاص الهديل: نتنياهو يطرق باب رفح حتى يستمع المصريون لما يريده بخصوص “اليوم التالي في غزة بعد الحرب”..

 

خاص الهديل

بقلم: ناصر شرارة 

حتى الآن لم تنته عملياً المرحلة الثانية من خطة إسرائيل في حرب غزة. لا زال كل من وزير الدفاع غالانت ورئيس أركانه هاليفي يقاتلان في شمال غزة وفي وسطها، عدا أنهما عالقان في حرب كر وفر حول مدينة خانيونس. 

 

لقد مضى أكثر من شهر على مجيء مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى إسرائيل حاملاً معه الخطة التي صارت تعرف بالمرحلة الثالثة؛ وبموجبها يتوجب على الجيش الإسرائيلي الإنسحاب من داخل غزة إلى أطرافها عند السياج، ومن هناك يشن حرباً أمنية نقطوية طويلة الأمد ولكن منخفضة التصعيد، ضد عناصر حماس..

 

.. عملياً تعني خطة سوليفان إنهاء مناورة التوغل البري؛ ولكن مع استمرار الجيش الإسرائيلي بمطاردة حماس داخل غزة، ولكن عن بعد؛ ومن دون البقاء بها. 

 

يعتبر نتنياهو ضمنياً هذه الخطة بأنها تمثل أسرع وصفة لإعلان هزيمته الرسمية، وليس بالضرورة لإعلان هزيمة الجيش الإسرائيلي الذي ستبقى له اليد الأمنية والإستخباراتية الطولى في غزة، وليس اليد العسكرية المباشرة التي لن تنجح – بحسب بترايوس – بتحقيق أي إنجاز حتى لو استمرت بتوغلها البري لمدة عقد من الآن.  

 

.. من خلال مقترحه عن الخطة الثانية التي طرحها على دفعات خلال زياراته، بات ينظر إلى سوليفان على أنه المسؤول الأميركي الوحيد الذي حدد بوضوح أين تختلف إدارة بايدن مع نتنياهو بخصوص ملف إدارة حرب غزة وكيفية توجيهها استراتيجياً. فيما زيارات بلينكن وطروحاته، لم تؤد إلا إلى اتساع رقعة غموض مواقف بايدن من هذه الحرب.. 

 

عملياً تدعو خطة سوليفان – نتنياهو إلى الإقرار بأن مرحلة التوغل البري داخل غزة انتهت، وأن عليه أن يعلن البدء بسحب قراره السياسي الذي وجه الجيش لبدء الحرب البرية، بمقابل أن يبدأ الجيش بحربه الأمنية ضد حماس داخل غزة على طريقته؛ أي أن يراعي من ناحية مطاردته لأهدافه العسكرية بعيداً عن حسابات اللعبة الداخلية السياسية الإسرائيلية؛ وأن يبدأ الفصل الجديد من حرب غزة من خارجها، وانطلاقاً من مواقع حصينة وغير مكتظة بالسكان وترسم ميداناً جديداً لحرب غزة منخفض التصعيد..

 

مشكلة هذا السيناريو الأساسية أنه لن يوجد فيه متسع لصورة نتنياهو التي تسلط الضوء على مسار صلابته في مجال إصراره على الإستمرار في الحرب حتى يجد لحظة انتصار يقف عندها.. ببساطة إن خطة سوليفان تقطع الطريق على مسار إنتاج الصورة التي يريدها نتنياهو لنفسه داخل حرب غزة، وهي صورة تكرر مشهد غولدا مائير حينما قالت “لا كبيرة” لنيكسون في حرب العام ١٩٧٣، وحققت بالنهاية صورة التخفيف من آثار هزيمة يوم ٦ أكتوبر.. بالمقابل تحقق خطة سوليفان فرصة للجيش الإسرائيلي النزول عن الشجرة بمهنية تبقيه في الميدان، ولكن ليس ميدان نتنياهو الصاخب وذا التصعيد المرتفع؛ والذي بات يكلف إدارة بايدن والجيش الإسرائيلي أثماناً سياسية وعسكرية وأخلاقية باهظة.

 

مؤخراً حدثت خطة لجسر الهوة لم تنجح.. لقد اقترح مدير وكالة المخابرات الأميركية السابق ديفيد بترايوس سيناريو يقع بين خطة سوليفان الساعية لإنهاء التوغل البري، وبين موجبات إبقاء نتنياهو قريباً من فرصة إيجاد لحظة نصر له، ينهي عندها حربه في غزة. تقوم خطة بترايوس على فكرة أن يحاكي الجيش الإسرائيلي في غزة، نفس إستراتيجية “مكافحة التمرد” التي نفذها بترايوس ذاته بنجاح في العراق، والتي أدت لاستعادة الأمن هناك، ومكنت القوات القتالية الأميركية من الإنسحاب من العراق مطلع العام ٢٠٠٩. 

 

يقدم بترايوس تجربته بالعراق، كإثبات مادي مسبق على أن خطته ستتمكن من معالجة أزمة الجيش الإسرائيلي في غزة الذي لو استمر بحرب التوغل البري، فإنه لن يخرج من مستنقع غزة قبل عقدين من الزمن.. ولكن مشكلة خطة بترايوس تكمن في أنها لا توفر مكاسب سياسية لا لبايدن ولا لنتنياهو. بالنسبة لبايدن فإن بترايوس لم يعد مجرد جنرال يهدي نجاحاته العسكرية للمستوى السياسي الأميركي؛ بل هو في موقعه الحالي وبعد ذياع صيته الشخصي كجنرال عسكري نجح في العراق، أصبح مرشحاً محتملاً للرئاسة ذاتها في أميركا التي ينافس عليها بايدن. أما نتنياهو فهو يبحث داخل أميركا عن شريك سياسي له، وليس عن نصائح جنرال عسكري تقوم كل نجاحاته على وصفة لا تناسب فرصه السياسية. وعليه فإن واحدة من الأمور القليلة التي يتفق عليها بايدن ونتنياهو في حرب غزة، هو أنهما يخشيان من دفع الكلفة السياسية لوجود بترايوس في صورة تظهره أنه المخلص الذي أخرج القيادتين السياسيتين في إسرائيل وأميركا من ورطتهما في حرب غزة. 

 

وفي لحظته الراهنة، يوجد لدى نتنياهو خطة واحدة لمعالجة حرب غزة، وهي “خطة نتنياهو”؛ وبموجبها سيقارب مرحلة ما بعد معركة خانيونس؛ بالتوجه إلى رفح والتوقف عند أبوابها طارقاً أبوابها بقوة حتى يسمع المصريون بجدية أكثر “رسالة نتنياهو عن المشهد الذي يجب أن يقبل به كي يوقف حرب غزة عنده”؛ ومفاده آت تقبل مصر بأن تحل مكان حماس والسلطة الفلسطينية في إدارة شؤون غزة، سواء بالواسطة أو عبر تواجد مباشر.

ساعة الرمل التي نصبها نتنياهو عند معبر رفح بدأ توقيتها يقترب من لحظة البدء بإطلاق مناورة عسكرية برية على مقربة من الحدود المصرية؛ وذلك بغية توريط مصر في مهمة جعل غزة تذهب لخيار انفصالها عن الضفة الغربية.. لكن القاهرة تصر على رفض هذا السيناريو والتمسك بجهودها الدولية لإرساء حل الدولتين؛ وبجهودها مع الفلسطينيين لإنهاء الانقسام السياسي والجغرافي بين غزة والضفة..

Exit mobile version