الهديل

د. حمد الكواري: تاريخ سوريا فصل مضيء من تاريخ العزة والكرامة..

د. حمد الكواري: تاريخ سوريا فصل مضيء من تاريخ العزة والكرامة..

 

“يا شام، إن جراحي لا ضفاف لها فامسحي عن جبيني الحزن والتعب” ‎
نزار قباني

 

سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ
وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي
جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ ‎
أحمد شوقي

 

في هذه الفترة العصيبة من تاريخ أمتنا، تتقاذفنا الأحزان والأسئلة والأماني، فالعدوان الإسرائيلي لا يتوقف عن وحشيته والدم الفلسطيني لا يتوقف عن السيلان.
ورغم ذلك وربما بسبب ذلك تعود بي ذاكرتي إلى سوريا التي لا يجب أن ننسى معاناتها.
ويعلم الله أني أعشقها عشق محبّ قلبه مكلوم بما يحدث، وأكن كل الحب لشعبها، وهو شعبٌ عريقٌ، كريمٌ، أبيٌ، مضيافٌ لأهل العروبة، ويحمل كل قيمها من شهامة وإباء؛ وتاريخه فصل مضيء من تاريخ العزة والكرامة وحصن حصين من حصون العرب والمسلمين في مواجهة أعداء الأمة.
مرّت بمدنه قوافل الحضارة والمجد، من ‎دمشق إلى ‎حلب إلى ‎حمص إلى ‎حماة – على سبيل المثال لا الحصر – وهي حواضر للحضارة والتاريخ، وعواصم للإسلام والعرب. وقدمت من العلماء والأدباء والثقافة والفن في الماضي والحاضر للعرب والإنسانية ما لم تقدمه منطقة أخرى من العالم العربي والإسلامي والعالم ككل.
عشت لسنوات في الشام وعرفت تاريخها المجيد ولمست تلك القيم التي تجذرت في الشعب السوري بكل فئاته وطوائفه ومناطقه.
ولم يكن للغة العرببة وطن كسورية.
لذلك حين شاءٍ الله بأن أتوجه لسورية في بداية عملي كسفير فيها أخذت من فيض معارفها وحرص أهلها على لغة هذه الأمة.
ولكن أيّ حاضر أسود يلفّ سورية الأبيَة في السنوات الأخيرة حتى تبلغ فيها الأوضاع ما بلغته من ترد وطغيان، أن قوى شتى تحتل أجزاء عزيزة منها حتى صارت الخريطة أشلاء، والكل صامت وكأن الأمر لا يعني أحدًا.
والأدهى من ذلك أن النظام الحاكم الذي يزعم أنه يحكم بإسم حزب قومي قد استغل كل الوسائل بما في ذلك استقدام القوى الخارجية، حتى وإن كان الثمن احتلال هذه القوى لأجزاء من الوطن، واحتضن هذه القوى الخارجية بهدف استمراره في الحكم، ودفعت البلد ثمنًا باهضًا من استقلالها ووحدتها وقيمها وعروبتها.
وللأسف لم نعد نسمع الآن مطالبة بالجزء الغالي الجميل. (الجولان) وكأن ضم اسرائيل له أصبح من الماضي.
والأدهى من ذلك أن جيش العدو الاسرائيلي يقصف يوميًا دمشق وضواحيها ومناطق أخرى دون ردع أو مواجهة سياسية كانت أم عسكرية! وكأن السلطة السورية ومن دعمها وأبقاها في الحكم وعبث في تغيير البنية الدينية والاجتماعية كما يشاء لا يعنيه هذا العدوان أو الرد عليه.
إنه واقع مؤلم جداً أن نرى سورية ممزّقة وضحية لمتغيرات بنيوية في نسيجها الديني والاجتماعي والثقافي، والملايين من أبنائها لاجئون بل أن الملايين قد فقدوا حياتهم.
إنها موجوعة بتاريخها وخانعة للمجهول، وبقدر محبتي لسوريا وأهلها يكون ألمي العميق.
دكتور حمد الكواري
وزير دولة بدرجة نائب رئيس وزراء
رئيس مكتبة قطر الوطنية

Exit mobile version