الهديل

خاص الهديل: “قمة الدويلات الإسرائيلية الثلاث” لتدراس ما يجب فعله مع “شهر رمضان”!!

 

خاص الهديل

بقلم: ناصر شرارة

ركز ما يمكن تسميته “بمجتمع الاستديوهات في قنوات الإعلام المرئي الإسرائيلي” خلال الأيام القليلة الماضية على مفاجأتين إثنتين يجب أن تستعد لهما إسرائيل في الفترة المنظورة؛ وهما: مفاجأة يتوقعون أن يحملها شهر رمضان؛ ومفاجأة ثانية يعتقدون ان حزب الله يحضر لها..

وقبل الدخول في تفاصيل العنوان الأول الأبعد أثراً لجهة الاستغراق الإسرائيلي في نقاشه؛ يجدر أولاً الإشارة إلى أن المقصود “بمجمتع الاستوديوهات” هو طيف الإعلاميين والخبراء المنتمين لكل الأحزاب الإسرائيلية الذين تستضيفهم قنوات التلفزيونات العبرية؛ وهؤلاء بالعادة يعكسون اتجاهات النقاش الإسرائيلي العام والحزبي..

لقد ظهر واضحاً أنه خلال الأيام القليلة الأخيرة ركز “مجتمع الاستوديوهات” على موضوع تم تقديمه للجمهور الإسرائيلي على أنه عامل مهم وأساسي في تسعير التوتر داخل مناطق العام ٤٨ والضفة الغربية. والمقصود هنا هو حلول شهر رمضان الذي تؤكد تجربة الاحتلال معه، على أنه شهر يستحث الفلسطينيين لتصعيد مقاومتهم العسكرية والمدنية ضد الإحتلال الإسرائيلي.. وعادة ما يبدأ هذا التصعيد انطلاقاً من اعتداء ترتكبه إسرائيل في القدس، كمثال اقتحام مسؤول إسرائيلي كبير للمسجد الأقصى مع بداية شهر رمضان أو في توقيت آخر، كما فعل مرة أرييل شارون، ومرة أخرى ايتمار بن غفير؛ وفي كلتي المرتين رد الفلسطينيون الصائمون بانتفاضة وبحملة مقاومة شعبية وعسكرية كبيرة.

في هذا التوقيت المتسم باشتعال حرب غزة، سيكون لحلول شهر رمضان بحسب توقعات “مجتمع الاستديوهات” وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين دلالات أخرى أبرزها حدوث تطورات تؤدي إلى اشتعال الضفة الغربية والقدس ما يؤدي إلى فتح “الجبهة الثانية الداخلية” بوجه إسرائيل؛ أي “جبهة الضفة – القدس” بعد “جبهة غزة”. 

والسيناريو الذي سيقود إلى حدوث هذه الأحداث خلال شهر رمضان، واضح من وجهة نظر التوقعات الإسرائيلية: الخطوة الأولى سيقوم بها وزير المالية واليميني الديني المتطرف سيموتريتش، وملخصها تزعمه مجموعة يهود متطرفين، والدخول معهم عنوة إلى المسجد الأقصى المسمى من قبلهم بجبل الهيكل؛ وغايته من ذلك فرض معادلة تقول أن هذا المسجد الأقصى الذي يأتي المسلمون للصلاة فيه بكثافة في شهر رمضان، يجب أن يسبقهم إليه اليهود في هذا الشهر، حتى يغيروا مسار الأحداث فيه، بحيث يصبح له مضمون يشي بأنه “جبل الهيكل”، بدل أن يكون المسجد الأقصى!!. 

بعد أيام ستعقد “قمة إسرائيلية” لتدارس كيفية مواجهة الانعكاسات الأمنية المتوقعة لاستحقاق المسجد الأقصى في شهر رمضان على الأمن الإسرائيلي(؟؟). وسوف يحضر “القمة” بن غفير عن اليمين والمتطرفين، وسوف يحضر الشاباك عن ما يمكن تسميته “بالدولة العميقة” في إسرائيل، والطرف الثالث هو نتنياهو كرأس للسلطة والمايسترو الأكثر قدرة على ضبط توازن العلاقة بين “دويلة المتطرفين” التي سلحها بن غفير خلال الأشهر الماضية من رأسها حتى قدميها، وبين الشاباك الذي قيد معسكر وزراء اليمين المتطرف حركته داخل فضاء صلاحياته المتعلقة بحماية الأمن الداخلي.

.. بكلام يقع بين استخدام التعبير المجازي والتعبير الواقعي؛ يمكن القول اليوم بكثير من الثقة أن “القمة الإسرائيلية” المرتقب عقدها الأسبوع المقبل، أو ربما في توقيت آخر؛ سيتقابل فيها ليس ثلاث جهات مسؤولة داخل “الدولة الإسرائيلية” الواحدة؛ بل ثلاث دويلات داخل “الدولة الإسرائيلية” المتعثرة: “دولة الشاباك” المقيدة؛ و”دويلة المتطرفين الحاكمة”؛ و” دويلة نتنياهو” القابضة منذ أكثر من عقد على كل توازنات الحياة السياسية الداخلية الإسرائيلية. 

والواقع أن كل طرف من هذه الجهات الثلاث، لم يعد ينظر إلى نفسه بوصفه يمثل طرفاً داخل دولة واحدة؛ بل بات ينظر إلى نفسه، ويتصرف على أساس أنه يمثل “خندقاً” بمقابل “الخندقين الآخرين”.. ويتضح هذا المعنى من خلال الإضاءة على حقيقة أن اليمينيين المتطرفين الذين وصلوا للحكم قبل سنوات قليلة، معظمهم بل أبرزهم محكوم عليه بقضايا إرهابية من قبل المحاكم الإسرائيلية؛ وهؤلاء كانوا قبل سنوات قليلة مرفوضين من مجتمع النخب والدولة الإسرائيلية، ومطاردين من الشاباك، وسوف يعودون ليكونوا على الأرجح مرفوضين من نخب الدولة الإسرائيلية ومطاردين من الشاباك في حال خرجوا من مواقعهم في الكنيست وفي الحكومة؛ وعليه فإن هؤلاء لا ينظرون للشاباك على أنه جهاز أمن داخلي لكل الدولة ولكل إسرائيل، بل ينظرون إليه على أنه عدو يجب حماية أنفسهم منه وذلك عبر استغلال وجودهم في الحكم حتى يتدرجوا في تقييد صلاحياته وحركته، وأيضاً في تبديل هويته الايديولوجية، وإنجاز مهمة سجنه داخل معادلة جديدة تسهم في إنتاج مركز أمني يميني جديد بمقابله. والواقع أن هذا الهدف الأخير هو ما نجح بن غفير في فعله خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، حيث كتبت هأرتس أمس تقول أن وزير الأمن بن غفير قام باستغلال حرب غزة، وقام بتسليح القوى الحزبية اليمينية الموجودة في مستوطنات الضفة الغربية؛ ثم قام بتنظيمها على شكل “جيش ميليشياوي” مواز للجيش الإسرائيلي، وذلك بعد أن أنشأ بين هذا الجيش الميليشياي، وبين جنود من الاحتياط في الجيش الإسرائيلي يخدمون في الضفة الغربية علاقة تنفيذ مهمات عسكرية مشتركة يأمر بها المستوطنون وليس قيادة الجيش الإسرائيلي أو المستوى السياسي الحكومي.. وتتعلق هذه المهمات باحتلال أراضٍ في الضفة الغربية بعد طرد أصحابها المواطنين العرب منها. 

وقصارى القول هنا أن اليمين الإسرائيلي لم يعد فقط تياراً سياسياً ايديولوجياً صهيونياً كبيراً، بمقابل تيارات اليسار والوسط الصهيونيين؛ بل أصبح “دويلة ميليشياوية” بمقابل الدولة العميقة الممثلة بالأجهزة الأمنية، وبخاصة الشاباك والموساد وأمان، وبمقابل الجيش الإسرائيلي الذي استطاع معسكر اليمين أن يخترق بنيته، ويستقطب شرائح منه لصالح التعاضد العسكري، وليس فقط الايديولوجي، مع نشاط المستوطنين لتنفيذ مشروع طرد العرب الفلسطينيين من “يهودا والسامرة وأورشليم”. 

.. وعليه، فان “القمة الإسرائيلية” التي ستعقد لبحث كيف يجب أن تتعامل “الدويلات الإسرائيلية” مع شهر رمضان الذي يصادف وقوعه هذا العام مع حرب طوفان الأقصى؟؟ ستشكل مناسبة لإظهار مأزق مشروع إسرائيل الداخلي، وذلك انطلاقاً من نقطة هامة واستراتيجية طالما نبهت منها شخصيات يسارية إسرائيلية؛ ومفادها أن استمرار إسرائيل بالتموضع في مربع الدولة المحتلة، سيدفع بها مع الوقت للذهاب إلى مربعات التطرف والعنصرية والمغالاة المتوحشة؛ وحينها ستجد إسرائيل نفسها بمواجهة نفسها أو طبيعتها المحتلة؛ لأن الدول التي تقوم على مفهوم الاحتلال، ستحتلها وتدمرها بالنهاية حيتان التطرف العنصري التي تتوالد بداخلها.

Exit mobile version