د. حمد الكواري:
القاهرة… وإن عهد المحبَة لا ينقطع حتى وإن تراخى مدّة..
عَهْدِ الوَفاءِ وإنْ غِبْنا مُقِيمِينَا
هَلاَّ بَعَثتُمْ لنا من ماءِ نَهرِكُمُ شيئاً نَبُلُّ به أَحْشاءَ صادِينَا
(أحمد شوقي)
الوفاء للمكان ليس غير وجه من وجوه الوفاء لأصحابه، وكم ظلّت روائح الأمكنة تعبق في أنفاسي لأنها مطلية بطيب أصحابها،
ولبعض الأمكنة مكانة مميزة، ومنها القاهرة التي تتربع في قلب كلّ عربي ومسلم وربما كل إنسان مرّ بها، فهي من الحواضر التي عبقت بالتاريخ في مراحله المختلفة، منها مرت حضارات ودول، وفيها نشأ علماء وإليها وفد علماء وطلبة علم على مرّ الأزمنة.
وليس منا إلا وكان لها عليه دين، فقد يكون شرب من نيلها، أو نهل العلم من جامعاتها، أو تعلم على يد أساتذتها، أو تثقف من أدبائها أو استنار من علمائها، أو استمتع بفنها بكل أنواعه، فقد تركت القاهرة في محبيها أثر لا يمحى.
شاءت الظروف أن أنقطع عن زيارتها بما يزيد عن عشر سنوات، لعتب عليها والعتب بقدر المحبة، وقاعدة البعيد عن العين بعيد عن القلب، لا تنطبق على القاهرة، لم أزرها لسنوات ولكن بقيت في العين والقلب، لأنها أهدتني أجمل الهدايا وأعز الناس، التي لا تفارقني أبداً، شريكة الحياة بحلوها ومرها.
زرتها الأسبوع الماضي، زيارة قصيرة ولكنها عميقة وأحييت في قلبي ذكريات كثيرة، وطار العتب عليها بمجرد رؤيتها التي اقتصرت على إعادة اللحمة، وستتلوها إن شاء الله زيارات، لنواصل ما انقطع من تواصل مع الأصدقاء وأهلها الطيبين الذين لهم مكانة في القلب لا تتزعزع.
وأعرف أن أصدقاء يعتبون وسيعتبون لأني لم أتصل بهم، ولهم العتبى حتى يرضون.
إنها بداية قطْرِ لمحبة غامرة، وإن عهد المحبَة لا ينقطع حتى وإن تراخى مدّة، فالصادقون لا تنقطع المودَة بينهم رغم محن الزمان.