الهديل

خاص الهديل: في الطريق لمواجهة تمادي إسرائيل بحرب الإغتيالات في لبنان: صراع مع “الفجوة التكنولوجية”!!

 

خاص الهديل

بقلم: ناصر شرارة

 

داخل المواجهة العسكرية الجارية على الحدود اللبنانية مع إسرائيل؛ تنشط عمليات الإغتيالات الإسرائيلية ضد قياديين عسكريين من حماس وحزب الله.. واللافت في هذه العمليات أنها تجري في مناطق خارج ميدان الـ٣ كلم الحدودي؛ ما يعني أن إسرائيل تريد تكريس معادلة تقول أنه يحق لها مطاردة أي هدف يشكل “خطراً أمنياً” عليها، في أي منطقة يتواجد بها في لبنان. وباتت إسرائيل تمارس تطبيقات هذه المعادلة بشكل يومي تقريباً.. فخلال الساعات الـ٤٨ الماضية استهدفت طائرة إسرائيلية شخصية من حماس، كانت تستقل سيارة قرب بلدة “جدرا”على الطريق الساحلي؛ وقبل ذلك استهدفت سيارة في مدينة النبطية تقل قيادي من حزب الله، الخ..

 

في حماس وحزب الله يسود صمت مقصود بخصوص التعليق الرسمي على تمادي إسرائيل بسياسة تنفيذ اغتيالات في لبنان من دون قيود، ومتفلتة من حدود قواعد الاشتباك المحصورة داخل ميدان الـ ٣ أو ٥ كلم. ويبدو واضحاً حتى الآن أن قيادتي كل من حماس والحزب ظلتا تعتقدان لفترة طويلة بأن تهديد نصر الله بدايات العام الماضي بأنه سيرد على أي اغتيال تقوم به إسرائيل في لبنان، ردع إسرائيل.. ولكن بعد مستجدات المواجهة التي نشبت على الحدود بعد ٧ أكتوبر، بات الطرفان يتعاملان مع خطر حرب الاغتيالات كأمر واقع..

.. غير أن الملاحظة الأبرز في هذا المجال هي أن استجابة قادة حماس والحزب للتكيف مع هذا الخطر القاتل، لا تزال دون المستوى المطلوب، بدليل أن العدو لا يزال ينجح باغتيال قادة من الطرفين.

 

قبل أيام من اغتيال القيادي البارز في حماس الشيخ صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية، كانت صحفية إسرائيلية حصلت على تسريب لما قاله رئيس الشاباك رونين بار في اجتماع أمني مغلق في مقر قيادة المنطقة الوسطى الإسرائيلية. قال رونين أنه سيصار إلى اغتيال قادة حماس الموجودين داخل قطاع غزة وفي لبنان وقطر وتركيا.

 

في نفس الوقت تقريباً الذي تم فيه نشر هذا الخبر، سأل مقدم برنامج سياسي على قناة لبنانية، ضيفه القيادي في حماس أسامة حمدان الذي كان معه مباشرة على الهواء عن تعليقه على تصريح رونين؛ إجابة حمدان قللت حينها من مصداقية الخبر تحت مبرر أن الجهة المخولة حصراً في إسرائيل بتنفيذ عمليات اغتيال في الخارج هي الموساد ومعها بدرجة أقل “أمان” (الإستخبارات العسكرية)؛ أما الشاباك المنسوب لرئيسه الخبر، فيقتصر نشاطه حصراً على الداخل الفلسطيني المحتل.. ثم ختم حمدان تعليقه بالموقف التقليدي المعروف، وهو أن حماس لا تخشى الاغتيالات، وهي تعيش مع هذه النوع من الاعتداء عليها منذ ولادتها.

 

من وجهة نظر مهنية، فإن إجابة حمدان تثير بمقابلها وجهتي نظر؛ تتعلق الأولى بدور الشاباك في الاغتيالات الخارجية(؟!) لحد بعيد ما قاله حمدان صحيح بخصوص أن الموساد تحتكر العمل الأمني خارج الحدود بالتعاون مع “أمان”؛ ولكن هذه الإجابة تغفل أن جهاز الشاباك لديه أيضاً “وحدة استخباراتية” تعمل خارج الحدود، ويشغلها (الشاباك) على جمع معلومات يتم استثمارها مع الموساد وأمان لتحديد أهداف تقطن خارج فلسطين المحتلة، لتحييدها (أي تصفيتها).

 

ويمكن الإشارة هنا إلى أن أي جهة في العالم؛ يوجد لها من حيث نشأتها ونشاطها صلة بالداخل الفلسطيني المحتل، فإن الشاباك يعتبر أن مطاردتها هي من صلاحياته. وذلك انطلاقاً من وجهة نظر تقول أن نشاط هذه الجهة في الخارج هو امتداد لنشاط معاد موجود في الداخل. وعليه فإن كلام رونين عن التوجه لاغتيال قادة حماس داخل فلسطين وخارجها، يجب النظر إليه كتحذير من جهة “ذات اختصاص معين” بملف الإغتيالات في الخارج، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بملف اغتيال القادة الفلسطينيين الذين يوجد لتنظيماتهم وجود عسكري وأمني داخل فلسطين، وتعتبر كل من حماس والجهاد الإسلامي على رأس هذه التنظيمات.

 

أما وجهة النظر الثانية فمفادها أنه كان متوقعاً أن يحث كلام رونين الذي له مسوغ التحذير، قياديي حماس في لبنان على مضاعفة تدابير التخفي والتستر الأمني من أجل الحفاظ على بنيتهم القيادية وعدم السماح للعدو بتفكيكها؛ وأقله من أجل حرمان العدو من الحصول على صورة انتصارات أمنية واستخباراتية من خلال نجاحه في قتل قادة بارزين من حماس في لبنان.

 

لقد أظهر الكشف الأمني الذي جرى على الشقة التي قتل فيها العاروري أن طائرة أطلقت صاروخاً أصابه على نحو مباشر. لا شك أن الموساد تتبع العاروري خطوة إثر خطوة حتى حدد المكان الصالح لاغتياله. وهناك الكثير من الروايات حول كيف تمكن الموساد من اغتياله. يقال أنه جرى تتبعه منذ عودته إلى لبنان قبل أيام من مقتله، من دولة عربية.. ويقال أيضاً أن الشاباك استغل فرصة أن العاروري هاتَف أخته داخل الضفة الغربية قبل نحو ثلاثة أيام من اغتياله؛ ما مكنه من تحديد مكانه والحصول على طرف خيط يسمح بتتبع تنقلاته داخل الضاحية الجنوبية في بيروت.

المهم من كل هذه الوقائع انها تشترك عند نقطة واحدة وهي أن العاروري لم يمارس الحيطة المطلوبة لحماية نفسه من رغبة إسرائيل المعلنة والجامحة باغتياله.

ولكن أبعد من التساهل بحماية الذات؛ توجد في الواقع مشكلة أكثر أهمية، ويتم اليوم تدارس وضع الحلول لها من قبل كل من حماس وحزب الله.. فمن خلال تجربة الحرب المستمرة منذ يوم ٧ أكتوبر الماضي؛ برز أن هناك فجوة تكنولوجية لصالح إسرائيل؛ وهذه الفجوة هي المسؤولة عن بروز قدرة إسرائيل الزائدة على تنفيذ عمليات اغتيال ضد مسؤولين ميدانيين وقادة بارزين من حماس في لبنان. وحالياً يمكن القول أنه يوجد صراع مع هذه الفجوة وبمواجهتها، وحتى يتم الانتصار عليها بواسطة جسرها، فإن المشكلة ستبقى قائمة ولو بحدود متقلبة ونسبية.

Exit mobile version